2024-11-27 06:43 م

 فيلم “رحلة المائة قدم” يكشف الهوة في الثقافات بين الشعوب

علي المسعود
الطعام يعكس ثقافات الشعوب وعاداتها، وعلى صعيد آخر ليس فقط مصدراً للصحة والطاقة، لكنه يعكس أيضاً عادات الشعوب وثقافتها على مر العصور. ولكل الشعوب ثقافاتها المختلفة  ومن ضمنها ثقافة الأكل، التي هي واحدة من هذه الثقافات الهامة جداً، فلكل شعب ثقافة خاصة في طبيعة الطعام الذي يتناوله وطبيعة طبخه . والطعام في الثقافة الغربية كما هو في ثقافات عديدة يقترن بقدر من البهجة،  كما يؤشر كتاب صدر بالإنجليزية، لـ”كين الابالا”، وعنوانه ”قارئ تاريخ الغذاء ومصادره الاساسية”، كما أن المؤلف مؤرخ متخصص في تاريخ الغذاء ، وفي هذا الكتاب يتطرق لطقوس البهجة عندما يجتمع البشر معا لتناول الطعام ، كما يتحدث عن اتجاهات الثقافات المختلفة حيال الغذاء ، ويوضح المؤلف “كين الابالا” في كتابه بأن ”الغذاء يساعد في تعريف الهوية” ، فيما التاريخ الغذائي لمجموعة إنسانيةغالباً ما يكشف الكثيرعن ثقافتها  ، ويتوغل من منظور تاريخي ثقافي في ألوان الطعام لأرض الرافدين، ومصر القديمة والإغريق والرومان وإنجلترا في العصر الفيكتوري، مستعرضا حب الإنسان للطعام عبر الزمان والمكان . في فيلم ( رحلة المائة قدم ) وهو دراما كوميدية رومانسية ساحرة ، وفيه تتعارض الثقافات مع الطعام والماكولات بشكل متناسق ، يتطرق كاتب هذه الدراما / الكوميديا الى الصدام الثقافي والقضايا المتعلقة بالتوترات العرقية / الطبقية والمشاكل ذات الصلة في أوروبا .
هذا الفيلم مأخوذ عن رواية ل”ريتشارد سي مورايس” ـ ومن خلال فريق إبداعي يضم المنتجين ستيفن سبيلبرغ وأوبرا وينفري. الفيلم الروائي الأميركي “رحلة المائة قدم” للمخرج السويدي”لاس هالستروم” ـ (من مواليد 2 يونيو 1946 في ستوكهولم)- أخرج للسينما مجموعة من التحف التي ترتبط بشكل او بآخر بموضوعات الاكل، مثل فيلم “شوكولاتة” عام 2000 والذي كان من بطولة جوني ديب والفرنسية جولييت بينوش وفيلم “صيد سمك السلمون في اليمن”، كتب السيناريو السيناريست “ستيفن نايت”، الفيلم يضم طاقم من التمثيل المتميز مثل النجمة البريطانية ” هيلين ميرين “، والفنان الهندي “أوم بوري”، والممثل الأميركي من أصل هندي”مانيش دايال”، والفنانة الكندية” شارلوت لو بون”، والنجمة الهندية “جوهي تشاولا”. المشهد الافتتاحي للفيلم يبدأ من مدينة مومباي الهندية وفي سوق شعبي ، الأم “جوهي تشاولا” تخترق السوق مع إبنها الصغير حسن “مانيش دايال” وهي تتبضع  مثل كل يوم للمطعم الذي يمتلكونه في مومباي، عندما كان حسن لا يزال طفلاً ، نراه في أحد الأسواق مفتونًا بشكل برائحة قنافذ البحر السوداء الخشنة ، قنافذ البحر لها طعم الحياة ، ألا تعتقد ذلك؟” تقول والدة الصبي وهي معلمته في الوقت ذاته. وقد بذلت جهداً كبيراً سواء في تربيته وفي تعليمه فنون الطبخ الهندي. تعلم  حسن كذالك صناعة النكهات اللذيذة في مطعمهم الخاص بمدينة مومباي والتي تشير إلى تراث الأمة الهندية وثقافتها الغذائية.
