2024-11-30 03:00 ص

"حرب الظلال" بين إسرائيل وإيران.. إن صارت علنية!

2021-08-24
بقلم: مهدي عقيل

إن كان الهجوم الإسرائيلي على سفينة “سافيز” أتى بعد أقل من أسبوعين على استهداف سفينة شحن إسرائيلية تحمل علم ليبيريا كانت في طريقها بين تنزانيا والهند بصاروخ إيراني، والهجوم الإيراني بطائرة إنتحارية مسيّرة على ناقلة النفط “إم في ميرسر ستريت” أيضاً، في بحر عُمان، أتى بعد قصف إسرائيل منشآت إيرانية في سوريا، إلا أن الملاحظ أن الحرب البحرية الدائرة بين إيران وإسرائيل، في الآونة الأخيرة، ليست بعيدة عن إيقاع مفاوضات فيينا التي تهدف إلى عودة الولايات المتحدة إلى الإتفاق النووي وعودة إيران إلى إلتزاماتها النووية المنصوص عليها في إتفاق العام 2015. يقول الكاتب الإسرائيلي رونين بيرغمان إنه في ضوء العقوبات التي فرضها دونالد ترامب على إيران في شهر نيسان/أبريل من العام 2019 لمنعها من تصدير نفطها، رفع قائد “قوة القدس” في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني توصية إلى مرشد الجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي تنص على الآتي: إذا لم تستطع إيران تصدير نفطها لن يستطيع أي بلد في الخليج العربي تصدير نفطه، أي إذا قرر الأميركيون قطع الأوكسيجين عنا، سنقطع الأوكسيجين عن حلفائهم. بدأ الإيرانيون بتسيير قوافل بحرية سرية مُحملة بالنفط في إتجاهات عديدة، وفي هذه اللحظة بالتحديد، قررت تل أبيب خوض الحرب السرية ضد السفن الإيرانية. مع الوقت، بدا أن “حرب السفن” تلقى رواجاً لدى الطرفين نظراً للغموض الذي يلفها، والأمر نفسه بالنسبة للحرب السيبرانية التي لا تقل خطورة عن الأولى، لتشكلا معاً ما اصطلح على تسميتها بـ”حرب الظلال”، لكن تبين مع الوقت أن يد إيران أطول في الحرب البحرية، بينما يد إسرائيل أطول في الحرب السيبرانية. هنا ينبغي التذكير أنه سبق لإسرائيل أن استهدفت سفناً إيرانية بذريعة أنها محملة بأسلحة إيرانية لمصلحة حلفائها في لبنان وقطاع غزة منذ عقدين من الزمن، أي قبل بدء القوى الدولية (5+1) مفاوضات الملف النووي الإيراني. ففي يناير/كانون الثاني 2002، زعمت البحرية الإسرائيلية أنها ضبطت سفينة “كارين  A” وهي تحمل أطنانا من الأسلحة الإيرانية المتجهة إلى قطاع غزة، وهي محملة بالصواريخ، والصواريخ المضادة للدبابات، والأسلحة الخفيفة. وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2009 أيضاً، اعترضت البحرية الاسرائيلية سفينة محملة بالوسائل القتالية الإيرانية على بعد 150 كيلومترا غرب شواطئ فلسطين المحتلة، حيث كانت في طريقها إلى لبنان، حسب الرواية الإسرائيلية. ومنذ اندلاع الحرب السورية عام 2011 عُدلت مهمة البحرية الإسرائيلية لتستهدف السفن الإيرانية القادمة إلى سوريا حتى وإن لم يكن على متنها أسلحة، وذلك بهدف تشديد الحصار على سوريا عن طريق منع وصول النفط والأدوية والمواد الغذائية وغير ذلك إلى مناطق سيطرة الدولة السورية.

