بدأ بناء سد النهضة الإثيوبي على النيل الأزرق بالقرب من الحدود السودانية الإثيوبية في عام 2011. وتقدر تكلفة بناء هذا السد بحوالي 4.6 مليارات دولار. وعند اكتمال عمليات الإنشاء وملء البحيرة خلف السد سيكون أكبر سد كهرومائي في القارة الأفريقية بطاقة توليد تصل إلى 6 آلاف ميغاوات. وتخشى كل من مصر والسودان بشكل كبير من تراجع حصتهما من مياه النيل على ضوء ضخامة المياه اللازمة لتعبئة البحيرة الاصطناعية المتشكلة بمساحة 246 كيلومتراً مربعاً وتصل طاقتها الاستيعابية إلى أكثر من 74 مليار متر مكعب من المياه.
تاريخ أزمة سد النهضة
في عام 2001 أعلنت أثيوبيا عن نيتها إنشاء عدد من المشاريع على أنهارها الدولية وذلك ضمن استراتيجية كشفت عنها الحكومة الإثيوبية آنذاك وبقيت هذه المشاريع على الورق حتى مايو 2010 حينما تم توقيع اتفاقية عنتيبي بين ست دول تشترك بحوض النيل وهي إثيوبيا وأوغندا وكينيا وتنزانيا وراوندا وبوروندي وقوبلت هذه الاتفاقية حينها برفض مصري سوداني بسبب عدم ملاحظة حصتهما في مياه نهر النيل الأزرق.
وفي شهر أغسطس من عام 2010 أعلنت الحكومة الإثيوبية عن موقع بناء سد النهضة في شمال البلاد وقرب الحدود السودانية ودشنت مشروع إنشاء السد في أبريل من العام 2011.
بعد ذلك تحركت دول مصر والسودان وكثفت من اتصالاتها مع الحكومة الاثيوبية واتفقت معها على تشكيل لجنة دولية لدراسة وتقييم الآثار المترتبة على بناء السد.
لم تستطع هذه اللجنة الدولية القيام بعملها بسبب اقتصارها على خبراء من اثيوبيا وتوقفت المفاوضات بين مصر والسودان من جهة والحكومة الإثيوبية من جهة أخرى. وفي عام 2014 عادت الدول الثلاثة الى الاتفاق على عقد اجتماعات مستمرة لتقييم السد و آثاره وأسفرت هذه الاجتماعات عن اجتماع بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس السوداني عمر البشير ورئيس وزراء إثيوبيا هايلي ديسالين وتم الإعلان حينها عن وثيقة "إعلان مبادئ سد النهضة".
في أيار من عام 2016 أعلنت إثيوبيا أنها أكملت 70% من بناء السد واندلع الخلاف بين الدول الثلاث وفشلت كل المحاولات لتهدئة الأمور بين الدول الثلاث حتى اكتوبر من عام 2019 حينما أعلنت الخارجية المصرية عن صدمتها إزاء تصريحات إعلامية منسوبة لرئيس الوزراء آبي أحمد أمام البرلمان الإثيوبي، بأنه "يستطيع حشد الملايين على الحدود، في حالة حدوث حرب ... وأنه لا توجد قوة تستطيع منع بلاده من بناء سد النهضة".
بعد كل هذا الفشل دخلت واشنطن على خط الأزمة وقامت بجمع الأطراف المتنازعة وتوصلت الجهود إلى وثيقة متوازنة وعادلة لكن الطرف الإثيوبي رفض هذه الوثيقة.
وفي هذا السياق أوضح السفير المصري بواشنطن معتز زهران أن "مصر تشترك مع السودان في نهر النيل الذي هو مصدر الحياة لهما، كما أننا نتشارك في الإرث الثقافي والتاريخي والجغرافي والشعبي ونتطلع إلى أن تتمكن السودان من الوقوف على أرض صلبة لمواجهة كل التحديات التي تمر بها".
وحول قضية سد النهضة، أشار زهران خلال مشاركته كضيف في حوار افتراضي بالفيديو مع المجلس الوطني للعلاقات الأمريكية ـ العربية إلى أنها قضية تشترك فيها مصر والسودان وإثيوبيا وتحتاج إلى تعاون الدول الثلاث مع إدراك أمرين مهمين أولهما احتياجات إثيوبيا التنموية من حيث توليد الكهرباء وتعزيز الاقتصاد وثانيهما إدراك التهديد الذي تواجهه السودان ومصر في حالة عدم التوصل إلى اتفاق والاتجاه نحو تحرك منفرد من جانب إثيوبيا.
