2024-11-30 02:45 ص

تأجيل الانتخابات بسبب القدس: عذر أقبح من ذنب

2021-04-22
بقلم: نادية عصام حرحش 

أتمنى ان تكون كلماتي محكمة المعاني والمآخذ هنا. لأني لا اعرف ان كان ما ينتظرنا تأجيل انتخابات ام الغاؤها؟ 

فاذا ما انتهينا من التأكيد ان ما يجب ان يحصل هو تأجيل انتخابات لا الغاء انتخابات، علينا ان نطالب ونتأكد من ان هذا التأجيل مربوط بسقف زمني محدد ومعلوم. وهذه فرصة استثنائية امامنا، كالفرصة التي سنحت بإعلان موعد الانتخابات بعد خمسة عشر عاماً من توقفها. 

ولكن، تأجيل الانتخابات في زمن محدد ومعلوم وربطه بالقدس، يؤكد ان هذا الزمن لن يتحدد ولن يكون ضمن المعلوم. 

فربط الانتخابات بالقدس، مرتبط بمطالبة السلطة الاحتلال الإسرائيلي بالموافقة على اجراء الانتخابات في القدس. وكأن العقدة توضع عن عمد وإصرار في المنشار. 

من جهة، إسرائيل ليست صاحب كلمة بموضوع اجراء الانتخابات في القدس أو في غيرها. فالتفاهمات بين السلطة وإسرائيل لا تنص على هذا، ولا تنص على ضرورة موافقة إسرائيل المسبقة. 

اما استباق السلطة لما ستقوم به إسرائيل من تعطيل، فهو اشبه “بالتلكك”. فليس مصادفة ان لا تعلق إسرائيل على هذا الامر حتى هذه اللحظة. فإسرائيل تتقن فن احراج هذه السلطة، كما تتقن دورها كاحتلال. فما من شك ان إسرائيل ستقوم بكل ما يمكنها القيام به من تعطيل وتنكيل وربما كذلك محاولات منع وتهديد وايحاءات مبطنة لكيلا يشارك اهل القدس في الانتخابات. والامر لا يقتصر على القدس، إسرائيل ستحاول التأكد ان الانتخابات يجب الا تحسم لما لا يتوافق مع مصالحها. 

ومع هذا، فإنها تتصرف وسط الغوغاء الفلسطينية في فراغ الحكمة السيادية كمن له اليد العليا في القرارات الفلسطينية. 

المشكلة ليست في إسرائيل فقط، ولا في السلطة فقط. ولكن هناك مسؤولية تطال الوعي الشعبي الذي انساق نحو لا انتخابات بدون القدس. 

شعار قد يعني ان لا انتخابات ابدا. 

شعار يعني هذا فقط. 

لأنه مرة أخرى، إذا ما كانت الانتخابات في القدس تحت رحمة موافقة إسرائيل عليها، فإنها لن تحدث. 

حتى لو قررت إسرائيل احراج السلطة والاعلان ان لا مانع لديها من هذا، والذي سيشكل برأيي صفعة أكبر للسيادة الفلسطينية التي تعتمد في ابسط مقوماتها على موافقة إسرائيل، فان تصريح الرئيس محمود عباس الأخير بشأن الانتخابات في القدس، يجعل من الامر مستحيلا، لأنه يشترط كذلك مشاركة ” القدس الشرقية ترشحا ودعاية وانتخابا.” 

لا اعرف ان كان الرئيس الفلسطيني على دراية والمام بان إسرائيل تمنع أي مظاهر للسيادة الفلسطينية على القدس منذ أعوام طويلة. مثلا، محافظ القدس ووزير القدس واي احتفال او أمسية تقدم بالقدس بطريقة تحمل طابع السلطة الفلسطينية يتم اغلاقها وفضها واستجواب واعتقال صاحبها. يعني، هذه المسألة يتم التعامل معها منذ سنوات كمبدأ القط والفأر. إسرائيل هي صاحبة السيادة الفعلية على القدس عندما يتعلق الامر باي حركة، وقوانينها “مسننة” كحد سكين جزار لتقطع فيه أي وصال للمدينة من السيادة الفلسطينية عليها. 

والسلطة حدث ولا حرج، فعلاقتها مع القدس شكلية في صلبها، تستخدم للشعارات الدائمة لأي دعاية او ترويج، وها نحن امام أحدها.

فسكوت السلطة عن تهويد واسرلة المدينة على مدار السنوات واضح للعيان. اهل المدينة متروكون بين مطرقة الاحتلال وسنديان السلطة المرتخي. مطرقة لا تكف عن التهشيم والتهميش والتهديد كلما أمكن وسنحت الفرصة. 

