2024-11-25 01:38 م

كواليس الحرب بين طالبان وداعش

2021-08-29
تأسّس تنظيم الدولة الإسلامية-ولاية خراسان (داعش-خراسان) قبل ست سنوات، وللحرب المعلنة بين التنظيم وحركة طالبان العائدة لحكم أفغانستان كواليس ومعطيات متشابكة.

وتأسس تنظيم داعش خراسان عام 2015 من جانب حركة "طالبان باكستان"، ونفذ التنظيم المتطرف عشرات الهجمات في أفغانستان في تلك السنة، سقط فيها عشرات المدنيين وغيرهم.

والخميس 26 أغسطس/آب الجاري، تبنى التنظيم هجومين استهدفا مطار كابول، ما أدى لمقتل وإصابة المئات من الأفغان المدنيين ومسلحين من حركة طالبان يتولون تأمين محيط المطار، كما قتل في الهجومين 13 عسكرياً أمريكياً، وأصيب 18 آخرون، بينما حذرت أجهزة الاستخبارات الأمريكية اليوم الأحد، 29 أغسطس/آب، من أن هجوماً آخر أصبح "وشيكاً".

ويقول الجيش والاستخبارات الأمريكية إنَّ التهديدات من داعش-خراسان تتضمَّن تسلل السيارات المفخخة والمفجرين الانتحاريين خارج مطار حامد كرزاي الدولي، والضربات بقذائف الهاون ضد المطار.

طالبان تعدم أمير التنظيم
نشرت صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية تقريراً حول أسباب وكواليس وتداعيات الحرب بين طالبان وتنظيم داعش- خراسان، وانعكاسات تلك الحرب على أفغانستان ودول الجوار، وعلاقة الدول الكبرى بالحركة العائدة لحكم البلاد.

وأجرت الصحيفة الأمريكية حواراً مع أبو عمر الخراساني، الذي كان يوماً ما زعيم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في أفغانستان، قبل يومين من إعدامه على أيدي مقاتلي طالبان، وقال الخراساني في المقابلة "سوف يطلقون سراحي إذا كانوا مسلمين صالحين".

والواضح أن الخراساني بنى تقييمه ذلك على أساس تعاهد الحركتين، كل منهما على حدة، على تخليص أفغانستان من الاحتلال الغربي، لكن عندما تمكن مقاتلو طالبان من دخول كابول منذ 15 أغسطس/آب، وسيطروا على السجن الذي كان يقبع فيه الخراساني، حرَّروا مئات السجناء، واختاروا إعدام الخراساني وثمانية أعضاء آخرين من تنظيمه.

وروى الخراساني للصحيفة أنه انضم إلى داعش خراسان عندما بدأت عملياتها في أفغانستان، ثم ترقّى ليصبح أميراً للولاية التي تضم منطقة جنوب آسيا والشرق الأقصى.

وعلى غرار تنظيم داعش في العراق وسوريا، حاز التنظيم سمعة سيئة له في أفغانستان، بسبب مقاطع فيديو الإعدامات المروعة، وهجماته على أهداف مدنية، والعنف الشديد الذي سلّطه على السكان المحليين الذين خضعت مناطقهم لسيطرته وكل من عارض حكمهم.

وأشار الخراساني إلى أن هجمات داعش كثيراً ما أفادت طالبان، على ما بين التنظيمين من عداء. واستشهد بإحدى عمليات التهريب من السجن، والتي شهدتها مدينة جلال آباد، العام الماضي، وشارك فيها 4 انتحاريين و11 مسلحاً تابعين لتنظيم داعش، إذ أُطلق خلال العملية سراح مئات السجناء من كل من طالبان وداعش.

ما سبب العداء بين طالبان وداعش؟
مع بروز تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في عام 2015، استولى التنظيم الجديد على أراضٍ في سوريا والعراق، ودعا المقاتلين إلى مبايعته وإنشاء ولاية "خراسان"، التي ضمَّت منطقة تاريخية تشمل أجزاء من أفغانستان وإيران والدول السوفييتية السابقة في آسيا الوسطى.

وجد تنظيم داعش أنصاره بين الأفراد الساخطين من طالبان ومسلحين من وسط وجنوب آسيا، تطوَّع بعضهم للخدمة في سوريا والعراق. وظهرت بؤرتان لداعش داخل أفغانستان نفسها: إحداها في ولاية ننغرهار الشرقية والأخرى في ولاية غوزغان الشمالية.

