2024-11-25 09:31 م

إسرائيل: "صفقات تجارية" بأهداف أمنية ـ سياسية.. "بيغاسوس" نموذجاً

2021-07-26
يروي تقرير نشرته "الغارديان" البريطانية يوم الثلاثاء الماضي شارك في إعداده كل من ستيفاني كيرشغيسنر (واشنطن)، أوليفر هولمز (القدس المحتلة)، وشون ووكر (بودابست) كيف أغرى الإسرائيليون دولة مثل السعودية على إستخدام تقنية "بيغاسوس" التجسسية منذ العام 2017.
“بالعودة إلى العام 2017، قلَّة فقط كانت تجادل في أن إسرائيل والسعودية عدوان. رسمياً، لا توجد علاقات دبلوماسية بين البلدين. لكن، بالنسبة لمجموعة صغيرة من رجال الأعمال الإسرائيليين الذين حضروا اجتماعات سرّية، مع مسؤولين سعوديين في فيينا وقبرص والرياض في ذلك الصيف، كانت هناك مؤشرات على أن الدفء قد تسلل إلى هذه العلاقات. كان رجال الأعمال هؤلاء يمثلون شركة NSO Group الإسرائيلية للإستخبارات الرقمية. وكانت مهمتهم بيع السعوديين تكنولوجيا “بيغاسوس” Pegasus، وهو نظام برامجيات تجسس عسكري خاص بالشركة، يستطيع أن يخترق الهواتف المحمولة، ويستخرج جميع البيانات المخزنة فيها، وتفعيل الميكروفون والكاميرا للتنصت على المحادثات في الوقت نفسه. التجارة باب للدبلوماسية وفقاً لشخص كان من بين الذين كانوا حاضرين في الاجتماعات السرّية التي عُقدت بين الإسرائيليين والسعوديين، وتحديداً الإجتماع الذي عُقد في قبرص في حزيران (يونيو) 2017، فإن مسؤولاً رفيعاً في المخابرات السعودية كان “مندهشاً” مما رآه. فبعد مناقشة تقنية مطولة، عُرض على “الجاسوس” السعودي، الذي أحضر معه جهاز iPhone جديداً، كيف يمكن لبرمجيات “بيغاسوس” Pegasus التكنولوجية أن تخترق محتويات الهاتف وتفعيل الكاميرا عن بُعد. وقال “الشاهد” معلقاً على دهشة “الجاسوس” السعودي: “لست بحاجة إلى فهم اللغة العربية لترى أنهم (السعوديون) كانوا مندهشين ومتحمسين، وأنهم رأوا ووجدوا ما كانوا يبحثون عنه ويحتاجون إليه”. حصلت NSO Group على إذن صريح من الحكومة الإسرائيلية لترويج بيع أدوات القرصنة المحلية للسعوديين. لقد كان ترتيباً سرّياً، أسفر عن إبرام عمليات البيع لاحقاً في الرياض بصفقة بلغت قيمتها ما لا يقل عن 55 مليون دولار. وأضاف “الشاهد”، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته: “يوجد في إسرائيل حركة سياسية قوية مهمتها تنشيط الدبلوماسية من خلال الأعمال التجارية. العمل أولاً، الدبلوماسية لاحقاً. عقد صفقة ناجحة مع طرف ما كفيلة لتفتح الكثير من الأبواب أمام الدبلوماسية”. من الشائع أن تساعد الحكومات الشركات على تصدير منتجاتها. والدليل، أن من بين موظفي NSO Group مسؤولون سابقون في الاستخبارات الإلكترونية الإسرائيلية، كما أن الشركة تحتفظ بصلات قوية مع وزارة الدفاع.
