في ذكرى مقتل الصحافي السعودي الشهير جمال خاشقجي، ونجاح محاولات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان حتى اللحظة في محاولات التنصل من جريمة تقطيع واغتيال خاشقجي، الذي كان مقيما في الولايات المتحدة ويكتب في صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكيّة، زعم وزير الخارجية الأمريكيّ، أنتوني بلينكن، أنّ بلاده ملتزمة بالدفاع عن حرية التعبير وحماية الصحفيين والنشطاء والمعارضين في كل مكان، رغم أن الولايات المتحدة أفرجت قبل عام عن التقرير السريّ للاستخبارات الأمريكيّة والذي كشف أنّ ولي العهد السعوديّ، محمد بن سلمان (الحاكم الفعليّ في السعودية)، أجاز عملية اغتيال الصحافيّ السعوديّ المعارض، في قنصلية بلاه بإسطنبول عام 2018، دون أن تحرك أمريكا ساكناً في هذا الأمر.
ومن المعروف وفقاً للصحافة الأمريكيّة أنّ 4 سعوديين مشاركين في تلك الجريمة البشعة، تلقوا تدريبات شبه عسكريّة في الولايات المتحدة قبل الحادثة بعام واحد، بموجب عقد أقرته وزارة الخارجية الأمريكيّة، ما أعاد النفاق الأمريكيّ إلى الواجهة مجدداً، بعد أن شغلت تلك القضيّة معظم دول العالم وكشفت اللثام عن حقيقة النظام الحاكم في بلاد الحرمين، رغم تعهدات واهيّة من رئاسة جهاز الاستخبارات الوطنيّة الأميركيّة، التي ادعت أنّها ستقديم ملف التحقيق في جريمة قتل خاشقجي إلى الكونغرس ورفع السريّة عنه، عقب قيام الرئيس الأمريكيّ السابق، دونالد ترامب بحظر نشره لسنوات بهدف حماية الرياض والحصول على مكاسب اقتصاديّة جليلة منها.
وجاء البيان الأمريكيّ بمناسبة الذكرى السنويّة الثالثة لمقتل الصحافيّ السعوديّ، حيث زعمت الولايات المتحدة أنّها في الذكرى الثالثة للقتل الشنيع للصحافي جمال خاشقجي، تكرم إرثه وحياته الاستثنائيّة، بيد أنّ واشنطن التي تتحدث أنّ السياسة الأمريكيّة تجاه مملكة آل سعود ستضع في أولويتها ما تسميه “حكم القانون واحترام حقوق الإنسان”، لم تقم بدورها في محاسبة ولي العهد السعودي، بسبب تورطه المثبت في جريمة قتل خاشقجي، رغم إدراكها الكامل أنّ ابن سلمان لديه سيطرة مطلقة على أجهزة الأمن والاستخبارات في البلاد منذ توليه عام 2017، ما يجعل من سابع المستحيلات أن يقوم مسؤولون سعوديون بتنفيذ عملية كهذه من دون ضوء أخضر من الشاب الذي استعمل العنف الشديد منهجاً لإسكات المعارضين في الخارج.
وفي الوقت الذي جدّدت فيه الولايات المتحدة التزامها بالدفاع عن حرية التعبير وحماية الصحفيين والنشطاء والمعارضين في كل مكان، لم توقف الأخيرة عن بيع الأسلحة للسعودية، وهذا دليل كبير على أنّ البيت الأبيض آخر من يلتزم باحترام سيادة القانون، وخاصة بعد رفضه القيام بدوره لتحقيق العدالة للصحافيّ المغدور، استناداً إلى تقرير مدير المخابرات الوطنية الأمريكيّة، وكأن إدارة جو بايدن، لا ترغب بتحميل محمد بن سلمان المسؤولية عن مقتل جمال خاشقجي، ولا ترغب أيضاً بفرض مجموعة من العقوبات عليه أو تجميد أصوله الماليّة، كما يمنع بايدن مكتب التحقيقات الفيدراليّ، من فتح تحقيق جنائيّ في الجريمة، باعتباره كان مقيماً في الولايات المتحدة، مثلما فعلوا مع أمريكيين آخرين تم قتلهم في الخارج، والسبب سياسيّ – اقتصاديّ بحت.
لذلك، اكتفت أميركا بالقول إنّه منذ صدور التقرير عن مقتل خاشقجي في القنصليّة السعودية باسطنبول في فبراير/ شباط، اتخذت خطوات لمنع تكرار مثل هذه الجريمة المستهجنة، وأطلقت جهوداً منسقة لمنع أيّ حكومة تستهدف الصحفيين والنشطاء والمعارضين خارج حدودها، بحسب زعمها، ما يعني أنّ الرئيس الأمريكيّ لم يفِ بوعده بمحاسبة ابن سلمان من خلال فرض نفس العقوبات المفروضة على المتورطين الآخرين التابعين له، وإنهاء عمليات نقل الأسلحة إلى الرياض بإمرة شخص غير منتخب وقاتل وحشيّ، في ظل أدلة مخفية كثيرة لدى الإدارة الأمريكيّة بشأن مقتل خاشقجي، بما في ذلك ما يتعلق بالمسؤولين الأمريكيين المقربين من ولي العهد السعودي، الذين ربما سهّلوا التستر على الجريمة.
والغريب في الأمر أنّ الإدارة الأمريكيّة التي ادعت أنّها ستقف جنباً إلى جنب مع الصحفيين الشجعان والمدافعين عن حقوق الإنسان الذين غالباً ما يخاطرون بحياتهم من أجل تعزيز حقوق الآخرين، لم تنشر جميع السجلات المتعلقة بجريمة القتل، بما في ذلك التقرير الأصليّ لوكالة المخابرات المركزية الأمريكيّة أو أي تقارير استخباراتية أو شرائط أخرى، أو أي معلومات تتعلق بمعرفة إدارة الرئيس الأمريكيّ السابق، دونالد ترامب، بالتهديد الذي كان يتعرض له خاشقجي قبل وقوع جريمة القتل، التي قد تتوفر لدى أي وكالة تنفيذيّة أمريكيّة، حسب منظمات دوليّة، وهذا كله تحت مُسمى “الحفاظ على مصالح الولايات المتحدة مع السعودية”.
بناء على كل ذلك، أيّ حريّة وعدالة وقوانين تلك التي يتحدث عنها المسؤولون الأمريكيون، وأيّ دفاع عن الصحفيين وحرية الكلمة الذي يجعل القاتل الذي ارتكب أشنع جريمة بحق إعلاميّ معارض خارج دائرة المحاسبة يلهو بأهم بلد إسلاميّ على هواه ويقتل ويشرد ويدعم الإرهاب دون أي رادع أخلاقيّ أو إنسانيّ أو قانونيّ، والأهم من كل تلك الشعارات بالنسبة للولايات المتحدة أن تحصل على المال الوفير عبر ابتزاز الرياض في كل فترة ما يجعل هذا الملف ورقة رابحة دائمة، تماماً كما كانت تفعل إدارة دونالد ترامب التي ابتزت السعوديّة إلى أبعد الحدود من خلال منع نشر تفاصيل جريمة تقطيع خاشقجي، وبذلك تطوى صفحة الجريمة التاريخيّة كأنّها لم تكن رغم حساسيّتها العالميّة، ويفلت المجرمون الحقيقيون من العقاب بعد أن اكتسبت “قضية خاشقجي” بعداً سياسيّاً – اقتصاديّاً أفقدها البعد الإنسانيّ.
الوقت الاخباري