وكانت تدرّبه كي يحلّ محلها كطاهٍ رئيسي في هذا المطعم الذي يعتمدون عليه كلياً في تأمين الرزق الحلال . وقد تعلم منها “أن كل شيء نأكله يملك روحاً حتى الخضار والفواكه”، وإذا كانت تلك الخضر والفاكهة لا تملك روحاً فهي لا تصلح لوصفات الطبخ الجيدة . نتيجة لعمل تخريبي ناجم عن فتنة عرقية ومذهبية في الهند على إثر خلافات بعد الانتخابات، تضيع أحلام العائلة حين تقوم مجموعة من الرعاع بمهاجمة المطعم وحرقه ، الأمر الذي يفضى إلى موت الأم فيما نجح الأب كاظم وعائلته في إخلاء جميع الزبائن الذين كانوا متواجدين في أثناء الحادث . يهاجر الاب صاحب المطعم “علي كاظم” إلى بريطانيا مع عائلته تاركا خلفه مطعمه المحترق وزوجته التي راحت ضحية هذه الفعل الأجرامي الذي كان طابعه التطرف القومي والديني .
بعد موت الام واحتراق المطعم  يقرر الاب بالهجرة مع عائلته الى بريطانيا وسكنوا في منزل بالقرب من مطار هيثرو في بريطانيا  ، بعد سنة  يقررالأب وأولاده مغادرة بريطانيا لأنهم لم يجدوا فرصتهم في إنجاح مطعهم الذي افتتحوه هناك، وكان من لطيف تبريرهم ذلك بأن خُضرة هذا البلد تفتقد إلى “الروح” الذي يمنحها المذاق، وأمام ضابط الجوازات الذي يسأل أفراد العائلة عن سبب مجيئهم ومغادرتهم المملكة بفترة قصيرة؛ لماذا بالضبط تريد ترك لندن وبهذه السرعة ؟ ، يرد عليه الشاب (حسن) ” لقد وجدت  إن الخضار في انكلترا ليس لها روح ولا حياة “. بعد وقت قصير من عبور الحدود بين سويسرا وفرنسا، تتعطل مكابح سيارة (بابا) بالقرب من قرية سان أنتونين في فرنسا ويفقد الاب السيطرة على السيارة وترتطم بشجرة على حافة الطريق . ويصادف مرور الشابة مارغريت (شارلوت لوبون) بدراجتها ، وهي طاهية في مطعم فرنسي فخم يدعى (الصفصاف الباكي). تمر بهم وتقوم بتقديم المساعدة للعثورعلى ورشة لإصلاح السيارات وبيت للضيافة . تأخذ عائلة كاظم إلى شقتها وتستضيفهم على العشاء . كان الأب (بابا) مذهولاً من نوعية الطعام في القرية وتوافره وغنى روحه . صادفت العائلة في طريقها عبر البلدة مبنى مطعم مهجور في ضواحيها ومتاح للشراء . ويسمع الأب صوت زوجته الراحلة يهمس له في قلبه أن هذا هو المكان وها هنا المستقر ورأى في ذلك إشارة إلهية .
