2024-11-27 05:38 م

المرامي المعلنة والسرية لخطة لابيد “الاقتصاد مقابل الأمن” في غزة

2021-09-25
الناصرة- “القدس العربي”:

في ظل عدم جدوى الحروب على غزة والخوف من تبعات اجتياحها ورفض الاحتلال التسوية السياسية مع الجانب الفلسطيني (حماس ومع السلطة الفلسطينية) تطرح بعض مكونات حكومته مجددا خطة الاقتصاد مقابل الأمن أو الهدوء في القطاع. وفي ظل أحاديث عن تجدد المداولات لإنجاز صفقة تبادل أسرى مع حماس ربما تكون جزءا من اتفاق تهدئة يتواصل النقاش الإسرائيلي الداخلي حول خطة وزير خارجية الاحتلال يائير لابيد “الاقتصاد مقابل الأمن” ومدى واقعيتها وحظوظها.

وتستذكر ورقة عمل “مدار” أن وزير الخارجية الإسرائيلي، رئيس الحكومة بالإنابة يائير لابيد عرض في المؤتمر السنوي لمركز السياسات ضد الإرهاب الذي عقد في جامعة “رايخمان” يوم الأحد 12 أيلول 2021، خطة أعدتها وزارة الخارجية الإسرائيلية، تهدف إلى إيجاد حل “طويل الأمد وأكثر واقعية” لحالة عدم الاستقرار وجولات التصعيد العسكرية التي تندلع بوتيرة متكررة بين إسرائيل وقطاع غزة.

وشدد لبيد في كلمته التي عرض فيها خطته، على أن هذه الخطة التي تتكون من مرحلتين، تعتبر رؤية أكثر واقعية من مقاربة “الإعمار مقابل تجريد القطاع من السلاح” التي سادت حتى الآن، وأنها تأخذ بالاعتبار، وتنبع أصلا، من عدم نضج الشروط فلسطينيا وإسرائيليا التي تمكن الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي من التوصل إلى اتفاق سلام شامل، قائم على أساس الانفصال عن الفلسطينيين، على قاعدة حل الدولتين، “إلا أنها ستخلق الظروف المناسبة من أجل الوصول إلى هذا الحل” على قاعدة إضعاف حركة حماس “التي لن ندير حوارا معها ولا نعترف بها” وتعزيز دور السلطة الفلسطينية كونها “العنوان الذي يمكننا التعامل معه”.

كما تستذكر أنه تم عرض الخطة التي ما زالت مجرد مقترح أولي، قد تتبناه حكومة الاحتلال، إذا ما لاقت ترحيبا واسعا واستجابة من الأطراف المختلفة عربيا ودوليا، والتي لم تعرض على الطرف الفلسطيني حتى الآن، على عدة جهات دولية مؤثرة، وفق ما صرح به لبيد، أهمها وزير الخارجية الأمريكي، ووزير الخارجية الروسي، والاتحاد الأوروبي، ودول خليجية وإقليمية أخرى.

كما أن شريكيه الرئيسيين في الحكومة، وزير الأمن بيني غانتس ورئيس الحكومة نفتالي بينيت، أبديا موافقتهما المبدئية عليها، وهو ما يزيد من حظوظها ودرجة الجدية التي تؤخذ بها، الأمر الذي يؤهلها لأن تتحول إلى ركن أساس في السياسة الرسمية الإسرائيلية، لملء فراغ عدم وجود استراتيجيا واضحة للتعامل مع ملف قطاع غزة ووقوف إسرائيل أمام خيارين اثنين منذ الانسحاب من قطاع غزة في العام 2005 وهما: استمرار جولات القتال المتكررة أو إعادة احتلال القطاع.

مراحل الخطة
وتتكون خطة “الاقتصاد مقابل الأمن” من مرحلتين أساسيتين، تكمل إحداهما الأخرى بشكل عضوي، حيث تعتبر المرحلة الأولى مرحلة إعادة الإعمار الإنساني والمدني الذي يطال الجوانب الأساسية جدا والإنسانية الملحة، مثل الكهرباء والغاز وتحلية مياه الشرب والمنظومة الصحية والسكن والمواصلات.

أما دور المجتمع الدولي في هذه المرحلة فهو في الرقابة على أداء حركة حماس من خلال منظومة اقتصادية دولية تتولى مهمة الإشراف على تنفيذ المشاريع، وضمان عدم استغلال هذه الموارد في تعاظم قوتها، وهذه المنظومة ستعتبر شرطا أساسيا لانطلاق المرحلة الأولى التي ستعتبر حجر أساس تبنى عليه الخطوة التالية.

والمرحلة الأولى من الخطة التي ستطبق بشكل متدرج ستتوقف في حال تم خرقها من قبل حماس وهذا سيقابل برد شديد عسكريا، كما أنها ستسير وفق مبدأ كان وضعه بينيت بأن “الهدوء سيجعلنا نقدم أكثر”.

