واقعية جاءت نتائج المسح الذي أجراه مركز “البيت الخليجي للدراسات والنشر” كأول إصدار بحثي متخصص بقياس درجة “المشاركة السياسية” بدول مجلس التعاون، حول تصنيف السعودية كمملكة للقمع والحكم الاستبدادي، وقد حلت الرياض في المرتبة الأخيرة على مستوى المنطقة في مؤشر المشاركة السياسية في ظل حظر التنظيمات السياسية والحريات العامة، ما شكل إدانة جديدة لنظام آل سعود المعروف بدكتاتوريته الشديدة.
لم يأت مسح “البيت الخليجي للدراسات والنشر” بجديد، لكنه أضاف برهانا آخر على طبيعة واقع القمع والحكم الاستبدادي في بلاد الحرمين، التي يسيطر عليها آل سعود، وتشير المعلومات إلى أن السعودية تذيلت الترتيب لتحصل على المرتبة السادسة خليجيا.
وسجلت السعودية تدنيا واضحا في عدة مقاييس من أهمها العلامة “صفر” في مقياس التنظيمات السياسية، ودرجات شديدة الانخفاض في مقاييس الحياة الدستورية، والانتخابات العامة، والشفافية، وحرية الرأي والتعبير، بالإضافة إلى إشكاليات بالغة التعقيد في مختلف هذه المقاييس خاصة فيما يتعلق بالحريات العامة وحرية الرأي والتعبير.
وفي هذا الشأن، عمل على إعداد المؤشر، فريق من الباحثين من داخل دول مجلس التعاون بالإضافة إلى عدد من المتخصصين في دراسة المنطقة العربية في الخليج الفارسي وتحديدا ما يرتبط بالعلوم السياسية والإنسانية، حيث حلت الكويت في المرتبة الأولى بتسجيلها 535 نقطة من 1000 نقطة، تلتها مملكة البحرين في المرتبة الثانية مسجلة 451 نقطة، وأتت سلطنة عمان في المرتبة الثالثة بحصولها على 440 نقطة فيما حلت دولة قطر في المرتبة الرابعة بتسجيلها 405 نقاط، ومن ثم دولة الإمارات في المرتبة الخامسة برصيد 316 نقطة تلتها السعودية في المركز الأخير بتسجيلها 192 نقطة، بحسب مواقع إخبارية.
وتشير نتائج المسح الصادر عن “البيت الخليجي للدراسات والنشر” إلى انخفاض ملحوظ في مستوى المشاركة السياسية وفي قدرة المواطنين في الدول الخليجية، على المشاركة والمساهمة في صنع القرار وصناعة السياسات العامة في دولهم، حيث إن أغلب الدول الخليجية لم تستطع تخطي حاجز النصف في نقاط المؤشر البالغ 500 نقطة، ما يؤكد الحاجة الكبيرة لتلك الدول في لمؤسسات المجتمع المدني، والمساهمة الفعالة في تصحيح هذا الخلل الكارثي.
وحول هذا الموضوع، أبرز المؤشر تسجيل السعودية تدنيا في درجات مقياس الوصول إلى المناصب القيادية والحساسة، جراء التواجد الكثيف لأعضاء الأسر الحاكمة في المناصب العليا، وأشار إلى أن بلاد الحرمين الشريفين تشهد محاكمات قضائية واعتقالات تعسفية ومحاكمات تشوبها عيوب قانونية لعشرات المواطنين في تهم تتعلق بحرية الرأي والتعبير، في الوقت الذي سجلت فيه جميع الدول الخليجية نتائج متواضعة في مقياس حرية الرأي والتعبير مع أفضلية نسبية لدولة الكويت.
حرية التعبير
تحول ما يسمى "الربيع العربي" إلى خريف دام على الكثير من الدول العربية منذ العام 2011، وإلى شتاء طويل وقاس على دعاة التغيير الحقيقي من النشطاء السياسيين ونشطاء حقوق الإنسان في ممالك النفط التي تسيطر عليها بعض العائلات الحاكمة منذ عقود طويلة، بمن فيهم سجناء الرأي، حيث يقضي العشرات إن لم نقل المئات الذين عبروا عن آرائهم سلميا، والذين ناضلوا من أجل حقوق الإنسان الأساسية، فترات سجن طويلة تصل إلى السجن مدى الحياة، في تلك الدول التي ادعت حرصها على الحرية في بعض الدول العربية وأبرزها سوريا واليمن، ودعمت الإرهاب فيها وحولت حياة الناس فيها إلى جحيم، وموت لا يتوقف.
وفي دول مجلس التعاون الخليجي المعروفة باستبدادها، يعتبر المصير الوحيد لمن يعبر عن آرائه هو إقامة دائمة خلف القضبان، لمجرد ممارسة حقهم المشروع في حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع، ما يجعلهم يخسرون سنوات طويلة من حياتهم لمجرد دعوتهم إلى التغيير والإصلاح في دول لا تعرف من الحرية حتى اسمها.
