عمران سلمان
في الآونة الأخيرة كان ثمة تقارير تتحدث عن قيام عسكريين وفنيين إسرائيليين بتركيب معدات القبة الحديدية في السعودية لحمايتها من صواريخ الحوثيين، وذلك بالتنسيق والتعاون مع القوات الأميركية.
لا يوجد حتى الآن ما يؤكد هذه التقارير أو ينفيها، لكنها إن صحت لن تكون مستغربة، بالنظر إلى السياق العام الذي تجري فيه، والذي يشير بوضوح إلى اتجاه السعودية إلى إقامة علاقات رسمية مع إسرائيل.
وكان لافتا أن إشارتين صدرتا في الأيام القليلة الماضية من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو ثم وزيره لشؤون الاستخبارات إيلي كوهين، تم فيهما الحديث عن تقديرات بقرب انضمام كل من السعودية وقطر وسلطنة عمان والنيجر إلى "اتفاقات إبراهيم".
هنا أيضا قد يفهم الأمر على أنه محاولة من نتانياهو وحزبه للتأثير في الانتخابات الإسرائيلية، عبر إقناع الناخبين بقدرته على تحقيق السلام بين العرب والإسرائيليين.
لكن هذا أيضا يأتي في نفس السياق الذي تحدثنا عنه، وليس منفصلا عنه. فالإمارات والبحرين لم تكونا لتوقعان على إقامة علاقات مع إسرائيل من دون التشاور وأخذ موافقة السعودية، أو على الأقل عدم اعتراضها. كما أن الأخيرة وافقت على فتح مجالها الجوي أمام الطائرات الإسرائيلية المدنية التي تقوم برحلات إلى الخليج، في خطوة غير مسبوقة.
بعبارة أخرى، فإن جميع المؤشرات تدل على أن إقامة علاقات بين إسرائيل والسعودية يبدو أنها باتت مسألة وقت ليس أكثر، أما المبدأ نفسه فلا يوجد خلاف كبير عليه.
مسألة التوقيت هنا قد تكون مرتبطة بعدة عوامل. بعضها داخلي وبعضها ينتظر الظروف المناسبة في المنطقة، وبعضها يتعلق بالوضع في إسرائيل وما إذا كان يمكن أن يترافق قرار كهذا بخطوة تقدم عليها الحكومة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين.
لكن مبدأ إقامة العلاقات باعتقادي حددته سلفا التحولات الاستراتيجية التي تمر بها المنطقة. وهذه التحولات يمكن إيجازها في بعض النقاط.
إن الولايات المتحدة لم تعد مهتمة بالشرق الأوسط على النحو الذي كان سائدا في العقود الماضية. فهناك اتجاه أميركي متزايد لتقليص الوجود وكذلك الانخراط في النشاطات العسكرية. الالتزام الأميركي بالدفاع عن الحلفاء في المنطقة لا زال قائما، لكن هذا الدفاع محصور في الهجوم الذي يهدد وحدة وسيادة هذه الدول، كما حدث في الغزو العراقي للكويت، أما مواجهة النشاطات المزعزعة للاستقرار فعلى دول المنطقة ألا تأمل بأكثر من عبارات الشجب والإدانة والتعبير عن القلق.
ادخال مسائل حقوق الإنسان والديمقراطية والمحاسبة وما إلى ذلك، في صلب العلاقات الأميركية السعودية والخليجية، هو عنصر جديد يفتح ثغرة كبيرة في هذا التحالف لن يكون من السهل ردمها. ومع أن هذا الأمر ينسجم مع دعوة واشنطن لشركائها في المنطقة لتحسين سلوكهم الداخلي، فإنه يعني أن دول الخليج لن تجد في إدارة بايدن الدعم أو التفهم الذي اعتادت أن تجده في الإدارات الأميركية المتعاقبة عندما يتعلق الأمر بسياساتها الداخلية.
لا يمكن للسعودية أو دول الخليج أن تواجه المحور الإيراني بمفردها، والفراغ الذي سوف يتركه الغياب الأميركي، يتعين ملئه إما بتحالفات دولية أو إقليمية، أو بهما معا. لكن في مسائل السلاح والتكنولوجيا من الصعب على السعودية أو دول الخليج التعويل على روسيا أو الصين. ليس فقط بسبب الفارق في النوعية وكفاءة السلاح وصعوبة إدخاله في منظومة التسلح الخليجية القائمة على التكنولوجية الغربية منذ عقود طويلة، ولكن أيضا بسبب وجود القواعد والاتفاقيات العسكرية بين هذه الدول والولايات المتحدة.
اللجوء إلى خيار التحالف الإقليمي وإدخال إسرائيل فيه، يحل هذه المشاكل أو على الأقل يخفف منها إلى حد كبير. فهو سوف يظهر أن دول الخليج جادة في الاعتماد على نفسها من جهة، ومن جهة أخرى سوف يوفر للولايات المتحدة بدائل مناسبة ويعفيها من التدخل النشط والمباشر في الأزمات الناشئة.
يضاف إلى ذلك حقيقة أن دولتين من دول مجلس التعاون (الإمارات والبحرين) قد أقامتا علاقات رسمية مع إسرائيل، ما يجعل المجلس بصورة أو بأخرى طرفا في هذه العلاقات، وإذا قررت دول الخليج إعادة العافية من جديد إلى مجلس التعاون والمضي قدما فيما اتفق عليه في قمة العلا بشأن المصالحة الخليجية، فالمؤكد أن ذلك سوف يخلق ديناميكية جديدة تدفع باقي هذه الدول إلى السير على خطا الإمارات والبحرين.
بعبارة أخرى، فإن توقيت الخطوة السعودية في إقامة العلاقات مع إسرائيل لا يبدو هو المهم، من زاوية التحليل الموضوعي، وإنما السياق الإقليمي العام الذي يبدو أنه يأخذنا إلى هذا الاتجاه شيئا فشيئا.
(الحرة)