2024-11-23 12:17 ص

إردوغان 2022.. البقاء في سوريا وليبيا والمصالحة مع اسرائيل

إردوغان والرهانات الصعبة

2021-12-29

حسني محلي

في نهاية العقد الأول من "الربيع العربي" الدموي، أرادت أنقرة خلال الأشهر الأخيرة من العام 2021 أن تعيد النظر في سياساتها الإقليمية بعد أن وصلت إلى طريق مسدود، والسبب الرئيسي في ذلك هو إفلاس مشروع الإسلام السياسي إقليمياً ودولياً، فبعد أن هدَّد رجب طيب إردوغان كلّاً من السعودية والإمارات والبحرين ومصر وتوعّدها بعد انقلاب عبد الفتاح السيسي على الإخوان المسلمين في تموز/يوليو 2013، وأصبح طرفاً عسكرياً مباشراً في الخليج عندما أرسل جيشه للدفاع عن حليفه تميم آل ثاني في حزيران/يونيو 2017، وجد نفسه مضطراً إلى التراجع عن كلّ ما قاله ضد قيادات هذه الدول، ولا ندري إذا اعتذر منها أو لا. 

ومع فشل هذه المساعي وتلك التي تهدف إلى تحقيق المصالحة مع "العدو الأول إسرائيل" (التقى الأربعاء الماضي عدداً من الحاخامات اليهود في قصره)، جاءت المفاجأة الأهم عندما استقبل إردوغان (24 تشرين الثاني/نوفمبر) عدوه الأكبر محمد بن زايد، الذي اتهمته أنقرة بتمويل الانقلاب الفاشل في تموز/يوليو 2016، ودعم جميع أعداء الرئيس التركي في الداخل والخارج.

وكان سادات بيكار، زعيم إحدى عصابات المافيا، أحد أسباب هذه المصالحة، لأنه موجود في الإمارات. وقد بث قبل أشهر العديد من أشرطة الفيديو التي تحدَّث فيها عن تورط إردوغان في سوريا ودعمه المجموعات المسلّحة، كما تحدث عن تورط نجل رئيس الوزراء السابق بن علي يلدرم ووزير الداخلية سليمان صويلو وآخرين في قضايا فساد خطرة، بما فيها تهريب المخدرات من كولومبيا وفنزويلا إلى قبرص، ومنها إلى تركيا.

واعتبرت أوساط المعارضة أن أحاديث باكار هي السبب الرئيسي في محاولات إردوغان للمصالحة العاجلة مع ابن زايد، إذ منعت السلطات الإماراتية (بعد زيارة بن زايد إلى أنقرة) باكار من بث أي أشرطة جديدة عبر "يوتيوب"، وكان ما لا يقل عن 30 مليون شخص يشاهدها. 

الرئيس إردوغان الذي سيبدأ عامه الجديد بمزيد من التحرك الإقليمي، يتوقع البعض أن يدفع باتجاه القيام بزيارات متبادلة مع الرياض و"تل أبيب" قبل أو بعد زيارته إلى أبو ظبي أواسط شباط/فبراير القادم، وقبل شهر من القمة العربية، وستسبقها قمة إردوغان مع بوتين ورئيسي، في الوقت الذي تستمر مساعي أنقرة السرية والعلنية للمصالحة مع الرئيس السيسي، الذي يعدّ بدوره على تنسيق تامّ مع أبو ظبي والرياض وعمان في ما يتعلَّق بمستقبل الحوار الجديد مع أنقرة، وهو ما سيعتمد أساساً على مواقفها في ليبيا وسوريا. 

وسيضع ذلك إردوغان أمام رهانات صعبة لن يكون سهلاً عليه حسمها ما دام لن يتراجع عن سياساته هناك، بعد أن عقد آمالاً كبيرة على هذه السياسات الّتي جعلت تركيا عنصراً مهماً في مجمل الحسابات الإقليمية والدولية بالنسبة إلى الجميع. 

وسيعني ذلك استمرار إردوغان في سياساته الحالية في سوريا أولاً، وليبيا ثانياً، بعد أن نجح في إقامة علاقات متشابكة ومعقدة مع أوساط سياسية مختلفة ومجموعات مسلَّحة تساعده على تطبيق أجنداته، ليس في هذين البلدين العربيين فحسب، بل في مناطق أخرى أيضاً، بما فيها العراق، حيث أقام العديد من القواعد العسكرية في شماله وسط غياب الاهتمام العراقي والعربي بذلك. 

ولم يهمل إردوغان مساعيه الدبلوماسية والعسكرية لتحقيق التوازن بين تحركاته الإقليمية والدولية، وكان الهدف منها، وما زال، كسب ود واشنطن له شخصياً ولأنقرة في تحدياتها لموسكو في سوريا؛ الساحة الأهم بالنسبة إلى مجمل تكتيكاته واستراتيجياته، فهو لا يريد للأنظمة العربية أن تعيد دمشق إلى الجامعة العربية التي جمدت عضويتها في نهاية العام 2011، بضغوط قطرية وسعودية ومصرية، وبالتنسيق مع أنقرة التي استغلت العام 2021 لترسيخ أقدامها فيها، وستفعل المزيد مع بدايات العام 2022، الذي سيشهد تحركاً شاملاً يريد إردوغان من ورائه أن يجعل رأيه هو الرأي السائد في الساحة السورية، وأن يجعل قوله فيها هو الفاصل، ما دامت سوريا قفل كلّ المعادلات الإقليمية، ويريد لمفتاحه أن يبقى بيده، ليبقى هناك كيفما كان وإلى متى يشاء.

