إيهاب شوقي
القرارات التاريخية، هي القرارات التي تكسر القواعد المسيطرة على حقب تاريخية والتي تشكل توازناتها ومساراتها، وبالتالي تشكل قواعد ومسارات جديدة، وهي قرارات لا بد وأن تتميز بالشجاعة الكبرى وبالجهوزية لتحمل نتائجها وتداعياتها.
وقرار المقاومة بكسر الحصار الأمريكي واستجلاب الوقود الإيراني، هو قرار تاريخي بالمعنى الكامل للكلمة، حيث عد تحولًا تاريخيًا واستراتيجيًا في بلد أريد له أن يكون استراحة للأمريكيين ونقطة تمركز لصياغة المؤامرات على محور المقاومة ويراد له أن يصبح مرتعًا للصهاينة.
العقدة التي شكلتها المقاومة في لبنان للمشروع الصهيو - أمريكي، هي عقدة استراتيجية كبيرة، لأنها قطعت على الصهاينة رفاهية استباحة لبنان واستهداف أي مقاومة على الجبهة الشمالية لفلسطين المحتلة، كما تشكل حائلًا لاستباحة الجولان المحتل وابتلاعه بما ألهمته لفصائل مقاومة وليدة في الجولان، ناهيك عن التنسيق بينها وبين فصائل المقاومة في الداخل الفلسطيني.
وهذه العقدة كانت السر وراء استهداف لبنان والعمل على انهياره وايقاعه في الفوضى، وحرف الصراع الرئيسي مع العدو الصهيوني لصراعات داخلية وأهلية، والعمل بكافة السبل على نزع سلاح المقاومة وضرب النموذج المقاوم في لبنان باعتباره نقطة إشعاع وإلهام من الجانب الروحي، وأيضًا تعاون وتنسيق وتواجد حيثما يجب التواجد من الجانب العسكري.
هذا القرار التاريخي للمقاومة له دلالات عدة ينبغي التأكيد عليها:
1- مصداقية المقاومة وهي أبرز سماتها، فهي لا تناور ولا تطلق شعارات جوفاء، وعندما قالت بأنها ستتوجه بمفردها للتصرف عند الوصول لنقطة الانهيار وغياب الدولة، فهي كانت تعي ما تقول، وقامت بتنفيذه، وهو تأكيد على الوعد الصادق للمقاومة.
2- يترتب على مصداقية المقاومة في العناوين، مصداقيتها في المتون، فهي عندما تقول أن السفينة القادمة من ايران هي أرض لبنانية، فهو يعني عسكريا أنها قاعدة اشتباك، وأن أي مساس بها سيترتب عليه الرد المناسب والمتناسب، وهو ما يعني الجهوزية لحرب شاملة، للدفاع عن هذا القرار وتنفيذه.
3- بطلت مع هذا القرار كل الدعايات الكاذبة والتقديرات الخاطئة بربط المفاوضات النووية بالملف اللبناني، حيث يشير قرار إرسال السفينة من ايران لكسر الحصار الامريكي، أن ايران لا تعبأ بالتداعيات، وأن المفاوضات النووية لا ترتبط بأي شكل بالثوابت وبدعم المقاومة وبنصرة المحاصرين والمستضعفين.
4- هذا القرار هو قرار مشترك بين المقاومة وايران، وهو ما يعني أن المساس بالسفينة القادمة سيعد اعتداء على لبنان وايران، وان الانزلاقات الناجمة عن أي تصرف أحمق، سيقود الى حرب اقليمية وليست مجرد اشتباك محدود.
5- يمثل هذا القرار لحظة تاريخية لمواجهة الارادة بين محور التحرر والاستقلال الوطني، ومحور الاستعمار والتبعية والذي حشد كل قواته لهزيمة المقاومة، وهي لحظة يتوجب على جميع الأحرار مساندة المقاومة بها لأنها سيتوقف عليها مستقبل المنطقة ومستقبلهم.
6- ربط السيد نصر الله بين القرار وبين الهزيمة الأمريكية في افغانستان والاشارة الى سوريا والعراق واليمن، هو إشارة ينبغي أن لا تغيب عن العدو، بأن لحظة المواجهة ستكون شاملة، وأن المحور بكامله مستنفر وفي حالة جهوزية.
7- أكد حزب الله على بوصلته، وأن غضبه لن يتوجه للداخل وأن لحظة الانهيار المخطط لها للبنان ستكون لحظة التحول الاستراتيجي، وأن الصبر كان على الداخل ومنطلق تحركه سيكون مصدر التهديد وللأصيل لا للوكلاء.
هو قرار تاريخي بمعنى الكلمة، وقد جاء في يوم عاشوراء، وأكد السيد نصر الله على ذلك، عندما قال أن السفينة تحركت ببركة الامام الحسين(ع)، وهو ما يعني أنها معركة كربلائية ستخاض حتى النهاية بكل ما تحمله كربلاء من أبعاد ومعاني، وهو ما يجب على الجميع استيعابه، وهو ما يتوجب معه مناصرة جميع الاحرار لهذا القرار والوقوف خلفه، وهو اختبار صادق للديانون بالمقاومة والتحرر، وهنا فهو تمحيص للجميع سيعرف معه الثابتون ومن كانت المقاومة مجرد لعق على ألسنتهم.
(العهد الاخباري)