لكن الوافدين الجدد لم يلقوا ترحيباً من حركة طالبان، فقد اعتبرت الأخيرة تنظيمَ داعش عائقاً في طريقها. وربما يرجع السبب في ذلك إلى ما قاله الخراساني في مقابلات أُجريت قبل إعدامه، إذ صرح بأن تنظيم الدولة الإسلامية كانت لديه أهداف أكثر طموحاً إلى العالمية، في الوقت الذي كان سعي طالبان منصبّاً على طرد الاحتلال واستعادة السيطرة على أفغانستان، ولم تكن لديها مصلحة في دعم المجموعات المسلحة الأخرى خارج البلاد.

وقال الخراساني مستخدماً الاسم المختصر لتنظيم الدولة الإسلامية: "قيادة داعش مستقلة وأهداف داعش مستقلة، لدينا أجندة عالمية، لذلك عندما يسأل الناس من يمكنه حقاً تمثيل الإسلام والأمة الإسلامية برمتها فنحن بالطبع أكثر جذباً" وتحقيقاً لهذه الأهداف.

وفي هذا السياق، كانت طالبان تقاتل قوات التحالف الأمريكية في أفغانستان، وفي الوقت نفسه كانت تشنّ حرباً أخرى موازية ضد تنظيم داعش- خراسان. فمن جهة كانت طالبان التي ضمّت إليها فلول تنظيم القاعدة، وفي مواجهتها على الجهة الأخرى، الذراع الأفغانية لتنظيم الدولة الإسلامية، المعروفة باسم "داعش خراسان"، وهو التنظيم الساعي إلى دمج أجزاء من أفغانستان في دولة أوسع يقع مركزها في الشرق الأوسط.

ماذا عن موقف الدول الكبرى إذن؟
عندما غزت الولايات المتحدة أفغانستان في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/أيلول، كان لحركة طالبان عدد قليل من الحلفاء، ووجَّه الغرب انتقادات للحركة لاستضافتها أفراداً من تنظيم القاعدة، المصنف تنظيماً إرهابياً، وعارضتها قوى إقليمية منها روسيا وإيران.

لكن على خلاف ما بدا من التضامن التام الذي بدت عليه العلاقة بين طالبان والقاعدة كانت العلاقة معقدة بينهما، فقد نقم كثيرون من أفراد طالبان على أسامة بن لادن استخدامه البلاد قاعدةَ عمليات لتنظيمه في أواخر التسعينات.

وأظهرت بيانات استخرجتها صحيفة WSJ من جهاز كمبيوتر عُثر عليه بعد إطاحة طالبان من الحكم في عام 2001، أن أعضاء تنظيم القاعدة غالباً ما نظروا إلى حلفائهم الأفغان بازدراء لأنهم أميون وعاجزون عن فهم القرآن. وبدورهم، ألقى أعضاء في طالبان باللوم على بعض أفراد تنظيم القاعدة في تفاقم الخلافات مع الغرب وزيادة العزلة المفروضة على بلادهم.

وهنا تقول آن ستينرسن، الباحثة الأكاديمية في الإسلاموية، ومؤلفة كتاب "تنظيم القاعدة في أفغانستان" Al-Qaida in Afghanistan، لوول ستريت جورنال إن هجمات 11 سبتمبر/أيلول، كشفت عن انقسامات جديدة مع اضطرار قادة المنظمتين إلى الاختباء. إذ لم يبد أن مؤسس حركة طالبان وقائدها الملا عمر كان على علم بالهجمات مسبقاً، وفترت علاقته مع بن لادن في الوقت الذي كان فيه كلاهما مختبئاً في باكستان.

لفتت آن كذلك إلى أن الوثائق التي عُثر عليها في مخبأ بن لادن بعد أن قتلته القوات الأمريكية في باكستان عام 2011، أشارت إلى أن التواصل بين زعيم القاعدة والملا عمر كان شحيحاً. مع ذلك كانت الروابط بين القاعدة وطالبان أقوى في ساحة المعركة، فقد اجتمعا على قتال القوات الأمريكية بضراوة.

في غضون ذلك، بدأت دول أخرى تنظر إلى طالبان على أنها حصن قادر على صدِّ طموحات تنظيم داعش العالمية. في هذا السياق، يقول بروس هوفمان، مدير قسم الدراسات الأمنية بجامعة جورج تاون الأمريكية: "كان يسود قلق كبير حيال الأمر، وفجأة برزت رغبة ما في إيجاد أرضية مشتركة مع طالبان. وبدأ مسؤولون يقولون ربما هي مجموعة يمكن الوصول إلى تفاهم منطقي معها".

على هذا النحو، بدأت روسيا، التي لا تزال تصنف طالبان رسمياً على أنها منظمة إرهابية، مفاوضاتٍ مع الجماعة منذ أكثر من خمس سنوات، وفقاً لإيفان سافارشوك، خبير شؤون آسيا الوسطى والبروفيسور بجامعة موسكو الحكومية، الذي يقول إن بروز داعش في أفغانستان "أصبح دافعاً للمضي قدماً في هذه الاتصالات".