ويشدد لبيد في خطته على أنه، حتى لو ساد الهدوء، والتزمت حركة حماس بالشروط وآليات الرقابة، فإن إسرائيل ستبقي في يدها قابس تشغيل الكهرباء والماء، وعلى أن السلطة الفلسطينية ستكون جزءا فاعلا في تنفيذ المشاريع وهي التي ستقود وتدير معبر كرم أبو سالم في حال افتتاحه. كما أن مصر حسب هذه الخطة ستشرف على معبر رفح البري.

وستدمج المرحلة الثانية والأكثر جدية وفق الخطة في قرار أممي يصدر عن مجلس الأمن الدولي، كونها ستوضح أكثر معالم القطاع، وستشمل مشاريع استراتيجية مثل بناء الميناء الصناعي قبالة شاطئ غزة، وشبكة مواصلات تربط الضفة الغربية بالقطاع، واستثمارات دولية، ومشاريع مشتركة بين مصر والسلطة وإسرائيل ومناطق صناعية بالقرب من حاجز إيرز، وهي مشاريع ستتولى الدول المانحة والبنك الدولي والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول خليجية تمويلها.

أهداف الخطة
لا يترك عنوان الخطة العريض “الاقتصاد مقابل الأمن” مجالا للاجتهاد بأن مراميها النهائية لا تطال الجوانب السياسية التي يبحث عنها الطرف الفلسطيني ويضعها هدفا أساسيا من وراء أي عملية تفاوض أو تعاون مع إسرائيل. وهذا إلى جانب اشتراط موافقة حماس عليها يصيب حظوظها في النجاح في مقتل، ويجعل مصيرها مشابها لمصير غيرها من المبادرات التي ركنت على الرف ولم تدخل حيز التنفيذ.

وتقول ورقة “مدار” إنه مع ذلك، يهدف يائير لبيد، ومن خلفه الحكومة الإسرائيلية، إلى تحقيق عدة أهداف استراتيجية، داخلية وخارجية، من وراء طرح هذه الخطة، التي تأتي وفق اعتراف لبيد نفسه أثناء عرضها، في ظل عدم وجود خطة أخرى، وعدم تجريب وضع خطة شاملة على الطاولة، وحصر أفق التفكير بين خيارين: “استمرار جولات القتال المتكررة التي تساهم في تآكل قوة الردع الإسرائيلية، وتراجع شرعية الهجمات الإسرائيلية على القطاع”، أو إعادة احتلال القطاع “وهو ما يعتبر منافيا للمصالح الوطنية الإسرائيلية”.

ورغم أن لبيد يعترف أن خطته “ليس كاملة ولا مثالية” إلا أنها قد تحقق لإسرائيل أهدافا بعيدة المدى.

ويمكن تلخيص هذه الأهداف والمكاسب التي يرمي لبيد إلى تحقيقها من وراء خطته، كما وردت في خطابه والشروحات التي قدمها حولها أمام مركز السياسات ضد الإرهاب، بما يلي:

أولا: انعدام البدائل العملية لحل أزمة غزة (سوى الحرب وإعادة الاحتلال أو بقاء الحالة على ما هي عليه) مع عدم توفر الشروط لمفاوضات سياسية، يتطلب تقوية السلطة وإضعاف حركة حماس، لخلق ظروف مناسبة مستقبلا، وهذا يمكن للخطة أن تساهم به.

ثانيا: إضفاء شرعية (وصفها بالدراماتيكية) على أي تصعيد عسكري مستقبلي ضد حركة حماس وفصائل المقاومة في غزة.

ثالثا: تركيز الجهد والموارد الإسرائيلية في مواجهة خطر المشروع النووي الإيراني وتطلعاتها لبناء قوة إقليمية في المنطقة.

رابعا: وقف حالة الاستنزاف الاقتصادية والأمنية التي ترهق اقتصاد إسرائيل.

إلى جانب هذه الأهداف المعلنة التي يرمي لبيد إلى تحقيقها، هناك أهداف أخرى داخلية وحزبية مبطنة وغير مصرح بها، في صلبها سعي لبيد إلى تعزيز زعامته وتحسين علاقته مع الإدارة الأمريكية ومع توجهاتها.

واقعية الخطة
ويحاول الباحث في معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، يوحنان تسوريف أن يستقرئ مدى واقعية تطبيق خطة يائير لبيد وحظوظها من النجاح ليخلص إلى أن الخطة متعددة السنوات، التي تستند إلى مبدأ “الاقتصاد مقابل الأمن”، ليست جديدة وأنها سبق أن طرحت في العام 2009، وأنها تتقاطع مع خطة ترامب التي أطلق عليها اسم “صفقة القرن” وكلاهما فشلتا فشلا ذريعا.

من الأسئلة المهمة التي يثيرها الباحث، عدا عن موقف رئيس الحكومة نفتالي بينيت، ووزير الأمن بيني غانتس، اللذين لم يعلنا موافقتهما العلنية عليها (رغم إعلان لبيد أنه عرضها عليهما)، يتعلق بالسلطة الفلسطينية، وإن كانت قد اطلعت على الخطة، خاصة وأن الرئيس محمود عباس يتبنى مبدأ يرفض فيه أي عملية لا تتضمن مركبا سياسيا وينظر إلى هذه الأفكار على أنها تهدف إلى تحويل الحلول المؤقتة إلى حلول دائمة.

