2024-11-25 04:39 م

خيارات حركة فتح الصعبة بعد أبو مازن

2021-04-19
أحمد فوزي سالم

تمر حركة فتح والسلطة الفلسطينية بأزمات مفصلية تاريخية: تراجع سياسي مهين، وتضاؤل غير مسبوق في الموارد المالية، وتصاعد الصراع على السلطة، وملف التطبيع الذي فرض نفسه مؤخرًا على الواقع العربي وقوّض جهود الحل على أسُس عادلة من أطرافه الشرعيين بالمنطقة، نهايةً بتقدُّم عمر الرئيس محمود عباس -85 عامًا-.

كل هذه الخطوط الفاصلة تطرح أسئلة لا نهاية لها، لكن أخطر سؤال تفشل الحركة نفسها في البحث عن إجابته قبل فوات الأوان: كيف يمكن إجراء انتقال سريع للسلطة ‏يمنع انهيارها حال وفاة الرئيس، حتى لا تفقد الحركة ما تبقى لديها من شرعية باتت تتضاءل يومًا بعد الآخر؟

أين فتح الآن؟ 
ترك الزمن آثاره على منظمة التحرير الفلسطينية، فأصبحت تعاني بشدة، وانعكست مشاكلها الداخلية على الانحدار غير المسبوق في الدعم العربي لها، لدرجة أن بعض الدول أصبحت على استعداد تام للتخلي عنها ودعم سعي "إسرائيل" لإعلان قيامها من جانب واحد، وإنهاء كل ما يتعلق بفلسطين المحتلة من الوجود.

تترك العودة إلى التاريخ قناعة أن حركة فتح كانت دائمًا أضعف من استيعاب تحديات كل مرحلة بتجلياتها السياسية والاجتماعية. حدث ذلك في استقبالها لاتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية، مرورًا بطرد قادة منظمة التحرير من لبنان فيما عُرف بحصار بيروت عام 1982، والحرب الإيرانية العراقية، والحرب الباردة، وحتى الأزمة الخليجية وانحياز فتح إلى احتلال الكويت، نهاية بخروج النخب العربية القديمة من الحكم مع فوران ثورات الربيع العربي. 

هشاشة المنظومة دفعت الرئيس أبو مازن نفسه إلى الاستقالة بشكل مفاجئ من رئاسة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وهي أعلى هيئة قيادية في منظمة التحرير الفلسطينية، وخرج معه أكثر من نصف أعضاء اللجنة، وأحدثت الاستقالات فراغًا قانونيًّا، الأمر الذي تطلّب دعوة المجلس الوطني الفلسطيني للانعقاد -لم ينعقد منذ عام 1996- لانتخاب قيادة جديدة للجنة التنفيذية .

كان لافتًا أن استقالة الرئيس جاءت بعد أسابيع قليلة من إعفائه ياسر عبد ربه من منصبه كأمين سر للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وهو المنصب نفسه الذي شغله أبو مازن وأهّله بعد ذلك ليصبح رئيسًا للسلطة الفلسطينية، وعيّن بدلًا منه صائب عريقات -توفى مؤخرًا- لتأمين السلطة من المناوئين للرئيس داخل الحركة وخارجها، لا سيما محمد دحلان الخصم الأخطر لعباس والمدعوم من عواصم خليجية وأجنبية وبعض القيادات الفتحاوية المعارضة لأبو مازن.

ومعروف أن دحلان من أقوى كوادر حركة فتح في كيفية جلب وتوظيف المال السياسي، كما أن لديه شبكة اتصالات إقليمية دولية كبرى قادرة على منافسة أبو مازن، ولهذا يتبارى الطرفان في معركة كسر العظام، لكن الرئيس نجح في حسم الجولة الأولى لصالحه وطرد دحلان من الحركة في يونيو/ حزيران 2011.

تشتعل حتى الآن حمية الصراع بينهما، دحلان يتهم الرئيس ورجاله بالفساد السياسي والمالي، وأبو مازن يتهمه بالاتهامات نفسها، وزاد عليها بأوراق جديدة منها العمالة لـ"إسرائيل"، بل ألمح علانية عن مسؤولية دحلان عن اغتيال الرئيس السابق ياسر عرفات، كما شنّ حملة استئصال غير مسبوقة للشبكات الداعمة لخصمه في الضفة الغربية.

خطوة أبو مازن رغم نجاحها في تقويض فرص دحلان في المنافسة، إلا أنها زادت من شراسة مراكز القوى داخل الحركة، الأمر الذي طرح الثقة في قدرة منظمة التحرير والسلطة على تجديد بنائهما الداخلي في ظل الصراع على خلافة الرئيس الثمانيني حال غيابه بصورة مفاجئة، وعدم وضوح الإجراءات القانونية لإجراء انتقال سلس للسلطة، وتعطل المجلس التشريعي، وعدم وجود إجماع على أي مرشح محتمل داخل الحركة. 

الصراع الداخلي بين بارونات فتح، أدى أيضًا إلى تقليص الدعم المادي والسياسي للحركة، خاصة من دول الخليج المعنية بالتطبيع حاليًّا، والتي لا تثق في السلطة، وتعتبرها ليست أكثر من خزينة عامة تريد حلب أموالها لتنفقها على عشرات الآلاف من موظفيها، ولا شيء أكثر من ذلك.

يبرهن الحلف الخليجي المناصر للتطبيع على فشل السلطة في بناء بنية تحتية مؤسسية، وحوكمة مناسبة للدولة الفلسطينية، تستطيع من خلالها ترتيب شواغل الحكم واستئصال الفوضى والفساد.

وصل العداء الخليجي إلى حد إضافة «كاف مستحدثة» من عدد لا يستهان به من النخب والكتّاب ونشطاء التواصل الاجتماعي، وإطلاق وصف الكضية الفلسطينية للإساءة للموقف الفلسطيني الذي يبرِّر تصالح السلطة الفلسطينية مع "إسرائيل"، وينكر في الوقت نفسه على من يريد التطبيع من غير الفلسطينيين.

بخلاف الوضع الداخلي، جاءت رياح الربيع العربي في المنطقة لتدفع بالقضية الفلسطينية للتراجع إلى أسفل جدول الأعمال على مستوى البلدان العربية -مع استثناءات قليلة-، لا سيما بعد هرولة بعض الدول إلى التطبيع الواضح والعلني والشعبي مع "إسرائيل"، على أمل إيجاد حل لأزماتها الداخلية، أو دعم البعض في زيادة نفوذه بالمنطقة على حساب دول كبرى ما زالت متمكسة بالخيارات القديمة للقضية، وعدم التسليم بتصفية الملف الفلسطيني للأبد.  

الحراك الأيديولوجي
كانت حركة فتح الشريان الرئيسي للحركة الوطنية الفلسطينية منذ ستينيات القرن الماضي، إلا أن قدرتها التنظيمية والأيديولوجية كحركة شعبية ضعفت إلى حد كبير مع صعود المعارضة الإسلامية، التي اتخذت من العداء المطلق لـ"إسرائيل" شعارًا لها، وقد ساعد المعارضة المد الإسلامي وصعود نجم التيارات الدينية منذ أوائل السبعينيات. 

لكن ما ضاعف أيضًا من صعوبة ضخّ أجيال جديدة في حركة فتح، الصراع الذي دار بين القيادة التاريخية للتنظيم، وقادة جيل الوسط