قرر تجديد ذلك المطعم وجعله مطعماً هندياً باسم “ميزون مومباي” ، وفي تلك القرية أو البلدة تدور بقية أحداث الفيلم . يفتح الأب مطعمه ويطهو الطعام فيه بمساعدة أبنائه وبالأخص ولد من أولاده (حسن) وهو بطل الفيلم وحوله تنتسج خيوطه ” حسن كاظم “الذي سوف يرتبط بمارغريت مساعدة الشيف في مطعم منافس ومقابل لهم علاقة حب . وعبر سلسلة جميلة من المنافسة بعض حلقاتها شريف وبعضها غير ذلك . الأرملة المتعجرفة مدام مالوري (ميرين) صاحبة المطعم المقابل لهم غاضبة؛ لأنها تعاني غصة كلما فتحت أبواب مطعمها (الذي هو بمثابة معبدها) والحاصل على نجمة المطبخ الراقي ميشلان في فرنسا الريفية، لتواجه مطعم (مومباي ميزون) المطبخ الهندي الشرقي المتواضع.  وهي مستاءة جداً من التقاط أنفها رائحة خفيفة من الكاري والبهارات الهندية من عند (بابا) والموسيقى الهندية. مدام مالوري كانت معجبة بثقافة حضارتها ومتعصبة لها ومكرسة نفسها للعمل في مطعمها، ويتواجه كلا المطعمين بتاريخهما وإرثهما وكأنه صدام حضاري، لم تكن مدام مالوري لتسمح مع غرورها العنصري بالموسيقى الهندية، ولابالديكور الخارجي المبهرج، ولا بالطعام الشرقي الحار في حجب الاضواء عن مطعمها والانقضاض على إقطاعيتها، لذلك تستخدم كل قدرتها لإحباط مشروع الجيران الجدد ـ تقدم شكوى ضد المطعم عند عمدة البلدة ، قالت له ببرود: لو أنك تقلل من صخب موسيقاك.
في “رحلة المائة قدم “، عائلة كاظم – وإبنه حسن (مانيش ديال) ، طاهٍ تعلم كل ما يعرفه من والدته ؛ والده العنيد المشار إليه فقط باسم بابا (أوم بوري) ؛ وأطفال بابا الأربعة الآخرون – يغادرون الهند عندما يتم إحراق مطعم عائلتهم وهي جريمة الكراهية التي تحرق والدة حسن ، بدلاً من ذلك ، تبدأ العائلة بداية جديدة ومن الصفر ـ وكما يروي حسن قصة العائلة ، فإننا سنشاهد وفي مشاهد سريعة مزيجًا من عرض للذكريات الماضية التي تحمل الحنين الى الوطن الأم ثم تنتقل إلى فرنسا وهناك يستقرون في بلدة جميلة وهادئة مع سوق أخضر مزدحم ، وأسطح منازل مكسوة باللون الأحمر ، ومطعم مهجور ، حيث يعيدون إنشاءه وبالديكور الهندي والموسيقى الهندية المميزة، والدخول في  منافسة مع المطعم عبر الشارع . مدام مالوري (هيلين ميرين) تحاول التشويش على عائلة كاظم وإفساد يوم افتتاحهم لمطعمهم من خلال شراءها جميع الاسماك  والمأكولات البحرية المتاحة محلياً وهي الاطباق الرئيسية في ليلة الافتتاح تلك، منطلقة من منطق عنصري ضيق إتجاه هؤلاء الناس بعد أن أطلعها الطاهي حسن ببراءة وبطيبة قلب على قائمة طعام يوم الافتتاح فاستغلت ذاك بخبث لتخرب عليهم عملهم . وكرد على خطوتها العدائية يذهب بابا إلى السوق ويقوم بجمع كل المنتجات الغذائية في سوق القرية من خضراوات وحمام ويرد لها الصاع صاعين .
وما كان يبدو في بداية الفيلم أنه صدام ثقافات فاتر تحول بعد قليل من مسيرة الفيلم إلى غليان وتشتعل الحرب. وتصل الحرب إلى ذروتها في يوم إحتفالات الباستيل عندما قام أحد طهاة السيدة مالوري وهو جان بيير واثنان آخران ، بتخريب مطعم كاظم بالطلاء بالرش بالكلمات التي تُترجم إلى “فرنسا للفرنسيين” على الجدار الخارجي وإلقاء قنابل حارقة على الداخل . يمسك حسن المتورطين ويخيفهم بعد إصابة يديه بالحرق ، لكن بدلاً من طرد العائلة الهندية من المدينة خوفًا ، فإن هذا الهجوم العنصري يدفع مدام مالوري لتغيير أساليبها تمامًا. في صباح اليوم التالي تعقد مدام مالوري تقوم بدورها الممثلة القديرة “هيلين ميرين “، اجتماعاً لطهاتها وتسألهم إن كانوا يعرفون معنى كلمة ” لامارسييز ” (النشيد الوطني للجمهورية الفرنسية، تم كتابته عهد الثورة الفرنسية )، وتبدأ بالحديث عن العدالة والإخاء والمساواة التي يحكي عنها النشيد الوطني الفرنسي، ثم تطرد الطاهي المسؤول عن التخريب، وتذهب بنفسها لتنظف جدران المطعم وأزالة الكتابات التي قام عمالها بكتابتها.  وهذه إشارة ذكية وعميقة من الفيلم للسياسة الغربية في ضرورة نبذ العنصرية والتطرف.
