تعصف الأزمات بالعديد من الهيئات المحلية في الضفة الغربية المحتلة، وتسببت بموجة من الاستقالات وتبادل الاتهامات، والتي تركت آثارها على واقع الخدمات المقدمة للمواطن، وسط حالة إجماع على ضرورة اللجوء للانتخابات كمخرج من الأزمة.
وبدأت مشاكل المجالس والهيئات المحلية بالظهور تباعا منذ أشهر عديدة، وتفاقمت مع تعطل إجراء الانتخابات بموعدها في مايو/ أيار المنصرم، إذ أجلت لتزامنها مع الانتخابات التشريعية التي أجّلها الرئيس محمود عباس هي الأخرى إلى أجل غير مسمى.
وقررت الحكومة تأجيل الانتخابات المحلية إلى يوم 13 تشرين الثاني/ نوفمبر القادم، لكنها لم تصدر مرسوم إجراء الانتخابات بعد.
وفي حزيران/ يونيو 2021 قررت الحكومة حل جميع المجالس البلدية، وتحويلها إلى "لجان تسيير أعمال" لحين إجراء الانتخابات.
أزمات متلاحقة
وفي ظل تفاقم مشكلة الكهرباء بمدينة طولكرم شمالي الضفة، أعلن نائب رئيس البلدية سهيل السلمان استقالته من عضوية المجلس البلدي على خلفية عدم القدرة على حلها "بسبب وعود الحكومة الكاذبة".
وقدم السلمان في بيان استقالته اعتذاره بسبب عدم نجاح المجلس البلدي في حل مشكلة الكهرباء، ما حوّل أحياء المدينة وضواحيها ومخيماتها إلى مدينة أشباح.
من جهتها، أعلنت القوى والفصائل والفعاليات بطولكرم عن برنامج فعاليات لتحقيق حقوق المدينة الخدماتية وحل مشكلة الكهرباء، تشمل تنظيم اعتصام أمام مقر مجلس الوزراء برام الله، واعتصامات وإضرابا تجاريا وموجة إعلامية مفتوحة.
ولم تهدأ أزمة طولكرم، حتى تفجرت أزمة ثانية في مدينة نابلس شمالي الضفة، بعد أن أعلنت الحكومة عن حل المجلس البلدي وتعيين لجنة مؤقتة لإدارة شؤون البلدية إلى حين عقد الانتخابات.
وذكرت الحكومة أن القرار جاء "استجابة لتوصية وزير الحكم المحلي بحل المجلس البلدي في مدينة نابلس بسبب عدم قيامه بمهامه في تقديم الخدمة للمواطنين".
ومنذ شهر أيار/ مايو يعيش مجلس بلدي نابلس أزمة داخلية برزت مع حلول موعد استحقاق تدوير المناصب تنفيذا للاتفاق بين الكتل المكونة لقائمة "نابلس الموحدة" التي فازت بالأغلبية المطلقة بانتخابات عام 2017.
وقدم رئيس البلدية سميح طبيلة استقالته خلال الفترة الماضية لوزير الحكم المحلي والذي رفضها بدوره، ليبقى الأول في منصبه.
مجالس حكومية معينة
وهناك أكثر من 15 هيئة محلية في جميع المحافظات تديرها الآن لجان حكومية معينة، تضم موظفين من وزارة الحكم المحلي ومن وزارات أخرى.
مدير عام التشكيلات والانتخابات بوزارة الحكم المحلي سمير دوابشة يقول لوكالة "صفا" إن هذا الواقع يضع عبئا على الوزارة التي ليس لديها العدد الكافي من الموظفين لتوزيعهم على المجالس.
وتواجه هذه المجالس مشاكل عديدة تتمثل في عدم قدرة المجلس المحلي على الانعقاد، وحدوث استقالات واستنكافات وانقسامات تعطل عمله.
ويضيف دوابشة: "منطقيا على المجتمع المحلي أن يفرز مجلسا لإدارة شؤون الهيئة، وعندما يفشل المجتمع المحلي فلا نستطيع أن نترك فراغا، ونضطر لتشكيل لجنة حكومية".
ويتابع "إذا اتفق المجتمع المحلي على لجنة محلية في أي وقت، فليس لدينا مشكلة في حل اللجنة الحكومية".
