2024-11-25 12:22 م

الفشل الإسرائيلي في تقدير موقف المقاومة: الأسباب والمآلات

2021-08-09
يتكرر الفشل الاستخباري للعدو الإسرائيلي في تقدير موقف سلوك المقاومة تجاه عدوانه وجرائمه ومحاولاته تغيير قواعد الاشتباك لصالحه؛ فبعد فشله في فهم نيات حركة حماس قبيل اندلاع معركة "سيف القدس" في أيار/مايو 2021، وعدم تقديره بأن الحركة ستبادر إلى الهجوم الصاروخي على القدس، ها هو الفشل يتكرر مرة أخرى عند الجبهة الشمالية، حيث قدّر العدو أنّ حزب الله لن يبادر إلى الرد على هجماته العسكرية بالطائرات على لبنان لأول مرة بعد معركة تموز/يوليو 2006.

فشل آخر للعدو لا يقل أهمية عن الفشلين في غزة ولبنان، يتمثل بسوء تقديره للردود العسكرية التي يتوقع أنها إيرانية في عرض البحر، والتي استهدفت سفناً إسرائيلية عدة مرات، والتي كان آخرها وأخطرها الهجوم بطائرات مسيرة على سفينة  "مرسر ستريت"  في خليج عُمان.

الفشل الإسرائيلي المتكرر في تقديرات مواقف محور المقاومة له عدة تفسيرات، أولها اعتقاد استخبارات العدو أنّ قوة الردع التي يمتلكها كفيلة بمنع أطراف المقاومة من رفع مستوى النيران في الرد على عدوانه وسلوكه الإجرامي في المنطقة، وأن المقاومة لن ترد أو ستكتفي على الأكثر بتنفيذ هجمات رمزية، وهو ما ثبت فشله في مواجهاته مع غزة ولبنان وإيران.

السبب الثاني أن العدو يعتقد أن لديه منظومة استخبارية عالية المستوى تزوده بمعطيات ومعلومات، سواء من خلال المصادر البشرية أو التكنولوجية، وأنها كفيلة بتكوين تقدير موقف صحيح تجاه توجهات الأطراف. ويبدو من خلال المواجهات الأخيرة أن هناك ضعفاً وتراجعاً ملموساً في القدرات الاستخبارية للعدو، ما يعني في المقابل تطوراً في تلك القدرات لمحور المقاومة. ومن جهة أخرى وجود تنسيق وتعاون استخباري بين محور المقاومة، وهو ما كشفته تصريحات قيادية لحركتي حماس وحزب الله في أعقاب معركة "سيف القدس".

ثمة دافع أخير، وهو نجاح العدو في تكثيف التنسيق والتعاون الاستخباري والأمني مع الأطراف المعادية لمشروع المقاومة في المنطقة، والتي توفر له معلومات لا يحلم بالحصول عليها من دون التعاون مع تلك الأطراف. ورغم كنز المعلومات الذي يصل إلى العدو من خلال هذه الأطراف، إلا أن الأحداث مؤخراً أثبتت أنها عاجزة عن سبر أغوار توجهات محور المقاومة وتفكيره.

الفشل الاستخباري المتكرر للعدو في تقديره لموقف المقاومة، له تداعيات على طبيعة المواجهة في المستقبل، قد تدفع إلى مواجهة عسكرية شاملة في المنطقة يمكن أن تنطلق شرارتها من الجبهة الشمالية، فالعدو يعتقد أن حزب الله يعاني من ظروف داخلية صعبة نتيجة الحالة الاقتصادية والسياسية المتردية في لبنان، ومحاولة أطراف لبنانية وإقليمية تحميله المسؤولية عن ذلك. ونتيجة لذلك، بحسب هذه التقديرات، سيتجه الحزب إلى معالجة قضاياه الداخلية. هذا الأمر دفع العدو للعمل على تغيير قواعد الاشتباك الثابتة منذ معركة تموز 2006، وقصف بالطائرات بشكل مكثف مناطق حدودية لبنانية مفتوحة، وهو ما استدعى رداً أعلن عنه حزب الله بالصواريخ على مواقع مفتوحة شمال فلسطين المحتلة.

من الواضح أن حزب الله رفع من مستوى جهوزيته منذ معركة "سيف القدس"، والأوضاع الداخلية اللبنانية، على عكس ما يعتقد العدو، قد تكون عامل مواجهة معه، وليست عامل تهدئة، لأن الطرف الاسرائيلي هو الحاضر الدائم في ما يعانيه لبنان، خصوصاً بعد حادثة مرفأ بيروت التي لا يستبعد أن يكون له يد فيها.

التوترات بين العدو وإيران في عرض البحر والردود التي ينسبها العدو إليها أتت من دون تقدير صحيح له، بعدما اعتقد أن إيران ستكتفي بالتهديد من دون التنفيذ، نتيجة حرصها على رفع العقوبات الاقتصادية عنها وما تعانيه من ظروف اقتصادية بسبب تلك العقوبات، كما أن العدو يدرك أن استهداف السفن الإسرائيلية يهدد تجارتها عبر البحر التي تصل إلى نسبة 90% من حجم تجارتها الكلية. وقد أثبتت إيران من خلال نجاحها في تهديد تجارة العدو قدرات استخبارية من جهة، وقدرات هجومية عبر المسيرات من جهة أخرى.

على صعيد جبهة "إسرائيل" مع المقاومة في غزة، فإنّ أبعد ما يمكن أن توصف به الأوضاع أنها مستقرة، ونُذر المواجهة والتصعيد ماثلة، خصوصاً في حال استمرت سياسات العدو تجاه القدس والمسجد الأقصى وقطاع غزة.

الخلاصة أنّ العدو لم يعد قادراً على فهم نيات المقاومة في غزة ولبنان وإيران وتوجهاتها، وربما في مناطق أخرى. وفي حال تكرر فشله، فسيكرر جرائمه وعدوانه، بحجة سعيه لتغيير قواعد الاشتباك لصالحه، مستغلاً نقاط الضعف التي يعتقد أنها ستثني محور المقاومة عن الرد، وهو التقدير الذي ثبت فشله. وقد يُفاجأ العدو بمواجهات متدحرجة تسير فيها الأطراف على حافة الهاوية التي قد تشعل مواجهة شاملة على عدة جبهات.
(الميادين)