2024-11-25 08:04 م

مخطط بينيت للتخلص من معادلة “سيف القدس”

2021-06-16
ايهاب زكي
الناظر لاجتماع “الكنيست” للتصويت على “حكومة” بينيت، يدرك سريعاً أنّه ليس برلماناً، بل اجتماع لرؤساء عصابات، يعانون من صعوبة حماية الجرائم التي ارتكبوها سابقاً، ويجدون صعوبةً أكبر في ارتكاب جرائم جديدة دون ملاحقة، فهذه العصابات لم تكن لتختلف على الريع لو كان وفيراً ويسيراً كالسابق. ومصدر الاختلاف حد التطاحن هو العجز عن اجتراح الحلول، وفشل كل المحاولات لإعادة عقارب الساعة للوراء، لذلك حاول بينيت الظهور بمظهر الواثق، الذي يملك مفاتيح الحلول، وأنّه آتٍ بعصرٍ جديد، يختلف عن عصر سلفه نتن ياهو، وهي محاولة لتصوير أنّ الأزمة ليست أزمة كيان بل أزمة شخص، وأنّ التخلص من هذا الشخص سيعيد الأمور إلى نصابها، فكان سلوكه وكتلته البرلمانية يختلف كلياً عن سلوك نتن ياهو وكتلته، الذي امتاز بالصخب والرعونة أحياناً، حيث التزموا رباطة الجأش مع الابتسام المتكرر على سبيل الاستخفاف بنتن ياهو، ولكن هذا ليس كافياً للإقناع بأنّ الأزمة شخصية لا وجودية.

بعيداً عن هشاشة الحكومة التكوينية والتشوهات الجينية التي ولدت بها، فإنّ نتن ياهو فخخ مسارها قبل أن يرحل، حيث ستواجه أول الفخاخ يوم الثلاثاء المقبل. أقر”الكابنيت” السماح لما يسمى بـ”مسيرة الأعلام”، وهو عكس المنع الذي مارسه نتن ياهو إبان وجوده على رأس السلطة، وذلك لما سيترتب عليه من تصعيد عسكري. وبما أنّ منع التصعيد أصبح استراتيجية أمريكية معلنة، لإدراكها عجز الكيان عن تحقيق ولو صورة نصرٍ باهتة، وبهدف حماية الكيان من نفسه، لذا، فإقرار بينيت السماح للمستوطنين بإجراء المسيرة، سيفجر مواجهةً جديدة، وقد تكون أشد قوة وقد تتوسع، فيما قيامه بإلغاء قرار حكومة نتن ياهو وعدم السماح بإجراء المسيرة، سيكون أول سلاح يملكه نتن ياهو ليطلق النار على حكومة بينيت في رحلة إسقاطها، وهي حكومة ولدت هشة ومشوهة وبعد مخاضٍ عسِبر، ولم تكن لتولد لولا تدخل أمريكي صارم، لذلك فإنّ هذه الحكومة ستعمل على منع المسيرة بطرقٍ التفافية، دون إعطاء نتن ياهو سلاحاً، مع عدم الذهاب بعيداً في إغضاب إدارة بايدن، التي تدرك أنّ فتح الجبهة مجدداً، سيكون بمثابة الخطر الوجودي.

لم يختلف خطاب بينيت عن خطاب نتن ياهو، فالنظرة واحدة إلى جميع الملفات، من زيادة الاستيطان وعدم السماح بقيام دولة فلسطينية، إلى ذات الموقف من العودة للاتفاق النووي، مروراً بلبنان وسوريا وغزة، والشيء الوحيد الذي يختلف، هو تصويب نتن ياهو على الولايات المتحدة وتفاخره بذلك، وهو الأمر الذي سيعجز عن إتيان بينيت بمثله، لذلك يبدو أنّ إدارة بايدن ستحاول التسويف في العودة للاتفاق النووي، في سبيل السماح لحكومة بينيت بكسب المزيد من الوقت وتثبيت أقدامها، دون إعطاء نتن ياهو سلاحاً جديداً، فيصوّر الأمر على أنّ حكومته كانت تمنع العودة الأمريكية، بعكس حكومة بينيت التي عجزت عن ذلك، ومن هنا تتحدث بعض المصادر عن إعادة الولايات المتحدة طرح ملحق للاتفاق النووي، يقوم على مناقشة برنامج الصواريخ الإيراني ونفوذها في المنطقة، وهذا ما قد يفسر التصريح الهجومي لرئيس وفد التفاوض الإيراني عباس عراقجي، حيث قال “إنّ الحصار جريمة حرب تشارك فيها إدارة بايدن، ولا يجوز أن يبقى الإيرانيون يوماً تحت العقوبات”، مضافاً إلى ذلك ما أعلنه بايدن حيث كان أول المتصلين ببينيت، من أنّه “ملتزم بالعمل مع حكومة بينيت”، “وأنّ الإدارة الأمريكية ستتشاور معها في كل الأمور المتعلقة بالأمن الإقليمي بما فيها إيران”، كل ذلك هو جزء من أولى هدايا بايدن لبينيت ولابيد.

جاء تصريح نفتالي بينت عن “أمنيته باستمرار واستدامة وقف إطلاق النار”، تعبيراً صريحاً عن الاستراتيجية الأمريكية باستمرار الهدوء، حتى يتسنى لها ممارسة سياسات تفضي لتفريغ انتصار معركة “سيف القدس” من مفاعيله القريبة والبعيدة، وذلك من خلال تقديم جزرة الإعمار إلى غزة دون الحصول عليها، وتقديم جزرة الدولة لرام الله دون الحصول عليها، وهذان خطان متوازيان سيصطدمان لا محالة في نهاية المطاف، فيعود الانقسام الفلسطيني إلى مربعه الأول، حيث سيتم اتهام سلاح الفصائل بالعقبة أمام الدولة الموعودة، كما اتهام إرادة السلطة بمنع إعادة الإعمار، وهذا بدوره سينعكس على الكل الفلسطيني قضيةً وشعباً. وهكذا تخسر فلسطين أول منجزات معركة “سيف القدس”، حيث اللُحمة الفلسطينية ووحدة الهدف والمصير، وهذا ما بدت نُذر شؤمه في فشل لقاءات القاهرة بين “فتح” و”حماس”، مما أدّى إلى تأجيل اللقاء إلى أجلٍ غير مسمى. لذلك فإنّ فصائل المقاومة مطالبة اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى، باستراتيجيةٍ محكمة للحفاظ على منجزات المعركة، أقله عدم ربط الملف الإنساني بأيّ ملفاتٍ سياسية، كما عدم ربط نفسها بسياسة التفاوض، والقاعدة الذهبية لهذه الاستراتيجية، يجب أن تكون ألّا أحد سيمنح دولة ولا أحد سيسمح بإعادة الإعمار، فالدولة مبدأ مرفوض في عقل “إسرائيل”، وإعادة الإعمار لا أحد يستطيع أو يجرؤ على دفع ثمنها.