2024-11-25 03:47 م

أنفاق حزب الله التي لم تصلها إسرائيل..

2021-03-14
بعد 13 عامًا على حرب يوليو (تموز) 2006 في لبنان، لم تزل آثارها حاضرة على كافة الأصعدة، سواء كانت خارجية شاهدة على صمود مقاتلي الحزب ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي، أو داخلية إذ دفع الانتصار في «حرب تموز» الحزب ليصبح الفاعل السياسي الأهم في لبنان، وقائده حسن نصر الله ليصبح لاعبًا رئيسًا في نزاعات الشرق الأوسط السابقة والمستقبلية.

في التقرير التالي تجول مُحرر «ساسة بوست» داخل أنفاق حزب الله التي استخدمها مقاتلوه في هذه الحرب، في أحد تلال الجنوب، حاضنة الحزب الشعبية والعسكرية، ويستعيد وقائع هذه الحرب التي أكسبت الحزب شعبية واسعة متجاوزة طائفته الموالية له دينيًا آنذاك.

هُنا «مليتا».. حكاية الأرض للسماء
داخل سيارة أجرة، قطع مُحرر «ساسة بوست» رحلة استغرقت نحو ساعتين بدأت من بيروت وانتهت إلى قرية مليتا البلدة الصغيرة الواقعة على تل في جنوب لبنان، مارة في طريقها بعدد من الحواجز المحاطة بمناطق جبلية وأشجار متدلية غصونها من كُل صوب، ومرتفعات ومنحدرات تهبط بالسيارة من أعلى لأسفل والعكس.

عند مغادرة سائق السيارة بيروت، بدأ في اتباع الخط الساحلي جنوبًا إلى صيدا، ليصعد بعدها فوق مستوى البحر في طرق متعرجة وملتوية ومكونة من مجازين للسيارات، ليمضي سائرًا حتى تظهر أمامه صور «شهداء حرب تموز»، كأحد الأدلة على الوصول لمليتا.



المصدر: ساسه بوستفي القرية الواقعة على تلال شاهقة، لا حديث لزائريها سوى عن استدعاء ذكريات حرب تموز التي شهدت هذه التلال الجانب الأكبر من معاركها بين مقاتلي حزب الله اللبناني والقوات الإسرائيلية، وخلدها الحزب في ذكراها العاشرة بتخليد آثار الحرب في تحويلها لمتحف المقاومة؛ ليظل شاهدًا على آثار الحرب، والغنائم التي حصدها مقاتلوه بعد نصرهم على الاحتلال الإسرائيلي. ذاع صيت القرية عقب حرب تموز، ونالت شهرة واسعة حتى صار اسمها بين زائريها «مليتا.. حكاية السماء للأرض» في دلالة رمزية على النصر، وروح الحرب التي لم تزل حاضرة عند سكانها.

يقطع زائر المتحف تذكرة بسعر رمزي من شباك عند البوابة الرئيسة، ليمر بعدها ببوابات تفتيش إلكتروني يقف عليها شباب منتمون للحزب يشرحون للزائر تقسيمات المتحف الذي يمتد على مساحة تصل لنحو 60 الف متر مربع، ينتقل بعدها لآخرين يرافقونهم في زيارة المباني والأنفاق، شارحين للزائرين بكافة اللغات تواريخ العمليات العسكرية، وتفاصيل العثور على الغنائم من الإسرائيليين.

عند المرور من بوابة المتحف الرئيسة، يستلم الزائر اثنان من مرشدي المتحف المتفاوتة أعمارهم من العشرينات للثلاثينات إلى مسرح مزود بقاعة سينما، تعرض فيلمًا تسجيليًا، يروي «قصة النصر» داخل قاعة سينما، يبدأ بخطاب لحسن نصر الله قبل نشوب الحرب وهو يتوعد ويُهدد، وينتهي بكلماته المتباهية بالنصر الكبير، بينما يتوسط كُل ذلك مشاهد من الحرب والأنفاق.

بعدها تجول مُرشدى المتحف بمُحرر «ساسة بوست» لكافة القاعات، شارحين الكيفية التي تم من خلالها بناء وتصميم المكان، الذي كان موقعًا عسكريًا لحزب الله خلال المواجهات مع الاحتلال الإسرائيلي، وينتمي كافة العاملين داخل المتحف جغرافيًا إلى منطقة الجنوب اللبناني، وهو المعقل الرئيسي لحزب الله، وقد عايش أغلبهم وقائع الحرب عن قرب، في سنوات صباهم، كما تنتمي أغلب عائلاتهم للحزب أيدولوجيًا وفكريًا، ولبعضهم أقارب من ضحايا الحرب، وفقًا لشهادات وأحاديث بعضهم «لساسة بوست».