تبعات بناء سد النهضة على مصر
من المؤكد أنه بعد عمليات بناء السد وملء البحيرة خلف السد سوف تتضرر حصة مصر من المياه والمقدرة 55.5 مليارات متر مكعب إلى 18 مليار متر مكعب تقريباً وهذا سيهدد قرابة 5 ملايين فدان مصري بالبوار وكذلك ستنخفض الطاقة التوليدية للسد العالي في مصر بما قيمته 4500 جيجاوات أي بما يعادل 37% من طاقته الانتاجية.
أما عن الآثار الاجتماعية فإن السد سوف ينشئ ظروفاً غاية في الصعوبة لقطاعات عريضة من السكان الريفيين وخاصة في المناطق المتضررة بنقص الموارد المائية. وهذا بدوره سيؤدي إلى مشاكل خطيرة تتعلق بالهجرة الريفية المتزايدة إلى المدن وارتفاع معدلات البطالة إلى مستويات غير مسبوقة قد تكون سبباً في خلق مشاكل اجتماعية على نطاق واسع) !!.
تمويل سعودي اسرائيلي!
إن السعودية وبشكل واضح تريد من مصر دوراً أكثر تورطاً في سوريا واليمن وفي مواجهة إيران وتريد لمصر دور التابع وليس الدولة المستقلة ذات القرار السيادي الحر، هي لا تريد مصر الدولة الشريك ولكن الدولة المطيعة، وعندما فشلت السعودية في ترويض الدور المصري، وخاصة بعد ثورة 30/6/2013 بدأت في سياسات الابتزاز والخنق الاقتصادي والتي كانت أولى خطواتها وقف مد مصر بالبترول عبر شركة أرامكو للنفط وفق الاتفاقية الرسمية الموقّعة بين البلدين؛ ثم قيام الرياض بتمويل سد النهضة ومشاريعه بـ13 مليار دولار أخطر حلقاتها، ولكن يبدو أن هذه السياسة سوف تنعكس سلباً على السعودية بسبب قصر نظر من يقودها "محمد بن سلمان".
أما إسرائيل، فهي بحكم علاقاتها التاريخية مع الدولة الإثيوبية منذ هيلاسلاسي مروراً بقضية يهود الفلاشا، والأساطير التاريخية التي تحكم هذه العلاقة والتي تقول في بعض بنودها إن الدم اليهودي يسري في عروق (منليك) أول حاكم إثيوبي وإنه ينحدر من نسل النبي سليمان عليه السلام، وتتضافر مع هذه الأسطورة لبناء العلاقات التاريخية مع محاولة تطويق مصر بحزام معادٍ لها من الجنوب لتحقيق مصالح لإسرائيل ومن بينها توصيل المياه إلى النقب ومحاصرة المقاومة وشل فاعلية الدور المصري القومي.
والمعروف أن هذه السدود التي تبنيها إثيوبيا بدأت بدراسات مشتركة بين إثيوبيا والصهاينة والأمريكان خلال الفترة (1958 – 1964) وكان يشرف عليها مركز الاستصلاح التابع للحكومة الأمريكية (USBR) وهذه الدراسات حدّدت 27 موقعاً لبناء السدود ومنها (سدود كارادوبي – سوباكو – مانديا وسد النهضة) إلا أن قوة عبدالناصر والخوف الإثيوبي من ردّة الفعل للجيش والمخابرات المصرية حينذاك أوقف مشروع سد النهضة، والذي يتم الآن إحياؤه بالمال السعودي والدعم الإسرائيلي !.
لذلك يبدو واضحاً أن فشل كل المفاوضات والمحادثات السابقة بين مصر والسودان من جهة وإثيوبيا من جهة أخرى كانت تقف خلفه أيادي المال السعودي والعقلية الاستيطانية الصهيونية التي كانت تقف إلى جانب إثيوبيا في خلف الكواليس وتمدها بالدعم المادي والفكري بهدف الاستمرار في مشروع سد النهضة والضغط على مصر والسودان، وبعد التطبيع السوداني مع الكيان الاسرائيلي يبدو أن مصر بقيت وحيدة في مواجهة هذه العصابة والمطلوب منها الآن هو بناء استراتيجية طويلة النفس متعددة الوسائل لإحباط هذه المخطّطات.
(الوقت الاخباري)