اتهمت الولايات المتحدة الدولةَ الروسية بتقديم أسلحة لحركة طالبان، وهو ادعاء تنفيه روسيا. ووفقاً للاستخبارات الأمريكية، قدمت إيران أيضاً أسلحة للحركة. كما استضافت الصين على انفراد وفداً رفيع المستوى من طالبان مؤخراً هذا العام.

هل تحظى طالبان بالدعم الدولي؟
الخراساني كان قد أشار إلى المواجهة التي وقعت بين طالبان وتنظيم داعش في غوزغان عام 2017، بعد أن أعلن قائد على صلة بحركة طالبان ومقاتلوه البيعةَ لزعيم تنظيم الدولة الإسلامية أبو بكر البغدادي. كما انضمت إلى داعش جماعةٌ أوزبكية متشددة تسمى "الحركة الإسلامية في أوزبكستان"، وقال الخراساني إنهم استولوا معاً على واديين في المحافظة، ورفعوا علم تنظيم داعش فوق دويلتهم.

الرواية التي يسردها الخراساني بعد ذلك عن المواجهات تتوافق مع الروايات الأمريكية عن المعارك التي اكتسحت فيها القوات الأمريكية والحكومة الأفغانية وحركة طالبان مقاتلي تنظيم داعش على مدى عدة أشهر. وأسفرت المواجهات عن استسلام المئات من مقاتلي التنظيم للقوات الحكومية في العام التالي.

قال الخراساني: "لقد دعم الجميع حركةَ طالبان في مواجهتها لنا بطريقة أو بأخرى. ولا يخفى على أحد لماذا بدأوا في الانتصار علينا". وأدَّى بروز تنظيم داعش بوصفه عدواً دولياً جديداً إلى تعزيز المساعي الدبلوماسية العالمية للتواصل مع طالبان، ما قوَّى من مكانة الحركة التي سعت لسنوات إلى إزالة وصمة الإرهاب عنها، وفقاً لمسؤولين سابقين في الحكومة الأفغانية المدعومة من الولايات المتحدة.

على إثر ذلك، عرضت الولايات المتحدة الاعترافَ الدولي على طالبان بعد أن فتحت قناة مفاوضات معها في الدوحة، وأفرجت العام الماضي عن 5 آلاف سجين من أفراد الحركة من السجون الأفغانية. وقال مسؤولون سابقون في الحكومة الأفغانية إن كثيراً من هؤلاء المعتقلين السابقين توافدوا على ساحة المعركة لتعزيز قوات طالبان.

ذكر الخراساني أنه غادر ننغرهار العام الماضي، مع انتشار الفلول المتبقية من مقاتلي داعش في أنحاء أفغانستان، لكن القوات الأمريكية والأفغانية اعتقلته في منزل خارج كابول في مايو/أيار 2020. وقال إن قاضياً حكم عليه بالإعدام، وبأحكام بالسجن 800 عام، لكن طالبان عاجلته بالإعدام قبل ذلك بعد أن وصلت إليه في محبسه بالعاصمة كابول.

ويقول مسؤولون عسكريون إن حركة طالبان، بمساعدة دول أخرى وقوات التحالف في بعض الأحيان، كانت هي الطرف الفائز في الحرب ضد داعش. فقد طُرد تنظيم داعش خراسان من معاقله في أفغانستان، وتفرَّق مقاتلوه بحثاً عن مخبأ لهم. وبدت المقاومة قليلة مع اجتياح طالبان للبلاد هذا الشهر قبيل انسحاب الولايات المتحدة المقرر من البلاد.

لكن هجمات الخميس في مطار كابول جاءت كتذكير بأن المعركة ما زالت دامية، عزا مسؤولون أمريكيون الهجمات إلى الفرع الإقليمي لتنظيم داعش، وأعلن التنظيم نفسه مسؤوليته عن الانفجارات، في تقرير نشرته وكالة أعماق للأنباء.

ويأتي استمرار وجود داعش في أفغانستان ضمن الأسباب التي تجعل طالبان تتلقى نوعاً من الدعم الدولي من عدة دول، منها الولايات المتحدة، التي تعتبر تنظيم داعش تهديداً جذرياً.

تقول روسيا والصين إنهما تريان طالبان دعامةً أساسية للاستقرار في أفغانستان، وهو أحد الأسباب التي جعلتهم يخططون لإبقاء سفاراتهم في كابول مفتوحة بعد انسحاب الولايات المتحدة.
(عربي بوست)