ويؤكد أن الحل الوحيد هو الانتخابات، مبينا أن الوزارة قدمت توصية للحكومة بإصدار مرسوم إجراء الانتخابات خلال هذا الأسبوع.
وما لم يصدر المرسوم هذا الأسبوع، فلن تجرى الانتخابات في الموعد المحدد سابقا وهو 13 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، لأن المرسوم يجب أن يصدر قبل 90 يوما على الأقل.
وعقدت الوزارة الأحد اجتماعا للفصائل ومؤسسات المجتمع المدني في رام الله لدراسة ومناقشة التعديلات المقترحة على قانون الانتخابات.
ويوضح دوابشة أن هناك فقرات بالقانون بحاجة إلى تعديل لمنع التفرد ولخلق حالة انسجام بين أعضاء المجلس بما يحول دون حدوث إشكاليات كبيرة بالهيئات المحلية كما يحدث اليوم.
ويبين أن النظام الانتخابي الذي يقوم على مبدأ التمثيل النسبي الكامل، هو المعتمد في الانتخابات القادمة، بعد الفشل في الاتفاق على نظام جديد.
ويذكر أن "النظام الحالي يفرز واقعا غير مريح للوزارة، ولا يحقق الاستقرار، ويتسبب بوقوع الخلافات في الأشهر الأولى من دورة المجلس".
ويقول: "سعينا لإقرار نظام انتخابي جديد يقوم على القائمة النسبية المفتوحة، لكنه اصطدم برفض بعض الفصائل الصغيرة".
المجتمع المدني يعارض
ولقي تعيين لجان حكومية لإدارة المجالس معارضة مؤسسات المجتمع المدني.
ويعبّر منسق تجمع مؤسسات المجتمع المدني بنابلس سامر عنبتاوي عن رفض هذه المؤسسات لمبدأ تعيين المجالس، وتأكيده لحق المواطن باختيار مجلسه.
ويقول لوكالة "صفا": "إذا كان ولا بد من تغيير المجلس المنتخب، فليحول المجلس إلى مجلس تسيير أعمال، ويحدد موعد للانتخابات في أقرب وقت ممكن".
ويلفت إلى أن السلطة لجأت إلى التعيين باعتباره أسهل المخارج، ولم تحدد موعدا للانتخابات.
ويضيف "نخشى أن تطول مدة التعيين، ولا يبدو أن هناك انتخابات في المستقبل المنظور، وهذا ما يعيق عمل المجالس ويفقد المواطن حقه باختيار من يمثله".
ويشدد على أن "عدم دورية الانتخابات في مواعيدها المحددة هي أحد أسباب الإخفاقات والإشكاليات في الهيئات المحلية، بالإضافة إلى تدخل القوى السياسية والسلطة في عمل البلديات".
كما أن "وجود متنفذين داخل أقسام البلديات يتحكمون في أداء البلدية، يجعل أي مجلس يأتي يشعر بضعف سيطرته على مفاصل البلدية، في وقت لا يعطي القانون الصلاحيات الكافية للمجلس لفرض القوانين"، وفق عنبتاوي.
ويؤثر ضعف العلاقة بين المواطن والمجلس، وغياب التفاهم المتبادل، وتبادل تحميل المسؤوليات، على واقع الخدمات.
ويرى عنبتاوي أن الحل يكمن بانتظام عقد الانتخابات، وإعطاء المجلس الصلاحيات والضمانات القانونية، ووقف التدخلات بالمجالس.
ويطالب أن تكون "خدمة المواطن هي الهدف الأساسي للموظفين، وتحسين العلاقة مع المواطنين لتسديد التزاماتهم للبلدية لتتمكن من أداء واجبها على أكمل وجه".
ويؤكد ضرورة إيفاء السلطة بالتزاماتها المالية للمجالس، خاصة وأن هناك مجالس لديها ديون كبيرة على السلطة، كبلدية نابلس، مما يرهق كاهلها.
ويدعو لإعادة النظر بالنظام الانتخابي، والاتفاق على نظام ملائم يكفل وصول أكبر عدد من الكفاءات للمجلس البلدي.َ
المصدر: صفا نيوز