احمد بزون
كان معرض القاهرة الدولي للكتاب، الذي اختتم الأسبوع الماضي، محزناً. فمعرض أكبر دولة عربية بدا مجموعة من الخيام المنصوبة في أرض «مدينة نصر»، وعلى المتجول أن يخرج من خيمة ويدخل في أخرى، فيعبر مرة تحت زخّ المطر ويشقّ مرة أخرى هواءً بارداً هذه الأيام، على أن بعض الخيام، لا سيما الأفقر منها بقيت مفتوحة لمزيد من الغبار ولفح نسائم قارسة.
المشهد مأسوي بالطبع. يزيده مأسوية ارفضاض الناس عن المعرض هذا العام، في ظل الوضع المتفجر بالتظاهرات، وعقب أحداث بورسعيد، وفي ظل القلق المستبد بمصر بعد حكم «الإخوان».
كانت الشكوى واسعة من الناشرين، الذين يعتمدون في هذا المعرض على تجار الجملة، وقد تخلف عن الحضور العديد من التجار الذين يأتون للمناسبة من الخارج، ليضاف غيابهم إلى الغياب القسري أيضاً لعشاق الكتاب من مثقفي مصر، خصوصاً في هذه المرحلة السجالية الحساسة التي تشتبك فيها تيارات سياسية وفكرية. ولا يختلف المشهد في المعرض عن كل المشاهد التي نراها في مصر هذه الأيام، والتي تنقسم بين لحى طويلة ولحى حليقة.
قد لا يكون الوضع الأمني الذي رافق المعرض سبباً وحيداً لفقره وبؤسه، إذ يمكن أن نضيف الوضع الاقتصادي وازدياد البطالة وانخفاض القدرة الشرائية لدى فئة المثقفين أو القراء، وتراجع القراءة عموماً، خصوصاً أن المعرض لم يبدِ اهتماماً بالوسائل الحديثة للقراءة وهموم الشباب والأجيال المتعاملة مع آخر ابتكارات وسائل الاتصال. ثم إن برنامج الندوات والأنشطة، بما فيها التواقيع، لم تشهد هي الأخرى حركة تساهم في إنعاش المعرض بتأمين دفق من المثقفين المهتمين.
كل ذلك يعود لسببين اثنين، أولهما أن سياسة الحكومة لم تبدِ اهتماماً أفضل من سابقاتها بشأن المعرض، حتى أن معرض هذا العام ترافق واستقلال وزير الثقافة المصري. ثم إن السياسة الإخوانية الجديدة ليست مع الانفتاح الثقافي الذي يحمله نتاج الناشرين المصريين والعرب. بل يريد «الإخوان» أن يغيروا وجه مصر الثقافي، من خلال تدمير أو تبئيس الثقافات العلمانية والليبرالية.
السبب الثاني في بؤس المعرض ضعف الإمكانيات المتاحة له، فمعرض القاهرة الذي كان المعرض الثاني بعد معرض بيروت، من حيث تاريخ ولادته، بات، مع عميد المعارض العربية، في المؤخرة، من حيث الحجم والأنشطة والتنظيم، فالإمكانيات المالية هي التي تتكلم بالطبع، ومعارض الخليج هي التي يصح أن نسميها دولية، لقدرتها على استقطاب عدد أكبر من دور النشر والدول، واستقبال أنشطة ثقافية مرافقة أهم، وإتاحة الفرصة لمشاركات مختلفة، من دون أن يكون في ذلك توازناً بين حجم المعرض وحجم القراء. أي أن معرض بلد الأربعة وثمانين مليون نسمة لا يتيح فرصاً «نحاسية» للقراءة، في حين إمارات المئات آلاف تتيح فرصاً «ذهبية» للقراءة.
دور النشر المصرية تدفع إلى المطبعة سنوياً ما يقارب عشرين ألف عنوان، فمن يقرأ؟ وأين يذهب الناشرون والمؤلفون المصريون بكتبهم؟
ودائماً الأسئلة كثيرة، والإجابات خجولة ومسكونة بالحسرة وانحناءة للرأس.
عن "السفير" اللبنانية