 لكن ما نشهده من استهداف متبادل منذ العام 2019 تقريباً أحال الصراع في أعالي البحار بين تل أبيب وطهران إلى حرب مكتملة المواصفات، رأت فيها إيران ضالتها في الرد على قصف إسرائيل لمواقعها ومنشآتها في سوريا منذ ما يقارب الخمسة أعوام دون أن تحرك ساكناً باستثناء الرد اليتيم في 22 نيسان/ إبريل الماضي، عندما تمّ إطلاق صاروخ أرض جو من داخل سوريا باتجاه جنوب الأراضي الفلسطينية سقط في منطقة النقب. حينها ظن البعض أن قواعد الاشتباك بين سوريا وإسرائيل، أو بالأحرى بين إيران وإسرائيل، قد تغيرت، إلا أن معاودة إسرائيل لاعتداءاتها على سوريا خيّبت تلك الظنون وأعادتنا إلى ما قبل صاروخ النقب. ومع حادثة سفينة “إم في ميرسر ستريت” التي يديرها إسرائيليون وسقوط القتيلين (البريطاني والروماني)، يبدو أن الطرفين يحاولان صياغة قواعد جديدة للردع المتبادل. إيران تحاول صياغة معادلة جديدة رداً على القصف الإسرائيلي في سوريا ضد أهداف إيرانية وأخرى لحزب الله. يقول الإسرائيليون إن الإيرانيين قرروا الرد على إستهدافهم في سوريا بمهاجمة سفن إسرائيلية، أو سفن أجنبية يديرها أو يستأجرها إسرائيليون، وقد أشار إلى ذلك موقع “نيوز 1” الإسرائيلي بوضوح في الأول من آب/ أغسطس الجاري، وتطرق إلى الأمر الكاتب المتخصص بالشؤون الأمنية رونين بيرغمان في مقالة نشرتها “يديعوت أحرونوت”. بالمقابل، يحاول الإسرائيليون التركيز على دور أذرعتهم البحرية بعدما كانوا يركزون على دور الذراعين الجوي والبري. ولذلك، وظفوا حركة غواصاتهم (دولفين أبرزها) بإتجاه الممرات المائية التي تعبرها السفن الإيرانية، بعدما كانوا يستخدمونها أكثر لأسباب أمنية تجسسية.
ثمة تخوف جدي من إتساع دائرة الحرب البحرية بين إيران وإسرائيل بعد ربطها بالميدانين السوري واللبناني أيضاً، وأن تنضم إليها قوى عالمية، وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية، حين ترى الأخيرة أن الملاحة في المنطقة تهدد مصالحها، دون أن تكتفي بالجهود الدبلوماسية وبيانات الإدانة وتجييش الغرب ضد إيران، تماماً كما حصل عندما قررت أميركا دخول “حرب الناقلات” إبان الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988)، حيث راحت تحمي سفن دول الخليج بالعلم الأميركي مخافة أن يستهدفها الإيرانيون الذين كانوا يوجهون رسائل نارية إلى الدول الخليجية الداعمة للعراق في حربه ضد إيران. وليس مستبعداً أن تفعل إسرائيل كما فعل الرئيس العراقي صدام حسين حين قرر إستدراج القوات البحرية الأميركية إلى “حرب الناقلات”، وذلك باستهدافه الفرقاطة الأميركية (ستارك) التي كانت تبحر في مياه الخليج بصاروخ إيكسوزيت في 17 مايو/أيار1987، وأدعى بعد الحادثة أنها كانت عن طريق الخطأ ودفع 28 مليون دولار تعويضا للضحايا. وإسرائيل لا تقل دهاءً ومكراً عنه، وقد تقوم بضرب قطعة بحرية أميركية في عرض البحر، عسكرية كانت أم مدنية، وتوجيه الإتهام إلى إيران، وتدفع بالإدارة الأميركية الجديدة مرغمة لخوض حرب لم تكن بالحسبان، وتقضي على آمال عودة واشنطن إلى الاتفاق النووي الإيراني بصورة نهائية، أو بالأحرى تقضي على الاتفاق من أصله إذا ما إصطف الغرب إلى جانبها وانسحب من ذلك الاتفاق المترنح أصلاً. وبالتالي، إلى أي حد يمكن أن تبقى الأمور مضبوطة بين تل أبيب وطهران إذا قرر الطرفان الخروج من ظلال تلك الحرب وأن تتحول حرب الظلال إلى حرب علنية في وضح النهار، وهل المنطقة قادرة على تحمل تبعات ما يجري؟ وماذا عن أميركا التي تسعى إدارتها الجديدة إلى التخفف من حمل مسؤولياتها تجاه منطقة الشرق الأوسط لصالح تركيزها على صراعها الاستراتيجي مع الصين في آسيا؟ لعل الجواب يأتي من الجولة السابعة في فيينا التي سيخوضها المحافظون الإيرانيون بغطاء “محافظ” من أعلى الهرم إلى أسفله.. وربما يأتي الجواب أيضاً من أعالي البحار.. فلننتظر ونرَ.
   180Post