2024-11-25 09:37 م

التقارب الدبلوماسي المصري التركي بين المصالحة وتنسيق المصالح

2021-03-15
تتعدد الرسائل التركية والمصرية التي تهدف لإذابة الجليد في العلاقات بين البلدين خلال الآونة الأخيرة، ما دفع البعض إلى ترجيح احتمالية التقارب بين القاهرة وأنقرة بعد أكثر من 8 سنوات من الخصومة جراء الموقف التركي من الانقلاب العسكري على الرئيس المدني الراحل محمد مرسي في 2013.

الخلاف السياسي بين البلدين طيلة السنوات الماضية لم يمنع التواصل على مستويات أخرى، استخباراتية وأمنية بجانب المستوى الاقتصادي، لكنها كانت في إطارها الضيق، غير أن الأجواء خلال الفترة الأخيرة تحديدًا تذهب بالتواصل والتنسيق إلى آفاق أكثر وأعمق في ظل التحديات الإقليمية والدولية التي فرضت نفسها على الساحة الشرق أوسطية.

هناك نقلة نوعية في التصريحات الإيجابية الصادرة عن الجانب التركي تحديدًا، فالأمر لم يعد مجرد تصريحات عابرة من مسؤولين من الدرجة الثالثة أو الرابعة في البلاد، بل تجاوز ذلك إلى أعلى الهرم السياسي، حيث الرئيس رجب طيب أردوغان الذي أعرب عن رغبته في تعزيز التعاون مع مصر على المسارات كافة.

الموقف التركي أثار الكثير من التساؤلات على ألسنة الخبراء والمحللين الذين انبروا لقراءة ما بين السطور واستشراف مآلات تلك التصريحات، وهل من الممكن أن تشهد العلاقة بين البلدين مصالحة شاملة في ظل الملفات الخلافية الكبيرة بينهما أم أن الأمر لا يعدو كونه تنسيقًا من أجل المصالح المشتركة، فرضته المستجدات الأخيرة.

تصريحات إيجابية تركية
التصريحات التركية الإيجابية بشأن القاهرة شملت أردوغان ووزيري الخارجية والدفاع، هذا بجانب مسؤولين بحزب العدالة والتنمية، الأمر الذي يشير إلى توجه رسمي ورغبة حقيقية لفتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين، فعلى لسان الرئيس التركي أمس الجمعة قال: "تعاوننا الاقتصادي والدبلوماسي والاستخباراتي مع مصر متواصل، ولا يوجد أي مشكلة في هذا" ورغم أن التنسيق بين البلدين لم يصل إلى مستوياته العليا لكنه يأمل في ذلك.

تزامنت تلك التصريحات مع إعلان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، بدء اتصالات دبلوماسية بين البلدين من أجل إعادة العلاقات إلى طبيعتها، وعدم طرح البلدين أي شروط مسبقة من أجل ذلك، قائلًا: "بدأنا اتصالاتنا مع مصر على الصعيد الدبلوماسي"، مضيفًا "لدينا اتصالات مع مصر، سواء على مستوى الاستخبارات أم وزارة الخارجية"، معلنًا "الأيام المقبلة ستشهد جولة مباحثات جديدة بين تركيا ومصر على المستويين الاستخباراتي والدبلوماسي".

وزير الخارجية أكد في تصريحاته أنه "لا يوجد أي شرط مسبق، سواء من المصريين أم من قبلنا حاليًّا، لكن ليس من السهل التحرك وكأن شيئًا لم يكن بين ليلة وضحاها، في ظل انقطاع العلاقات لأعوام طويلة"، ولفت إلى أن تركيا ومصر قد تتفاوضان على ترسيم الحدود في شرق البحر المتوسط إن سنحت الظروف.

مضيفًا "يمكننا توقيع اتفاقية مع مصر من خلال التفاوض على المساحات البحرية وفقًا لمسار علاقاتنا"، متابعًا: "تلقينا بإيجابية نشاط مصر في التنقيب ضمن حدودها البحرية في البحر المتوسط وفق احترام حدودنا"، لافتًا إلى أن مصر "احترمت الحدود الجنوبية لجرفنا القاري، حتى بعد توقيع اتفاق مع اليونان ونفذت أنشطتها دون انتهاك حدودنا ونحن نعتبر ذلك خطوةً إيجابيةً".