وحين يعرف حسن عن طريق صديقته مارغريت كيف تختار مدام مالوري الطهاة وكيف يتم إختبارهم وذالك عن طريق اختبار تذوق عجة وتحديد ما إذا كان الشخص طاهًيا متمكناً بالفعل ، وسيذهب إليها حسن ويسأل عما إذا كان يمكنه طهي عجة لها في وصفته. بسبب يده المصابة تساعده مالوري تحت إشراف حسن ، وبعد تذوق العجة ، التي كان لها لمسة هندية ، أدركت مدام مالوري مدى مهارة وإمكانيات حسن ودعته للعمل معها كمتدرب واعترفت له بأنها تعمدت تجاهل اعتذاره نيابة عن والده  في المرة السابقة ، عندما صنع لها طبق الحمام الكلاسيكي ورمته السيدة مالوري في حاوية الزبالة. عارض الاب في البداية هذه الخطوة ، لكنها أبرمت في النهاية صفقة معه بشأن أجرة حسن ، وفي النهاية يقبل بابا توظيف حسن رئيسًا للطهاة في مطعم مدام مالوري على أمل الحصول على نجمة ميشلان ثانية ، وانتقاله من مطعم العائلة إلى مطعمها هي رحلة المائة قدم . وبالفعل يفوز مطعم مدام مالوري بالنجمة الثانية بعد أن أصبح حسن الشيف لها ،  احتضنت مدام ماوري حسنً لتشكره على هذا الإنجاز . الطعام يمزج ما بين الثقافات ويسمح لنا أن نطلع على حياة الآخرين .الطباخ حسن، والذي طور المطبخ الفرنسي تدريجيا واصبح مزيج من المطبخ الهندي والمطبخ الفرنسي ، والنتائج  كانت في مطعم مالوري حين يفوربنجمة ميشلان الثانية . تلفت تلك الجائزة الانتباه الفرنسي لمهارة حسن في طبخه، ويقدم له عرض وظيفة شيف في أشهر مطعم باريسي ويقبله. وكذالك يتصالح  الاب (بابا) كاظم والسيدة مالوري ويبدآن في رؤية بعضهما البعض ، لكن علاقة حسن بمارغريت توترت.
سرعان ما تلقى حسن في باريس إشادة من النقاد ، مما أثار تكهنات بشأن حصول المطعم الباريس الذي يعمل فيه على نجمة ميشلان ثالثة ، لكن عمله يتعثر بشكل متزايد بسبب إحساسه بالغربة وحنينه الى أهله بعد أن أيقظت رائحة الطعام الهندي وتوابله بعد أن قام بتذوق طعام زوجة رجل هندي آخر يعمل معه في المطبخ ، أيقضت شوقه الى أهله وأخوته والى مارجريت (التي كان لديه قصة حب معها) . يعود حسن إلى المنزل بعد عام ويلتقي مع مارغريت ، ويدعو مارغريت للانضمام إليه في مشروع تجاري – شراء حصة في مطعم مالوري ، يعتقد حسن أن هذا سيساعد المطعم على كسب نجمه الثالث.. الفيلم اقتبس عن رواية ريتشارد مورايس (رحلة المائة قدم) الصادرة عام 2010 ، ورغم أنها كانت الرواية الأولى له ، إلا أنها من أكثر الكتب مبيعاً عالمياً في تقييم الـ (نيويورك تايمز ) ، يقول ريتشارد موريس، الصحفي الأميركي الذي ولد في البرتغال ونشأ في سويسرا وعاش معظم حياته في ما وراء البحار، ليعود إلى الولايات المتحدة في أواخر عام 2003 : ” إن هدفه من الكتابة كان تقديم رواية ممتعة، مملوءة بالحياة والطرافة، وفي الوقت نفسه تحتوي على بعض الحقائق الإنسانية الأساسية أو الأفكار المثيرة التي يبقى صداها يتردد في رأس القارئ جيداً بعدما ينتهي من قراءة القصة” . الفيلم جميل ومتقن في تصويره وتمثيله وإخراجه وديكوراته وموسيقاه.