نجاح إردوغان في إبقاء الوضع المعقّد سياسياً وعسكرياً وجغرافياً على ما هو عليه في إدلب خصوصاً وسوريا عموماً، وتبعات ذلك على لبنان ومجمل المعادلات الإقليمية، بما فيها اليمن، ينعكس من دون شك على مسار مباحثات النووي الإيراني الذي لا تريد له أنقرة أن يساعد طهران على دعم موقفها الإقليمي، وخصوصاً في سوريا والعراق ولبنان. 

وقد نجح إردوغان بشكل مباشر أو غير مباشر (عبر التحالف مع الدوحة) في إبقاء الموقف العربي على ما هو عليه في سوريا، وهو ما يفسر التصعيد القطري والسعودي الأخير ضد الرئيس بشار الأسد، والتهرب المصري والإماراتي من اتخاذ أي موقف عملي وواضح تجاه دمشق، فالمعلومات تتحدث عن وساطات إماراتية بين أنقرة والقاهرة، بانعكاسات ذلك على الملف الليبي، من دون أن تفكّر أبو ظبي في وساطات مماثلة مع دمشق، وهي تعلم أنَّ الجميع سيعودون إلى نقطة الصفر من دونها، هذا بالطبع إن لم يكن ذلك مطلوباً أيضاً!

ويبقى التنافس التركي مع روسيا في العديد من الساحات التي تحيط بالمصالح الاستراتيجية لموسكو، وأهمها أوكرانيا، ثم أذربيجان، بامتداداتها في القوقاز والبلقان والبلطيق، وحتى آسيا الوسطى، الحديقة الخلفية لروسيا، الموضوع الأهم في حسابات إردوغان للعام 2022، من دون أن يبالي بالقلق، وأحياناً التحذير الروسي الَّذي تجاهله أكثر من مرة في إدلب، وسوريا عموماً، بعد أن حققت له تفوقاً تكتيكياً واستراتيجياً في جميع حساباته الإقليمية والدولية، والفضل في ذلك لموسكو، التي يعرف أنها، ولأسباب عديدة، لا تريد أي مواجهة مباشرة معه، وخصوصاً بعد أن نجح في استغلال نقاط الضعف الروسية، وأقنع من خلالها الرئيس بايدن بأنَّ الحسابات الأميركية في المنطقة بحاجة إلى دولة مهمة بثقلها كتركيا في العديد من الساحات، وأهمها سوريا وليبيا، حيث المصالح المشتركة بين الطرفين. 

لا تضغط واشنطن على أنقرة لسحب قواتها والمرتزقة السّوريين من ليبيا، وهي تنسق مباشرة عبر ممثلة الأمم المتحدة ستيفاني وليامز (الأميركية)، التي تعدّ على علاقة مع الأطراف المقربة من أنقرة، وفي مقدّمتها محمد المنفي وعبدالحميد الدبيبة، اللذان استلما السلطة بفضل هذا التنسيق، السري منه والعلني، في 5 شباط/فبراير الماضي.

كما تلتقي الحسابات التركية مع الحسابات الأميركية في سوريا، ما دام الوضع شرق الفرات يرضي الطرفين، في الوقت الذي يمنع التواجد التركي في الشمال السوري شرق الفرات وغربه أيّ تفوق روسي وإيراني في سوريا، ويمنع في الوقت نفسه أيّ انتصار للرئيس الأسد داخلياً وعربياً وإقليمياً، ولأنَّ مثل هذا الانتصار سيعني هزيمة إردوغان ومشروعه العقائدي والاستراتيجي، ولم يبقَ منه إلا الجانب النفسي، بعد أن تراجع عن كلّ ما قاله وفعله ضد مصر والسعودية والإمارات والبحرين.

وما على إردوغان في هذه الحالة إلا التمسّك بملفّ الأسد، مهما كلَّفه ذلك، بما فيه استمرار الفتور والتوتر مع صديقه فلاديمير بوتين خلال العام الجديد، وعلى الأقل في الأشهر الأولى منه، التي ستحمل معها العديد من المفاجآت.

كما سيستمر في مساعيه للمصالحة مع العواصم العربية التي تنتظر ضوءاً أخضر من "تل أبيب"، ولو عبر واشنطن، التي تريد بدورها أن تستغلّ نقاط الضعف التركية حتى النفس الأخير، وخصوصاً مع استمرار الأزمة الاقتصادية والمالية الصعبة، بعد أن تجاهل إردوغان "النصوص الدينية" التي قال إنه "ملتزم بها لخفض سعر الفائدة"، إلا أنّه عاد ليرفعها بشكل مضاعف، ولو بشكل غير مباشر، في محاولة منه للحدِّ من انهيار الليرة التركية، "وسيتم تقدير قيمتها بعد الآن وفق تعاملات الدولار داخلياً، وفي الأسواق العالمية، وهو ما قد يؤدي إلى إفلاس الخزانة التركية، بعد أن أفلس المصرف المركزي"، على حد قول وزير الاقتصاد السابق وزعيم حزب "الديمقراطية والتقدم" علي باباجان، الذي قال أيضاً: "إيمان إردوغان بالنصوص الدينية لم يدم سوى أسبوع واحد، وسنرى معاً كم سيدوم برنامجه الاقتصادي الجديد والفشل مصيره المحتوم!".

المصدر/ الميادين نت