حرية آل سعود
لا يخفى على أحد أن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، قد تفرغ لنشطاء المعارضة، بعد أن تخلص من أبرز منافسيه، من خلال حملات الاعتقالات التي شملت أهم وأبرز الأمراء وكبار المسؤولين في البلاد، بالإضافة إلى مجموعة من الوزراء الحاليين والسابقين وبعض رجال الأعمال، كما وسعت سلطات آل سعود حملة الاعتقالات، لتشمل دعاة وعلماء وسياسيين وتجار, ولم تستثن الأقرباء المنافسين لولي العهد كأبناء عمومته وأبنائهم وأسرهم، ولأن العائلة المالكة في السعودية ترتعب من أدنى انتقاد لها على مواقع التواصل الاجتماعي، لا توفر جهدا في التجسس على حسابات المستخدمين، ومؤخرا نقلت مواقع إخبارية أن نشطاء سعوديين يعتزمون نشر فيلم وثائقي حول تجسس السلطات السعودية على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، واختراق حسابات لمعارضين، وكانت الرياض عبر عملاء لها داخل شركة تويتر، تمكنت من كشف آلاف الحسابات التي تنتقد النظام السعودي وأفرادا في عائلة آل سعود، وهو ما دفع العديد من النشطاء إلى رفع دعاوى ضد الانقلابي محمد بن سلمان، ومسؤولين استخباراتيين في المحاكم الأمريكية.
وبحسب مواقع إخبارية نقلا عن منظمات حقوقية، فإن السلطات السعودية اعتقلت 6 مواطنين كانوا يديرون حسابات عبر تويتر بهويات مخفية، وكشفت النقاب عن أن المستشار السابق في الديوان الملكي السعودي، سعود القحطاني، هدد المعارضين بأن حكومة المملكة لديها طرقها للوصول إلى أصحاب الحسابات الوهمية.
وبناء على ذلك، لم تترك المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، كلمة تنديد إلا واستخدمتها في بياناتها المتعلقة بحقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير في مملكة آل سعود، ومع ذلك تصر سلطات البلاد على الاستمرار بنهج الاعتقالات التعسفية والانتهاكات ضد النشطاء المعارضين ودعاة الإصلاح، وقد ملت المنظمات من كثرة ما انتقدت السلوك القمعي لسلطات محمد بن سلمان ضد المواطنين، فيما أكد ناشطون سعوديون أن الأوامر التي تتلقاها الأجهزة الأمنية تأتي بشكل مباشر من ولي العهد.
وفي هذا الصدد، اعتبرت المنظمات الدولية، أن الاعتقالات داخل السعودية تتم دون التقيد بالإجراءات القانونية والقضائية، ناهيك عن منع المعتقلين من أبسط حقوقهم في العلاج والرعاية الصحية مع غياب كامل لتقديمهم إلى محاكم عادلة، وقد أشارت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، في وقت سابق، إلى أن السلطات السعودية تواصل احتجاز جثامين عشرات المواطنين الذين جرى قتلهم دون محاكمات قضائية أو نفذت في حقهم عمليات إعدام تعسفية، ودعت المنظمة سلطات البلاد إلى الاستجابة لمطالب أسرهم وتسليمهم جثامين أبنائهم بشكل فوري.
إضافة إلى ذلك، دائما ما تشير صفحة "معتقلي الرأي" السعودية، عبر تويتر، أن السلطات السعودية تنفذ حملات اعتقالات واسعة بحق أهالي النشطاء المعارضين في البلاد، مؤكدة أن الأجهزة القمعية التابعة لولي العهد، نفذت عمليات اعتقال ضد أفراد من عائلات الناشطين الذين يقطنون خارج البلاد، وبينت الصفحة أنه تم فصل العديد من الأشخاص من عملهم بسبب صلة القرابة بينهم وبين أولئك الناشطين، موضحة أن بعض الأشخاص الآخرين قد تلقوا تهديدات بالفصل من العمل بشكل قريب، لوجود أقارب لهم خارج المملكة، رغم عدم وجود أية صلة لهم بنشاطات المعارضة.
أكثر من ذلك؛ نشرت وكالة "بلومبيرج"، في وقت سابق، تقريرا مفصلا حول تورط سلطات آل سعود بعمليات الاختراق التي تعرض لها موقع "تويتر"، قبل عدة سنوات، ووصول الأجهزة الأمنية إلى بيانات خصوصية تتعلق بالمواطنين، استخدمتها لاعتقال أشخاص منتقدين لنظامها الحاكم، وعلى هذا الأساس تمكن سعوديان اثنان من موظفي موقع تويتر، من اختراق أكثر من 6000 حساب شخصي، أثناء عملهم التجسسي لصالح محمد بن سلمان.
و تتهم السعودية بمحاولة شراء المواقف الدولية بعد أن أصبحت في السنوات الثلاث الماضية، قبلة فنية وثقافية وترفيهية عالمية، يتوافد عليها نجوم الفن والغناء من مختلف دول العالم، في إطار خطط البلاد للانفتاح على ثقافات العالم بعد عقود من الانغلاق استنادا لتفسيرات دينية ما لبثت المملكة أن تخلت عنها، للتغطية على جرائم الحكومة بحق مواطنيها.
(العالم)