تنعقد الجمعية العامة ومؤتمر حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا في 24 آذار الحالي، وهو حدث رئيسي في ما يتعلق بمستقبل الرئيس رجب طيب أردوغان السياسي في ظلّ تحالفه مع حزب الحركة القومية الذي عقد مؤتمره في 18 آذار برئاسة دولت بهجلي.
يبدو أنّ الرجلين اتفقا على التوقيت وعلى البرامج التي ستطرح من أجل رسم السياسات المفترض مناقشتها كقانون الانتخابات، أو قانون الأحزاب السياسية، أو النقاش حول دستور جديد. قام أردوغان بإعادة هيكلة حزبه العدالة والتنمية في 2014، لكنه اليوم ورغم جائحة كورونا يسرّع في انتخابات مجالس المقاطعات والمقاطعات.
في الخطاب الطائفي والمعادي لحقوق المرأة داخل الحزب بدأ بإبعاد العلمانيين اليمينيين والليبراليين الوسطيين عن الحزب على حدّ سواء. أما تغيير قانون الانتخابات الذي يحاول أردوغان إقناع بهجلي به ويتلخص بتخفيض عتبة الانتخابات إلى 7 في المائة من نسبة 10 في المائة الحالية فهو يرمي الى حصول حزب الشعوب الديمقراطي وحزب الجيد على عدد أقلّ من الأصوات، مما يزيد التوقعات بمزيد من الأصوات لحزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية. سيوافق حزب الحركة القومية على التعديل فيما يحتاج حزب العدالة والتنمية إلى مثل هذا التغيير من أجل منع حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي من الفوز بمزيد من المقاعد في البرلمان. وكلّ ذلك في محاولة لحماية نظام التصويت بنسبة 50% + 1.
ذهب زعيم الحركة القومية دولت بهجلي الى مؤتمر حزبه في 18 آذار بعد يوم من إقالة أحد نواب حزب الشعوب الديمقراطي عمر فاروق غيرغيرلي أوغلو المشهور بتقديم قضايا حقوق الإنسان من البرلمان، أيّ في 17 آذار/ مارس، ورفع المدعي العام لمحكمة الاستئناف العليا دعوى قضائية لإغلاق حزب الشعوب الديمقراطي الذي يركز على المشاكل الكردية. دولت بهجلي حليف أردوغان في الانتخابات وشريكه الفعلي في الحكومة، كان يطالب بإغلاق حزب الشعوب الديمقراطي مدّعياً أنه الوجه القانوني لحزب العمال الكردستاني.
لائحة الاتهام التي أرسلت إلى المحكمة الدستورية تضمّنت ادّعاء بأنّ حزب الشعوب الديمقراطي «يهدف إلى تدمير وحدة الدولة والقضاء عليها»، جاءت قضية إغلاق حزب الشعوب كمحاولة إخراج ثالث أكبر حزب في البرلمان التركي من السياسة بطرق غير سياسية. في الوقت نفسه، ألقى ذلك بظلاله على وعود أردوغان الإصلاحية للأطراف المحلية والدولية بعد حزمة القوانين والديمقراطية التي أعلنها حتى عنوان خطة عمل حقوق الإنسان في 2 اذار، وكان قد أشار إلى علاقته بأوروبا والغرب الذين طالبوه بتحسين جودة الديمقراطية، تلقى الثناء بانتظار الخطوات الملموسة بعدما كان قد أعرب عن نيته إصلاح الفجوة في القضاء، في ما يتعلق بالديمقراطية التعددية وسيادة القانون.
أتت المفاجأة الكبرى في 18 آذار بإزالة العقوبات عن تركيا من جدول أعمال قمة زعماء الاتحاد الأوروبي التي ستعقد يومي 25 و 26 مارس/ آذار. علاوة على ذلك، تواردت الأخبار ان القرار اتخذ بناء على اقتراح الولايات المتحدة. العلاقات كانت قبل أشهر قليلة فقط تتجه نحو جدار مغلق، لكن يبدو انّ الرئيس الأميركي جو بايدن قد حث بروكسل على عدم فرض عقوبات في وقت تبدو فيه تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي والدولة المرشحة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
تمّ توضيح مؤشر «استعداد تركيا لتقديم تنازلات» في الجولة الثانية والستين من المحادثات الاستكشافية مع اليونان التي عقدت في أثينا كعلامة ملموسة على التغيير حيث أتت مؤشرات التغيير كما يلي…
1 ـ اقتراح الأميركيين، والذي كان حقاً مفاجأة للسلطات التركية أنّ محادثات السلام بين الحكومة الأفغانية وطالبان ستعقد في اسطنبول في نيسان/ أبريل، وهو مؤشر على أنّ الولايات المتحدة تريد مواصلة علاقاتها الاستراتيجية مع تركيا في مجالات أخرى حتى يتمّ وقت حلّ مشكلة صواريخ «أس 400».
2 ـ اجرت البحرية الأميركية والتركية والإسبانية تدريبات لحلف شمال الأطلسي في البحر الأسود «ضدّ التهديد الروسي»، واستمرت مهمة دوريات الناتو للولايات المتحدة وتركيا وإسبانيا واليونان في البحر الأبيض المتوسط.
3 ـ من الواضح أنّ إدارة بايدن تعطي الأولوية لتعزيز علاقات التحالف مع أصدقائها وهي مستعدة للتعامل مع أنقرة من خلال عضويتها في الناتو.
4 ـ وجه أردوغان في مقال كتبه في بلومبرغ في 15 آذار/ مارس، قبل يوم واحد من المحادثات الاستكشافية في أثينا دعوة إلى الغرب لدعم جهود تركيا في سورية. وهو بمثابة إظهار النية في عدم التناقض مع الغرب في السياسة السورية بعد الآن.
5 ـ جميع هذه الأمور تظهر مراجعة وتحوّلاً إلى وضع جديد في السياسة الخارجية التركية، بسبب الصعوبات الاقتصادية وتأثير تغيير الإدارة في الولايات المتحدة، حتى المصالحة مع «إسرائيل» قد تتبع ذلك.
يبدو أنّ أردوغان قد مُنح وقتاً للوفاء بوعوده، لأنّ عضوية تركيا في الناتو ذات قيمة لا سيما بعد ان دخلت الولايات المتحدة حقبة من العداء المفتوح مع الصين وروسيا، لذلك حرق الجسور مع تركيا في ظلّ هذه الظروف ليس بالأمر الواقعي.
وهناك ما يشير إلى أنّ الوضع الراهن في سورية سوف لن يتغيّر، ستحافظ أميركا على وحدات حماية الشعب، كقوة برية ولن تتخلى عن ذلك، وهي قبلت بالوجود العسكري التركي في سورية وعملياتها ضدّ حزب العمال الكردستاني في العراق.
المفهوم أنّ الأولوية الاستراتيجية للولايات المتحدة بشأن تركيا هي أن لا تبتعد عن الاتحاد الأوروبي، هذا مهمّ أيضاً لسياسة الولايات المتحدة الخاصة بـ «تعزيز تحالفاتها وهذا الموقف يتعارض بشدة مع قضية الإغلاق المرفوعة ضدّ حزب الشعوب الديمقراطي، وتؤكد للأكراد أنّ الغرب بشقيه الأوروبي والأميركي لا يأبه فعلياً بالديمقراطية وحقوق الإنسان بل هي سياسة تستعمل للضغط على أردوغان حتى يتجاوب.
المصدر/ البناء