ويحترم العقل ويلامس القلب ويترك المشاهد بعده شاعرا بمتعة ، هناك أشياء كثيرة أحببتها في هذا الفيلم، مثل المشهد السحري الذي يحول فيه حسن العجة العادية إلى شيء غير عادي بسبب عبقريته في الطهي وحبه للطهي ؛ وكذالك الموسيقى الهندية المتميزة والتي كانت من تأليف الموسيقار الهندي العبقري اي. ار. رحمان الذي يعتبر اليوم من اهم صناع الموسيقى التصويرية في العالم . والتوتر الدراماتيكي حين تنتظر مدام مالوري المكالمة الهاتفية لإعلامها ما إذا كان مطعمها سيحصل على نجمة ميشلان الثانية للتميز . كل المشاهد تظهر كيف أثرت عائلة كاظم في المطعم وحياة البلدة الصغيرة . بدأ التصوير الرئيسي  للفيلم في 23 سبتمبر 2013 ، في جنوب فرنسا وفي مجمع يقع في سان دوني شمال باريس،  واستمر لمدة تسعة أسابيع واستكمل التصوير في هولندا ، وقبل بدء التصوير أمضى كل من الممثل مانيش دايال والممثلة شارلوت لوبون قدرا كبيرا من الوقت في الذهاب إلى المطاعم والتعلم في المطابخ، كما إستشار المنتج “جولييت بليك” الشيف الهندي المولد فلويد كاردوز ، الذي عمل على “دمج ثقافتين معًا من خلال الطهي”.
يتحدث حسن عن الوجبات التي تمثل ذكرى وكيف تربط المكونات رواد المطعم بوطنهم والأشخاص الذين يعرفونهم هناك . صنع  هذا الفيلم بمهارة وحب وأستخدم المخرج هالستروم مجموعة متنوعة من التقنيات لجعل تدفق الفيلم يبدو سلساً وبلا تعقيد . يجتمع التصوير السينمائي الملون المتوهج والمبهج للطبيعة الساحرة، والمناظر الخلابة للغاية وكانت النتيجة رائعة لفيلم مبهر وجميل ، بحيث يشعر المشاهد باحساس وهو أن كل الممثلين مبتهجون وكذالط مشاهد تحضير الطعام تم تصويرها بإغراء لتجعلك تشعر بالجوع.  وكانت الممثلة ميرين متألقة مثل السيدة الراقية والمقاتلة من أجل الحفاظ على مطعمها ورواده . وحسب  الفلسفة القائلة بأن الزي لا يقل أهمية  في عكس الشخصية ، لذا كانت ميرين “استباقية تمامًا” في مظهر مدام مالوري. ومع ذلك ، كان لدينا مصمم أزياء رائع وهو في الواقع رجل فرنسي رائع ” بيير إيف جايرود” في ” تحويل ميرين إلى ما تصفه بـ “المرأة الفرنسية الأنيقة” ، من الجدير بالملاحظة التغيير التدريجي في الشعر والماكياج وخزانة الملابس الذي يعكس النمو العاطفي للقصة حيث تنتقل السيدة من صلبة ورزنة إلى أمرأة رومانسية وناعمة. بالإضافة ظلال العيون للمكياج، ويتحولذوقها وإختيارها الملابس من البدلات الرسمية ذات الألوان الداكنة إلى الفساتين الحريرية ذات الأوشحة المنقوشة بالالوان الهندية. وكان تصميم الأزياء في الواقع ذكيًا ودقيقًا للغاية . ومن الجدير بالذكر ، أمضت الممثلة “هيلين ميرين” يومًا كاملا في أحد مطاعم بيفرلي هيلز المحلية وهي تراقب العاملين في المطبخ . تقول عن تلك التجربة الميدانية ” “لقد وقفت هادئًة في الزاوية وشاهدت كل شيء يحدث. كان ذلك رائعا للغاية واستثنائي . نوع من الباليه الرائع من الناس يتنقلون حول بعضهم البعض ، مساحة صغيرة ، الجميع يعرف بالضبط أين كل شيء، أين يجب أن يكونوا في أي وقت.
