تجري محاكمته الآن بتهمٍ بُرِّئ منها سابقًا، إنه هو أسامة الحسني، مواطن سعودي-أسترالي، يبلغ من العمر 42 عامًا، رُحِّل من المغرب إلى المملكة العربية السعودية قسرًا في 13 مارس (آذار) الفائت. كانت السلطات المغربية قد احتجزت الحسني بناءً على إخطار من الحكومة السعودية لـ«الإنتربول» في الثامن من فبراير (شباط) 2021، وهو ما قالت عنه «هيومن رايتس ووتش» إنه يُعد إجراءً تعسفيًّا ذا دوافع سياسية، استُخدم فيه «الإنتربول» لاعتقال المعارضين في الخارج، انتقامًا منهم. فمن هو أسامة الحسني، الذي أحكمت السعودية قبضتها عليه في مارس الفائت؟
لماذا رُحِّل الحسني قسرًا إلى المملكة السعودية؟
كان طلب الاحتجاز الذي أرسلته الحكومة السعودية، والمؤرخ يوم 11 فبراير (شباط)، يذكر أنه مطلوب بتهمة سرقة سيارات. إذ تُقدِّم السلطات السعودية روايةً تقول إن أسامة الحسني قد تآمر مع آخرين لسرقة عدد من سيارات «رينج روفر» من معرض سيارات عام 2015.
وعلى الرغم من أن المحكمة الابتدائية السعودية عام 2018، قد حددت ستة متهمين آخرين لم يكن بينهم الحسني لعدم وجوده في البلاد، فإن الادعاء كان يصفه طوال المحاكمة شريكًا في السرقة. في النهاية أصدرت المحكمة في حكمها أنه ليس هناك من دليلٍ دامغ على تورط الستة أفراد في السرقة، لكنها قررت سجنهم جميعًا ثلاثة أشهر بحكمٍ تعزيزي، وذلك وفقًا لما يسمح به القضاء السعودي.
وعلى الرغم من طلب الاحتجاز الصادر في حق أسامة الحسني فبراير 2021، فإن حكم الاستئناف على القضية سابقًا قد برأ المتهمين الستة ومعهم الحسني، لنقصِ الأدلة، وذلك وفقًا لإفادة خطية من وزارة العدل صادرة في سبتمبر (أيلول) من عام 2019. إذن لمَ جرى ترحيل الحسني بعد تبرئته؟
وفقًا لطلب الاحتجاز الصادر عن السلطات السعودية 2021، فإن أسامة الحسني مطلوب لتنفيذ عقوبة قد تصل إلى عامين، إلا أن الأوراق الرسمية ووثائق المحاكمة تشير جميعها إلى الحسني الحاصل على الجنسية الأسترالية باسمٍ مختلف عن أوراقه السعودية، واسمه في الأوراق السعودية هو «أسامة بن طلال عباس المحروقي».
يشير مصدر مطلع لـ«هيومن رايتس ووتش» إلى أن السلطات المغربية قد منعت المحامين والمسؤولين في القنصلية الأسترالية من التواصل مع الحسني لعدة أسابيع بعد احتجازه، وذلك بسبب اختلاف اسمه بين الوثائق السعودية والوثائق الأسترالية، وقضوا في النهاية بإمكانية ترحيله إلى المملكة السعودية.
زوجة الحسني: «سيصبح خاشقجي ثانيًا»
كانت زوجة الحسني – هناء – قد تواصلت مع وكالة «رويترز» عبر الهاتف باكية بعدما اعتقل زوجها عقب وصوله إلى المغرب للانضمام إليها وإلى طفلته، قائلةً: «لم أتوقع هذا الحكم»، وتضيف أن الحسني قد جرى تسليمه إلى المملكة السعودية في قضايا تخص جماعات حقوقية، إلا أن إشعار الاعتقال الذي قدمته السلطات السعودية لـ«لإنتربول» يشير إلى تورط رجل الأعمال السابق في قضية تتعلق بالسرقة.
كانت هناء قد صرحت لوكالة «إس بي إس» الإخبارية عن مخاوفها من أن يواجه زوجها مصير خاشقجي نفسه، وهو الصحافي السعودي الذي اغتاله النظام السعودي على الأراضي التركية داخل مقر السفارة السعودية، بعدما دخل إلى هناك ولم تسجل كاميرات المراقبة أية لقطة تشير إلى خروجه؛ إذ ألقت السلطات المغربية القبض على الحسني، وتعرض للضرب والسباب أمام زوجته وابنته ذات الأربعة شهور.
كان أسامة قد وصل إلى الأراضي المغربية ليزور طفلته حديثة الولادة وينضم لزوجته، إلا أن السلطات في المغرب قد ألقت القبض عليه بعد أربع ساعات فقط من وصوله إلى مطار الدار البيضاء الدولي يوم 8 فبراير 2021. واعتقل بعدها في «سجن تيفلت»، الذي يقع في بلدة شمال غرب المغرب.
دخل الحسني إلى المغرب عن طريق جواز سفره الأسترالي، وفقًا لمنظمة «سجناء الرأي الحقوقية»، وهي منظمة مدافعة عن حقوق المحتجزين داخل المملكة السعودية، وقد أشارت إلى أن الدكتور الجامعي السابق ورجل الأعمال قد يواجه خطرًا حقيقيًّا، إذا رُحِّل إلى السعودية، قائلة في تصريحها: «القضية مُلحة حقًّا وهناك خطرٌ على حياته»، وذلك بعدما أكدت عدم انخراط المتهم في أي نشاطٍ سياسي معارض.
