سألته عما إذا كان عباس البالغ من العمر خمسة وثمانين عاماً مازال مؤهلاً لقيادة شعبه بعد أن قرر تأجيل ما كان سيعتبر الانتخابات الفلسطينية الأولى منذ أربعة عشر عاماً، فأجاب القدوة: "حسناً، لا أحب أن أشخصن الأمور، ولكنني أعتقد أن الوضع الراهن غير قابل للاستمرار. نحتاج إلى التغيير، والتغيير في رأيي يعني تغيير الأشخاص والشخصيات، وتغير السياسات، وكذلك تغيير المواقع. إن الاستمرار في الوضع الذي نحن عليه الآن من شأنه أن يقود فقط إلى مزيد من المشاكل ومزيد من النكبات للشعب الفلسطيني."
لا يساور القدوة أدنى شك في أنه لو مضت الانتخابات قدماً لأحرزت قائمته نتائج أفضل من تلك التي كانت ستحصل عليها قائمة عباس، وأنه لو تبع ذلك إجراء انتخابات رئاسية وترشح لها مروان البرغوثي من داخل زنزانته في السجن الإسرائيلي لفاز هو بها.
فشل عباس
من المؤشرات الأخرى على نضوب سلطته الخطاب الأخير الذي دعاه فيه أكاديميون فلسطينيون رائدون إلى التنحي. وصل عدد الموقعين على الخطاب ثلاثة آلاف. بالطبع كان ذلك أكثر من مجرد خطاب. لقد كان بداية حملة لإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية.
أشار تصريحهم إلى أن عباس كان أبرز الغائبين عن الأحداث الأخيرة، بما في ذلك الانتفاضة في القدس وعمليات الإخلاء من الشيخ جراح واجتياحات المستوطنين المسلحين للمسجد الأقصى.
وجاء في الخطاب: "بعد أن انتهت المعركة، أضاف عباس إلى سجله السياسي إخفاقاً آخر عندما تقاعس عن التضامن مع الشعب الفلسطيني في معاناته. فلم يعبأ بزيارة عائلات الشهداء في غزة والضفة الغربية. لقد كانت تلك فرصة وطنية وذهبية لزيارة قطاع غزة، واغتنام الفرصة واعتبارها بداية نهاية الانقسام، ولكن بدلاً من ذلك كشف عن عمق الشلل الذاتي الذي وضع الرئيس نفسه فيه."
ثمة جيل جديد من الفلسطينيين هم من يدفع باتجاه هذا التغيير. ولد هؤلاء بعد أوسلو، ولا تربطهم صلة برام الله وبقيادتها. بل رام الله نفسها، التي تعتبر تل أبيب الضفة الغربية، شهدت تظاهرات شارك فيها الآلاف من الفلسطينيين في احتجاج على رئيسها الصامت والغائب. المثير في ذلك أن هذا الحراك لا علاقة لحماس به.
يعتبر هذا الجيل نفسه جزءاً من شعب يمتد من النهر إلى البحر. بينما يحتاج عباس للحصول على إذن من إسرائيل في كل مرة يرغب فيها في التحرك برفقة حرسه الشخصي داخل الضفة الغربية المحتلة، لا يقيد هذا الجيل نفسه بالجدران ولا بنقاط التفتيش التي تفرضها سلطة المحتل. لا يخضع المقدسيون ولا فلسطينيو 1948 لسلطة عباس، ناهيك عن أن يخضعوا لسلطة فتح أو منظمة التحرير الفلسطينية.
رسالة واضحة
لا يوجد لدى عباس ما يقوله للفلسطينيين لأنه لم ينجز لهم شيئاً يذكر. لم تحقق ثلاثة عقود من المحادثات بعد الاعتراف الفلسطيني بإسرائيل شيئاً سوى تفكيك جميع المؤسسات الفلسطينية التي كانت مشاركة في الحوار: المجلس الوطني الفلسطيني ومنظمة التحرير والمجلس المركزي.
ولذلك جاء على لسان الأكاديميين الفلسطينيين في خطابهم المذكور أعلاه: "لدينا الحق في التوقف الآن والسؤال: ما هي النتيجة؟ وما الذي حققه الرئيس لشعبه؟ ما هي الحقوق التي أملكها؟"
فعلاً، يتوجب على عباس أن يتنحى، على الأقل من أجل الحفاظ على إرث حركة فتح كمنظمة للتحرير. ولن ينجيه لا الرئيس الأمريكي جو بايدن ولا وزير خارجيته طوني بلينكن – أرباب الصراع الفلسطيني الآخرين الغائبين عن المشهد، ولن تنقذه أموال الضرائب التي تسلمها له إسرائيل ولا أي من الامتيازات التي تنساب من ذلك.
بالنسبة لبايدن وبلينكن الرسالة واضحة: لقد ولت الأيام التي كانت زعامة الشعب الفلسطيني تحدد مسبقاً من قبل مرشح مقبول لهما ولإسرائيل. إن أسرع وسيلة لإنهاء الصراع هي السماح للقيادة بتجديد نفسها وتمكينها من تمثيل الشعب الفلسطيني.
وهذا أمر لا قبل به لا لعباس ولا للقيادة الحالية للسلطة الفلسطينية، وإن إبقاءهم في السلطة يعني الحفاظ على واحدة من المكونات الأساسية للاحتلال الإسرائيلي.
المنظومة الطبيعية للاحتلال توشك على الانتهاء
2021-06-10