وقد شكلت هذه الخلفية أحد نقاط التفوق في اختيارهم لهذه المهام الإرشادية داخل المتحف، إلى جانب مؤهلاتهم التعليمية، وإجادة بعضهم لأكثر من لغة، كما يقول واحد منهم، موضحًا أنهم «يتقاضون أجور مالية جيدة نظير هذه المهام كحال أي وظيفة؛ لكن الفارق في هذا العمل أن مؤديه لابد أن يكون شخصًا مرتبطًا وجدانيًا وعاطفيًا ومعتنقًا للخطوط الرئيسة للحزب كي يكون قادرًا على الشرح واستيضاح أي أسئلة استفسارية من جانب الزائرين».

عند مغادرة قاعة المسرح، يقطع السائر خطوات معدودة حتى يجد نفسه في قاعة أخرى تتراص داخلها المضبوطات والغنائم، في دولاب زجاجي، والتي نجح مقاتلو حزب الله في الحصول عليها من قوات الاحتلال الإسرئيلي خلال المعارك.
كما يضم المتحف عدة معارض في الهواء الطلق مثل الهاوية، والمسار، والكهف، وخط النار، وساحة التحرير، وتلة الشهداء، وهي نقاط تمركز لقوات حزب الله شيدوها خلال المواجهات مع قوات الاحتلال الإسرائيلي، وأطلقوا عليها هذه الأسماء لتخليدها.
بحسب أحد مرشدي المتحف، ممن رافق مُحرر« ساسة بوست» في جولته، فقد قام بتصميم المتحف فريق مكون من 55 مهندس لبناني، ومن الطائفتين المسلمة والمسيحية. وقد استغرقت عملية بنائه نحو ثلاث سنوات كاملة من عام 2007 حتى 2010، وهو التاريخ الذي شهد افتتاحه رسميًا.

إلى أنفاق الحزب التي لم تصل لها إسرائيل: هنا مقر العمليات
بعد نهاية الجولات على قاعات المتحف، يتجه المار خطوات عبر سلم متعرج، لتنتهي بالسائر إلى أسفل ببضعة أمتار، مكتشفًا في كُل خطوة غنائم مقاتلي حزب الله من الاحتلال الإسرائيلي.
تشمل هذه الغنائم معدات إسرائيلية مثل بقايا طائرة هليكوبتر، دبابة الميركافا، مدفعية ثقيلة، الخوذات، وغيرها من الأسلحة التي نجح مقاتلو حزب الله في أسرها من جنود الاحتلال.
لا ينتهي المتحف عند المشي لأسفل عبر سلالم متعرجة؛ إذ يجد السائر ممشى خشبي ينتهي به داخل أنفاق سرية تحت الأرض، حيث كانت مقر القيادة والعمل العسكري والتخطيط للحرب. ربطت أحد هذه الانفاق بين الأراضي اللبنانية وإسرائيل لتكون الوسيلة الأكثر فاعلية في هجمات الحزب، حيث استخدمها مقاتلو حزب الله في عملياتهم العسكرية، إلى جانب مركز لقيادة العمليات، وحاضنة لكبار قادته.
وعند مدخل النفق، تنتشر غابة من الأشجار تخفيه كاملًا، مر من خلالها مُحرر «ساسة بوست» ليكتشف عالمًا آخر داخل النفق المُضاء بأضواء باهتة على طول الجدران الجانبية، قبل أن يكتشف داخله غرفة للنوم تضم عدة أسرة، وغرفة للصلاة، ومطبخًا، وغرفة كبيرة تضم أجهزة الاستقبال التي تعمل عن طريق إشارات الراديو.

من بين الغرف التي تنتشر على امتداد النفق، يبرز المكان المخصص لعباس الموسوي، مؤسس حزب الله وأول أمين عام لها، حيث يظهر المكان المخصص له دومًا، ومتعلقاته الشخصية، وسجادة الصلاة التي اعتاد تأدية صلواته عليها، كما يمكن للسائر سماع تسجيل صوتي لموسوي وهو يدعو بالنصر.
وفي غرفة كبيرة مجاورة لغرفة موسوي، ضمت أجهزة الاستقبال التي تعمل عن طريق إشارات الراديو، روى المرشد أهميتها قائلًا: «هنا كان قائدو الحرب يتواصلون مع المقاتلين عبر هذه الأجهزة الإلكترونية التي صممها منتمون للحزب، وينقلون لهم تعليماتهم، سواء بالانسحاب أو التقدم».
ينخفض هذا النفق بعمق 200 متر عن سطح الأرض، ويرسم صورة كاملة لنمط حياة مقاتلي المقاومة، كمكان منامهم، وصلواتهم، وطرق تحضيرهم للوجبات الذائية، وكيف تحولت هذه الأنفاق لسكن ومركز للعمليات لمقاتلي الحزب خلال الحرب مع قوات الاحتلال الاسرائيلي.

عند نهاية الولوج للنفق، الذي تم حفره بأدوات بدائية، وخلال ظروف مناخية صعبة جدًا، يجد الزائر نفسه أمام ساحة تُعرف باسم خط النار، معروض فيها تشكيلة أسلحة استخدمتها المقاومة خلال حرب تموز، منها قاذفات الصواريخ، طائرات بدون طيار.