بحسب وسائل إعلام محلية بالمغرب العربي، فقد تم استهداف الحسني بزعمِ مشاركته في تنظيمٍ يعارض الوهابية، والتي تمثل التوجه الإسلامي السائد في المملكة السعودية، وكان الحسني قد أقام مؤخرًا في بريطانيا، وفقًا لمنظمة سجناء الرأي، والمفارقة هنا أن حاكم البلاد الفعلي وولي عهدها، محمد بن سلمان، كان قد اتخذ في الفترة الأخيرة هو نفسه خطًّا معارضًا للأفكار الوهابية السائدة والتقليدية في المملكة.
وكانت زوجة الحسني قد أشارت أنها تمكنت من التواصل معه لخمس دقائق فقط بعد احتجازه من قِبل السلطات المغربية، وهناك أخبرها أنه يتعرض لضغوط من أجل توقيع وثيقة تسمح بتسليمه للسلطات السعودية دون محاكمة. وقالت هناء: «وضعه كارثي، فهو يعيش على الخبز والماء».
من هو أسامة الحسني؟
وفقًا لحسابه الخاص على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، فإنه أستاذ لنظم المعلومات والأعمال، عمل مستشارًا لأعمال التجارة الدولية، ورجل أعمالٍ بارزٍ. كما أنه رجل مُطلع ومثقف وفقًا لمنظمة سجناء الرأي، عمل سابقًا أستاذًا بـ«جامعة الملك عبد العزيز» في جدة، كما عمل مستشارًا لوزير العدل السعودي، وداعية في بريطانيا، وهو حاصل على الدكتوراه في مجال نظم المعلومات.
على الرغم من أن طلبات الاحتجاز تصفه بأنه متورطٌ في قضايا سرقة سيارات فاخرة، فإن محاميه يشير إلى وجود سبب آخر وراء احتجازه في قضية جرى تبرئته منها، وهي آراؤه السياسية، مما يجعله يواجه خطرًا حقيقيًّا بالتعذيب وسوء المعاملة في السجون السعودية.
هذا الأمر الذي يؤكده مايكل بيج، نائب مدير قسم الشرق الأوسط في «هيومن رايتس ووتش»، قائلًا إن محاكمة الحسني بتهمٍ جرى تبرئته منها يعد مثالًا مخزيًا لافتقار نظام القضاء السعودي للاستقلالية. إذ أشارت المنظمة إلى أن القوانين السعودية فَضفَاضة ويمكن استغلالها وتطويعها لمحاكمة سجناء الرأي بقائمة واسعة من التهم. مؤكدةً أن الحكومة السعودية تسعى إلى قمع المعارضة الديمقراطية في الداخل والخارج.
كان ذلك الأمر الذي من أجله حذرت «هيومن رايتس ووتش» الدول من إعادة الأشخاص قسرًا إلى المملكة السعودية، خوفًا من أن يواجهوا محاكمات جائرة، بالإضافة إلى احتمالات التعذيب، وتعرضهم لانتهاكات أخرى لحقوق الإنسان.
عاش الحسني في ملبورن بأستراليا، مدة عقد ونصف من الزمن؛ إذ اشتغل هناك إمامًا إلى جانب عمله رجلًا للأعمال، إلا أنه قد غادر أستراليا منذ خمس سنوات عاش خلالها في المملكة المتحدة وتركيا، وقد التقى بزوجته بعد رحيله عن أستراليا، وهي امرأة مغربية، كان يزورها هي وطفلته في مدينة طنجة قبيل القبض عليه.
كان للحسني علاقات وطيدة مع العديد من الأشخاص داخل المعارضة السعودية، وهو الأمر الذي وصل إلى علم السلطات؛ إذ قال معارض سعودي بارز لـ«فرنسا 24» إن الحسني كان مرتبطًا بشبكة دولية لجماعة معارضة سعودية. وهو ما أكده رئيس الحركة الاجتماعية للإصلاح، دكتور سعد الفقيه، مُشيرًا إلى اعتقاده أن الاعتقال كان لدوافع سياسية بسبب اطلاع الحسني على أنشطة المعارضة.
لكن أكد الفقيه في الوقتِ ذاته أن أسامة الحسني لم يكن له أي نشاط سياسي علني، إلا أن علاقاته الواسعة مع أطياف المعارضة السياسية السعودية المختلفة قد تكون السبب وراء احتجازه. وقد نشرت «الجارديان» البريطانية أن الحكومة السعودية لم تفصح حتى الآن عن مكان وجوده، من أجل ذلك دعت منظمة حقوق الإنسان السلطات الأسترالية للتدخل والضغط من أجل الكشف الفوري عن مكان الحسني ومتابعة الإجراءات القانونية اللازمة في قضيته، وذلك لضمان محاكمة عادلة.
جدير بالذكر أن لأسامة اسم حركي آخر هو أسامة الإدريسي، ومن خلال هذا الاسم ينشر مقاطع مصورة لحلقات على «يوتيوب» وكما يبدو؛ فإن هذه الحلقات تتحدث بشكل أساسي عن الرقائق والتأملات، وتتمتع بمتوسط مشاهدات منخفض نسبيًّا (من 300 إلى 2000 مشاهدة) وقد زاد معدل المشاهدة والتعليقات بعد أنباء اعتقاله. وفي الرابط التالي إحدى حلقات أسامة.