ويتعلق السؤال التالي بحركة حماس “التي ستنظر إلى أي عملية إعمار على أنها شيء إيجابي، طالما أنها لا تمس ذراعها العسكري وقدراتها القتالية”.

يوصي الباحث الإسرائيلي بعدم التعويل كثيرا على الخطة، وبدل ذلك الالتفات أكثر إلى تعزيز حالة الاستقرار مع غزة من خلال الوساطة المصرية مع حماس واستغلال حاجتها إلى إعادة الإعمار.

من جهته ينظر محلل القناة 13 للشؤون العسكرية، ألون بن دافيد إلى الخطة بصورة مغايرة، إذ يعتبر في مقالة نشرها على موقع صحيفة “معاريف” أن الخطة “التي يمكن خوض جدل حول واقعيتها والأسس التي قامت عليها” تعتبر “المرة الأولى التي تحاول إسرائيل فيها أن تقدم بديلا للحالة السائدة في غزة”، ومن خلالها “تعرض جزرة بدل العصا التي تستخدمها كل أسبوع” وهي جاءت لتقطع الطريق على “الاعتماد على خيارين سيئين” وسلسلة لا نهائية من الردود والجولات التصعيدية “التي جربت دون توقف” والتي اقتنع نتنياهو نفسه “أنها (أي الحلول العسكرية) لا تشكل بديلا” ولكنه تبنى خيار تدفق الأموال القطرية وتسكين المشكلة بدل علاجها.

ويمتحن بن دافيد متخذ القرار الإسرائيلي في مسألة الجنود الأسرى لدى حماس، والتي يعتبرها العقبة الأساسية دون التقدم في مسألة إعادة إعمار غزة، وقد تكون العقبة الرئيسة أمام خطة لبيد، ما لم “ينضج رئيس الحكومة” ويتبنى سياسة “ترى الهدوء بعيد المدى أهم من عودة الجنود” طالما أنه يرفض عقد صفقة يطلق فيها سراح مئات الأسرى الفلسطينيين.

بن دافيد وإذ ينظر بإيجابية لطرح الخطة، إلا أنه يشكك في قدرتها على “زرع شرخ بين سكان القطاع وحركة حماس، بما يمكن من عودة السلطة الفلسطينية لحكم القطاع” معتبرا أن لا مكان لمثل هذا الافتراض في ظل الواقع الذي خلقته حماس ونشأت فيه في القطاع، ليخلص إلى أن مجرد طرح الخطة “سيكسبنا شرعية دولية”.

يشار إلى أن وزير المواصلات الإسرائيلي الأسبق يسرائيل كاتس (الليكود) عرض في العام 2016، خطة شبيهة بخطة لبيد الحالية، أطلق عليها اسم “الميناء الصناعي” تهدف إلى بناء ميناء صناعي يبعد عن شاطئ غزة خمسة كيلومترات بمساحة 8.5 كيلومتر مربع، يتم وصله بجسر طوله 4.5 كيلومتر تتخلله محطة فحص أمنية تتحكم بها إسرائيل، بتكلفة خمسة مليارات دولار، الهدف منه ربط غزة بالعالم، وحل الضائقة الإنسانية التي تعيشها. الخطة لاقت في حينه صدى دوليا وحظيت باهتمام إعلامي عالمي، إلا أن السلطة الفلسطينية قابلتها بكثير من الشكوك والتوجس.

وبخلاف خطة يائير لبيد التي تشدد على الدور المحوري للسلطة الفلسطينية فيها، وأنها هي العنوان للتعامل مع كافة قضايا القطاع، وأن الشق الثاني من الخطة سيضمن خطوط تواصل مباشرة مع الضفة، ركزت خطة كاتس، وبإيحاء من سياسة نتنياهو التي سعت إلى تعميق الانقسام وحالة الفصل بين الضفة وغزة، على فتح غزة أمام العالم وعدم إشراك السلطة الفلسطينية، بل والعمل على إقصائها، وخلق قطيعة شبه تامة بين الضفة وغزة، ولكن في النهاية لم تترجم الخطة لفعل.

يتضح من خلال دراسة هذه النماذج من الخطط، التي شكلت محاولات يتيمة، جربت فيها إسرائيل أن تعرض مقاربات (غير عسكرية) لحل الأزمة الإنسانية والأمنية في قطاع غزة، بهدف معالجة والتعامل مع واقع نشأ بفعل عملية انفصال أحادية عن غزة أنهت الوجود الإسرائيلي المادي والمباشر، لكنها أبقت السيطرة الإسرائيلية وعملية التحكم بالقطاع على حالها. والقاسم المشترك بينها أنها لم تُقدم بشكل كامل ونهائي من خلال تبني الحكومة ورئيسها لها، كما أنها صيغت بشكل أحادي وخلت من البعد السياسي، وانحصرت في المستوى التكتيكي فقط، في ظل حالة من عدم الثقة، ودون إبداء أي استعداد للتخلي عن مبدأ السيطرة عن بعد والتحكم في مصير القطاع.