فما الغريب في موقف بديهي لإسرائيل عما ستقوم به بالانتخابات؟ 

الغريب سيكون إذا لم تتصرف إسرائيل وفق طابعها البديهي… تصرف دولة احتلال! 

مرة أخرى أقف عاجزة امام التفكير بما يجري بداخل أروقة التفكير عند أصحاب السلطة! 

تأكيد الرئيس على: ” اننا نجري اتصالات مكثفة مع العديد من الدول، وتحديدا الأمم المتحدة والولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الأوروبي من اجل الضغط على الحكومة الإسرائيلية للالتزام بالاتفاقيات الموقعة بيننا فيما يخص العملية الانتخابية، وتحديدا بان تكون الترشيحات والدعاية والانتخابات داخل المدينة المقدسة، ولغاية الان لم يصلنا أي رد من الجانب الإسرائيلي حول ذلك.” 

بصراحة، لا اعرف كيف تقيم الجهات الانفة الذكر أعلاه ما جاء على لسان الرئيس الفلسطيني؟ هل تتأكد تلك الجهات انها امام رئيس ضعيف لا حول له ولا قوة ينتظر الضوء الأخضر من محتله؟ 

ام انها بالفعل تذهب معه نحو استجداء إسرائيل بالسماح بإجراء الانتخابات بلا تعطيل؟ ولا ضير من “تطنيش” بعض الاعلام هنا وبعض الصور هناك، وبعض اللقاءات الرسمية للمرشحين، من اجل حفظ ماء الوجه في مطالب الرئيس الفلسطيني! 

لو كانت هناك جدية بإجراء الانتخابات، لكانت القدس محور اجراء تلك الانتخابات لا تأجيلها، 

لكانت الانتخابات فرصة لتأكيد ان إسرائيل لن تسمح (ربما) وستعطل وعليه نفتح رحى معركتنا من اجل التحرر من الاحتلال من جديد. 

ربما نستطيع بهذا ان نضع اصبعنا في عين أمريكا التي مررت نقل السفارة الامريكية الى القدس والتلويح بأن هذا القرار كان كارثيا. 

ربما نستطيع ان نطالب العالم من حولنا بعدها بالتدخل لحمايتنا. 

ربما يرى العالم معنى العيش تحت احتلال يكشر عن انيابه، فيرى وجه الاحتلال الحقيقي. 

لكانت القدس بالفعل منطقة الاشتباك لو كان اتخذ قرار خوض الانتخابات في القدس على الرغم من انف الاحتلال. 

ولكن…. 

بينما نعرف جميعنا، ان القدس حجة للتأجيل يسهل التلويح بها واشعال مشاعر الناس نحوها، نترك جانبا ان الانتخابات هي المخرج لنا امام ضيق الأفق السياسي، ونلتهي بالاشتباك المؤقت مع الاحتلال، فتكسب السلطة وقتا بتكريس وجودها غير الشرعي، وتكسب إسرائيل أكثر بتنفيذ خططتها الدائمة بترحيل وتنكيل وتعجيز وتصعيب لحياة الفلسطينيين. 

ضرورة تأجيل الانتخابات لما ينتظر الشعب الفلسطيني من انفلات قد يكون من الصعب السيطرة عليه، يلوح بالتأكيد الى حرب أهلية. فإمكانية عدم حسم أي من المتزاحمين على مقاعد السيطرة السلطوية، تهديد بلا معلوم قاتم، في ظل ما نعيشه يوميا من غياب للقانون وتفرد اركانه وتشريعاته بالرئيس وفراغ سيادة وتفشي فساد في كل مرافق الحياة، صارت فيها “الطوش” والتهديد والقتل والتخريب من يوميات المواطن الفلسطيني في كل مكان.

ولكن، يجب ان يكون التوافق على التأجيل بسبب عدم الاستعداد الواضح، فمرة أخرى، لا يمكن اجراء انتخابات بعد انقطاع لخمسة عشر عاما بلا إعداد حقيقي، يبدأ برأب صدع التفكك الفلسطيني، بتشكيل حكومة وحدة محددة الأهداف والسقف الزمني من اجل الاعداد للانتخابات. 

نحن نحتاج الى انتخابات توحدنا وتجمعنا وتلملم شتاتنا، لا انتخابات من اجل اقتسام الانقسام والاستحواذ على فرصة باقتسام السلطة والتسلط على الشعب.   

والتحجج بالقدس ليس الا عذرا اقبح من ذنب…