لكن تم الكشف عن كيفية استخدام دول سلطوية قمعية، مثل السعودية والإمارات وأذربيجان ودول أخرى، لتكنولوجيا NSO لاستهداف حقوقيين وناشطين فاعلين في مجال الراي العام وسياسيين وصحافيين ورجال أعمال ودبلوماسيين. ضغط سياسي عمليات الكشف هذه تنذر بوجوب ممارسة ضغط دبلوماسي قوي على إسرائيل، وسط تساؤلات حول ما إذا كانت إسرائيل تستغل ترخيص برامج التجسس الخاصة بـ NSO لممارسة ضغط سياسي ما – لا سيما بسماحها ببيع هذه البرنامج إلى دول سلطوية – غير ديموقراطية من المحتمل أن تسيء استخدامه. والمقصود بـ”الكشف” هنا هي التسريبات التي كشف عنها مشروع “بيغاسوس” أو The Pegasus Project (تحقيق استقصائي تعاوني من تنسيق منظمة “قصص محظورة” أو Forbidden Stories للصحافة، بمساعدة تقنية من المختبر التقني الخاص لمنظمة العفو الدولية Amnesty International’s Security Lab، وبمشاركة أكثر من 80 صحافياً إستقصائياً من 17 مؤسسة صحفية في 10 دول حول العالم). أقر تقرير الشفافية الأخير الصادر عن NSO Group بأن الشركة “منظمة بشكل وثيق” من قبل سلطات مراقبة الصادرات في إسرائيل. وذكرت الشركة إن وكالة مراقبة الصادرات الدفاعية (DECA) التابعة لوزارة الدفاع الإسرائيلية – ومن منطلق مبدأ مراعاة حقوق الإنسان – “تفرض قيوداً مشددة” على تراخيص بعض منتجات المراقبة، بناءً على تقييمها الخاص للعملاء المُحتملين. وأن الوكالة لم ترفض لها (NSO) طلباً للحصول على تراخيص تصدير إلا “في حالات قليلة فقط”. علاوة على ذلك، خضعت NSO أيضاً لمراجعة تنظيمية “متعمقة” من قبل إسرائيل، طالت حتى “إطارها الداخلي القوي”. داخلNSO، تعتبر العملية التي تستخدمها إسرائيل لتقييم ما إذا كان يمكن بيع التكنولوجيا للدول “سراً من أسرار الدولة”. ويقول شخص مطلع على تلك العمليات إن المسؤولين في كل من مجلس الأمن القومي الإسرائيلي ومكتب رئيس الوزراء معروفون بتقديم مساهماتهم في هذا الإطار. وفي حالة السعودية، قالت مصادر مطلعة إن المملكة انقطعت مؤقتاً عن استخدام برنامج “بيغاسوس” Pegasus للتجسس لعدة أشهر في عام 2018، وذلك بعد مقتل الصحافي جمال خاشقجي، لكن سُمح لها بمعاودة استخدام البرنامج مرة أخرى في عام 2019 بعد تدخل الحكومة الإسرائيلية. ومن غير الواضح لماذا حثّت الحكومة الإسرائيلية NSO على إعادة ربط أداة المراقبة الخاصة بالرياض
يذكر أنه قبل أسابيع قليلة، قطعت NSO الخدمة عن السعودية، بعد مزاعم بأن المملكة استخدمت Pegasus لاختراق هواتف العشرات من صحافيي قناة “الجزيرة”. “الأسواق تُملي ما يصلح” ومع ذلك، فإن الدول العشر التي يشير التحليل الجنائي لمشروع Pegasus إلى أنها تسيء استخدام التكنولوجيا، تتمتع جميعها بعلاقات تجارية مع إسرائيل أو لديها علاقات دبلوماسية أو تحسنت العلاقات معها بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة.
