تونس – تحرك مسؤولون عسكريون أميركيون لأداء زيارات إلى دول في شمال أفريقيا والخليج لاستكشاف واقع الحلفاء في فترة ما بعد سياسة دونالد ترامب، وتعبيد الطريق أمام الرؤية الدبلوماسية للرئيس جو بايدن في المنطقة، وخاصة ضبط مناطق تحرك القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) والقوات المركزية.
ووصل الأربعاء إلى تونس الجنرال كريستوفر كافولي، قائد كل قوات الجيش الأميركي في أوروبا وأفريقيا، واللواء أندرو روهلينج، رئيس فرقة عمل جنوب أوروبا، في خطوة قال مراقبون إنها تؤكد اهتمام إدارة بايدن بترتيب تمركز القوات الأميركية في منطقة إستراتيجية تربط أفريقيا بأوروبا ويمكن الانطلاق منها في المعركة ضد الإرهاب في دول الساحل وجنوب الصحراء.
وكشف كافولي في تصريحات صحافية أن تونس ستستضيف في يونيو المقبل القسم الأكبر من مناورات “الأسد الأفريقي” العسكرية متعددة الجنسيات التي ترعاها الولايات المتحدة سنويا.
وتشمل هذه المناورات تدريبات بحرية وجوية، وتضم عشرة آلاف عسكري من اثنتَيْ عشرة دولة (الولايات المتحدة وبريطانيا وتونس ومصر والمغرب وموريتانيا والسنغال وبلجيكا وكندا وفرنسا وألمانيا وإسبانيا).
وأوضح كافولي أن “المناورات تهدف إلى تقوية التعاون العسكري بين الدول المشاركة، بما يعزز قدراتها على مجابهة النزاعات المحتملة والتهديدات الإرهابية التي تحدق بدول المنطقة”.
وقال إن “تونس شريك مهم جدًّا للولايات المتحدة”، وذلك بعد تصريحات ولقاءات السفير الأميركي في تونس، دونالد بلوم، والتي قال فيها إن بلاده تدعم التجربة التونسية وتعتزم الوقوف إلى جانب تونس على كل المستويات.
وكان لافتا لقاء بلوم برئيس حركة النهضة راشد الغنوشي وبرئيس الحكومة هشام المشيشي، فيما التقى الرئيس قيس سعيد بسفراء الاتحاد الأوروبي الثلاثاء وسط تقارير تفيد بأن تونس ستكون في المرحلة القادمة محورا لتنافس أميركي فرنسي كامتداد للتنافس بين باريس وواشنطن في ليبيا ومنطقة الساحل.
وتقول تقارير أميركية إن إدارة بايدن ستعمل على دعم الانتقال الديمقراطي في تونس ضمن رؤيتها لدعم الديمقراطيةِ وحقوقِ الإنسان في المنطقة ككل.
وتسود الطبقةَ السياسيةَ التونسيةَ مخاوفُ من أن تكون العناوين الحقوقية مدخلا لإعادة تحريك “الربيع العربي” الذي جلب الفوضى الأمنية ومهد لظهور الإرهاب كما دفع إلى الصراعات السياسية والعرقية التي تهدد وحدة الدول.
لكن مراقبين أشاروا إلى أن زيارة كافولي وروهلينج تتجاوز الاهتمام بالشأن التونسي إلى خطط إدارة بايدن لإعادة دراسة وضبط تمركز القوات الأميركية في جنوب أوروبا وفي شمال أفريقيا ومناطق أخرى ضمن رؤية تقوم على مشاركة القوات العسكرية في صناعة الدبلوماسية الجديدة التي توازن بين النفوذ العسكري والأمني والأداء الدبلوماسي لضمان المصالح الأميركية.
واكتسبت العلاقات الأميركية مع تونس والمغرب وبشكل أقل مع الجزائر أهمية متجددة لواشنطن منذ أن أدخل الروس معدات عسكرية متطورة إلى ليبيا العام الماضي، بما في ذلك الطائرات المقاتلة والدفاعات الجوية وأنظمة الرادار، والحصول على مواقع إستراتيجية قرب آبار النفط.
واعتبر بشير الجويني، مساعد سفير تونس في ليبيا سابقا، في تصريح لـ”العرب” أن تونس ستكون بمثابة قاعدة لاقتراب واشنطن من الملف الليبي والمساهمة في حله عبر البعثة الأممية للدعم، مع التركيز على حل أكثر ما يمكن من مشاكل شمال أفريقيا وضمان أنظمة ديمقراطية منتخبة.
وأرسل البنتاغون وحدة تدريب عسكرية متخصصة إلى شمال أفريقيا العام الماضي. وستقوم عناصر من تلك الوحدة، المعروفة باسم لواء مساعدة قوات الأمن، للمرة الأولى بتنسيق تمرين الأسد الأفريقي متعدد الجنسيات هذا العام.
وجاءت زيارة كافولي وروهلينج إلى تونس بعد فترة قصيرة من جولة قام بها كينيث ماكينزي قائد القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم) استطلع فيها خط البحر الأحمر وجنوب الجزيرة العربية ومصر لتحديد رؤية بشأن التحركات الأميركية المستقبلية في العلاقة بالنزاع في اليمن والحصول على مقاربة دقيقة لاحتمالات المواجهة مع إيران.
والتقى ماكينزي الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي. وبعد اللقاء أكد المسؤول الأميركي “الحرص على استمرار وتيرة التنسيق والتشاور مع مصر تجاه قضايا المنطقة”، في إشارة واضحة إلى دور القاهرة الإستراتيجي في الخطط الأميركية بقطع النظر عن الخلافات بشأن تقييم “ملف حقوق الإنسان” أو بخصوص الاعتماد على مصادر سلاح غير أميركي مثل شراء مقاتلات سوخوي 35 الروسية.
وخلال الزيارة التي أداها إلى سلطنة عمان تفقد قائد القيادة العسكرية الأميركية قاعدة خصب الجوية وقاعدة مسندم البحرية.
ودعا ماكينزي إيران إلى الامتناع عن أي استفزاز في الوقت الذي تكثّف فيه واشنطن جهودها لإنقاذ الاتفاق النووي.
وقال “أظن أن هذا وقت مناسب للجميع للتصرف بحيطة وحذر، وترقب ما سيحدث”. وحث الجنرال الأميركي إيران على عدم القيام بأي “أنشطة شائنة”، في محاولة لإعادة بناء الثقة، وقال “أظن أنهم يرغبون في أن يتم الاعتراف بهم كعضو مسؤول وعنصر استقرار في المنطقة”.
لكنه استدرك قائلا “رغم ذلك أظن أننا سنكون مستعدين لأي احتمال”.
ويرى محللون أن زيارة ماكينزي تهدف إلى تجميع المعطيات ووضعها ضمن تحسبات الإدارة الجديدة قبل أن تبدأ بوضع مواقفها من الملفات الإقليمية موضع التنفيذ، وأن الملفات العسكرية ذات الأهمية القصوى لا يمكن فهمها أو قراءتها من خلال التصريحات السياسية الخاصة بموضوع حقوق الإنسان مثلما هو الأمر مع مصر أو السعودية، وإنما من خلال دور هذه الدول في الإستراتيجية الأميركية في مواجهة التحديات الأمنية بما في ذلك ملف إيران ونفوذها المتزايد في البحر الأحمر وتهديدها للوجود الأميركي في العراق.
العرب اللندنية