وقبل أسبوع تقريبًا صرح مستشار رئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، ياسين أقطاي قائلًا: "من يمشي إلينا خطوة نمشي إليه خطوتين"، وذلك تعليقًا على تصريحات المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن لشبكة بلومبرغ، عن انفتاح بلاده على الحوار مع مصر، كما أعاد تلك التصريحات خلال لقاء تليفزيوني له أمس على قناة "مكملين" المعارضة المصرية التي تبث من تركيا.

ترحيب مصري متحفظ
جاء الموقف التركي انعكاسًا للموقف المصري في بعض المواقف التي تشير إلى رغبة القاهرة في تخفيف حدة التوتر مع أنقرة وإن لم يتم التعبير عن ذلك بصورة مباشرة، البداية كانت في 18 من فبراير/شباط، حين طرح الجانب المصري أول مزايدة عالمية للتنقيب عن البترول والغاز الطبيعي واستغلالهما لعام 2021، للتنقيب في خليج السويس والصحراء الغربية وشرق وغرب البحر المتوسط.

المزايدة أخذت بعين الاعتبار حدود الجرف القاري لتركيا، وهو ما ثمنته أنقرة بشكل كبير، كما جاء على لسان المتحدث باسم الرئاسة التركية الذي علق قائلًا: "مصر قلب وعقل العالم العربي، ولديها دور مهم في المنطقة"، وفقًا لما نشرته قناة "TRT عربي".

وأضاف المتحدث أن هذا الموقف يمكن البناء عليه من أجل تخفيف التوتر بين البلدين، مضيفًا "يمكن فتح فصل جديد، ويمكن فتح صفحة جديدة في علاقاتنا مع مصر ودول الخليج الأخرى للمساعدة في السلام والاستقرار الإقليميين"، لافتًا أن بلاده مهتمة بالتحدث مع مصر عن القضايا البحرية في شرق المتوسط، بالإضافة إلى قضايا أخرى في ليبيا وعملية السلام والقضية الفلسطينية.

الموقف ذاته تبناه وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، الذي ثمّن احترام مصر للجرف القاري التركي خلال أنشطتها للتنقيب شرقي المتوسط، لافتًا إلى أن هذا الأمر يعد تطورًا مهمًا يعكس عمق العلاقات بين البلدين، وذلك خلال كلمة له على هامش إشرافه على مناورات "الوطن الأزرق 2021" البحرية التي انطلقت ببحري المتوسط وإيجة في 25 من فبراير/شباط الماضي واختتمت فعاليتها 7 من مارس/آذار الحاليّ.

موقف آخر يراه محللون رغبة مصرية في ترك باب الحوار مع أنقرة "مواربًا" يتعلق باتفاق تعيين الحدود البحرية الموقع بين مصر واليونان، حيث ذهب خبراء إلى أن الجانب المصري عمد خلال الاتفاق إلى وجود ثغرة يمكن من خلالها تعديله مستقبلًا ودخول تركيًا طرفًا فيه.

الخبراء أشاروا إلى أن الاتفاق مع اليونان ليس نهائيًا، وسيتم استكماله لاحقًا، وأن ما أُبرم ليس سوى اتفاق أولي، لكن حين تدخل مصر أو اليونان في مفاوضات مع دول أخرى تشترك مع أحد طرفي الاتفاق في مناطق بحرية ربما يتم إعادة صياغته مرة أخرى وإدخال هذا الطرف، وهي الثغرة التي فسرت أن المقصود بها تركيا.

هذه الثغرة أثارت قلق اليونان بصورة كبيرة، وفق ما أشارت صحيفة "ذا انديكيتور" اليونانية التي كشفت أن أثينا تلقت معلومات بشأن تقارب تركيا مع مصر وأن هذا التقارب من شأنه أن يضر بالمصالح اليونانية مستقبلًا، مضيفة وفق ما نقل موقع "دويتش فيله" فإن المشكلة تكمن في أن الخطوط الرئيسية لإحدى المناطق البحرية في المتوسط