في دولتين عميلتين لـ NSO، الهند والمجر، يبدو أن الحكومات بدأت في استخدام تكنولوجيا الشركة عندما اجتمع رؤساء وزرائهم برئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، بنيامين نتنياهو، أو بعد ذلك، في لقاءات رفيعة المستوى كان الهدف منها تعزيز التعاون التجاري والأمني بينهم. ومن هنا يمكن لنا أن نفهم لماذا لم يُسمح لأي دولة تُعتبر عدواً لإسرائيل – مثل تركيا – بشراء سلع NSO. ففي مؤتمر صحفي عُقد في المجر في عام 2017، وبينما كان يقف بجانب رئيس وزراء البلاد، فيكتور أوربان، أعلن نتنياهو أن “الأسواق تُملي ما يصلح عمله وما لا يصلح، أنا لا أُملي أي شيء.. المكان الوحيد الذي تدخلت فيه بالفعل.. هو الأمن السيبراني”. الأمر الذي ما يزال غير واضح هو ما إذا كانت وكالات الإستخبارات الإسرائيلية تتمتع بامتيازات خاصة مع NSO، مثل الوصول إلى المعلومات التي يتم جمعها عن طريق المراقبة والتجسس التي تتم عبر برامج التجسس الخاصة بها. وفي هذا الخصوص يقول شخص مُقرب من الشركة، طلب عدم الكشف عن هويته، إن هذا السؤال كان موضوعاً متكرراً للتكهنات. وعندما سئلوا عما إذا كان بإمكان إسرائيل الوصول إلى المعلومات الاستخباراتية التي يجمعها عملاء NSO، أجابوا: “الأميركيون يعتقدون ذلك”. هذا الرأي يؤكده مسؤولون حاليون وسابقون في المخابرات الأميركية، في تصريح لصحيفة “واشنطن بوست”، الشريك في مشروع  Pegasus، قالوا فيه أن هناك افتراضاً بأن إسرائيل لديها إمكانية الوصول – عبر “باب خلفي” – إلى المعلومات الاستخباراتية التي يتم اكتشافها. إسرائيل تعلم.. وتستغل وقال جون سكوت-رايلتون، كبير الباحثين في Citizen Lab في جامعة تورنتو، إنه يعتقد أنه سيكون من “غير المسؤول” أن تسمح دولة ما بتوزيع أداة مراقبة قوية مثل Pegasus على نطاق واسع، من دون أن تكون قادرة على إبقاء عينها على كيف ولماذا تُستخدم تلك الأدوات. وأضاف سكوت-رايلتون أن سجلات المحكمة كشفت أن NSO تستخدم خوادم لم تكن موجودة دائماً في مقر العميل، “ومعنى ذلك أن هناك إمكانية لمعرفة كيف ولماذا تُستخدم أدوات المراقبة. وسيكون من الجنون بالنسبة لهم [الإسرائيليين] عدم فعل ذلك”. ونفت NSO بشدة أن يكون لإسرائيل أي إمكانية لإختراق الأنظمة التي تبيعها إلى عملائها. وفي هذا الشأن أعلن محامي الشركة أن “NSO شركة خاصة، وليست أداة الدبلوماسية الإسرائيلية. ولا باب خلفياً للاستخبارات الإسرائيلية، ولا تأخذ توجيهات من أي زعيم حكومي”. بدورها، قالت وزارة الدفاع الإسرائيلية إن دولة إسرائيل “توافق على تصدير المنتجات الإلكترونية حصرياً إلى الكيانات الحكومية، للاستخدام القانوني، ولغرض منع الجرائم ومكافحة الإرهاب والتحقيق فيها فقط، بموجب شهادات الاستخدام النهائي/ المستخدم النهائي التي قدمتها الحكومة المستحوذة”. وذكرت في بيان لها أنه قد تم اتخاذ “الإجراءات المناسبة” في الحالات التي يتم فيها استخدام المواد المصدرة في انتهاك لتراخيص التصدير. وختمت الوزارة: “لا تستطيع إسرائيل الوصول إلى المعلومات التي يجمعها عملاء NSO”.
 (*) النص مترجم بتصرف عن صحيفة “الغارديان” البريطانية
المصدر: : 180post.com