جمال الأعمال ، مثل آلة مزيتة بشكل جميل وهادئ . صامت تماما. ربما قليلا من الكلام ، ولكن ليس صاخبا ، لا أحد يصرخ ، كان كل شئ مبهر”. لا تزال فكرة فيلم “رحلة مائة قدم” غير محددة، وحسب السيناريو في عدم التركيز السردي على فكرة واحدة . ماهي القصة الاساسية  التي يريد أن يرويها الكاتب ، هل الموضوع يتعلق بالضغينة والصراع بين مدام مالوري وبابا؟، أم أنها حكاية الشاب حسن الذي ينمو كطباخ ويصنع لنفسه اسمًا؟ ، أم يتعلق الأمر بالرومانسية وقصة الحب التي تتطور بين حسن مع مارغريت (شارلوت لوبون) التي تعمل كواحدة من طهاة مدام مالوري؟ ، أوربما يتعلق النص بتعلم الثقافات المختلفة للعيش مع بعضها البعض . حقيقة أن المبنى( المطعم الهندي) على بعد مائة خطوة فقط عبر الشارع من (الصفصاف الباكي) المطعم الشهير الذي تديره  ميرين”مدام مالوري” وهي امرأة اعتادت على خدمة السياسيين والذواقة ، مالوري التي حافظت على تقاليد الأناقة والطعام الفاخر التي بدأها زوجها المتوفى الآن.  إنها المائة قدم التي تفصل بين الثقافات.  وهي المسافة التي تفصل بين المطعم الفرنسي و المطعم الهندي . تنشأ المتاعب عندما يفتح  المطعم الهندي حرفيًا عبر الشارع على بعد مائة قدم من مطعم مدام مالوري “هيلين ميرين” – (ومن هنا جاء العنوان). مدام مالوري مالكة صعبة تتوقع فقط الأفضل من طهاتها. هناك حتى هذه السمة الشخصية االقوية حيث تختبر مقدم طلب محتمل عن طريق تناول قضمة واحدة من وجباتهم الجاهزة  ويبدو أنها تستطيع أن تعرف من لدغة واحدة ما إذا كانت جيدة بما يكفي للعمل معها أم لا. هيلين ميرين صارمة – كما هو الحال دائمًا – كمديرة  تسعى بشدة للبقاء المطعم الأكثر شعبية في المدينة لدرجة أنها ستفعل أي شيء لمنع المطاعم الأخرى من أن تصبح منافسة.
 في الختام : أن مسافة مائة قدم التي تفصل عبر الشارع، بين المطبخ الهندي الجديد وآخر فرنسي تقليدي عريق، يمكن أن تمثل الهوة بين الثقافات والرغبات المختلفة، ويمكنها أن تمثل الجسر بينهما أيضاً ، فيلم يحمل معنى شديد الأهميّة فى تقبّل الآخر ، واختلاف الثقافات، وانه مهما بدى هنالك اختلافاً فى البشرة واللون والدين والثقافة . ثمة أمور تجمع البشر سوياً بالفعل ولا تفرقهم أبداً ، إنها رحلة العائلة الهندية المسلمة الى الريف الفرنسي. منتهى التناقض فى كل شيء، فى الثقافة والسمع واللغة واللون والبشرة والحياة . بدأت بحذر من كلا الجانبين ، ثم انتهت نهاية تمثل ذروة الفطرة الإنسانية فى تقبل الآخر ، مهما بدا مختلفا.


المصدر: رأي اليوم