2024-11-27 01:42 م

سوريّة والمنطقة... الى أين؟

2021-01-31
بقلم/ سمير الفزاع
ما بين "سياسية بعقلية أمنية" انتهجها "بومبيو" وزير الخارجية الأمريكي السابق القادم من CIA، و"أمن بعقلية السياسي" الذي سيشرف عليه الدبلوماسي المخضرم "وليم بيرنز" من موقعه الجديد مديراً لـCIA، والخلفيات السياسية-الفكرية-التاريخية... لأبرز عناصر إدارة بايدن، إلى جانب التحولات الكبرى: الجيوبولوتيكيّة والعسكريّة والاقتصاديّة... يُمكن الحديث عن بعض من هذه التحولات، وأشكال تطورها المستقبلية بمقدار معقول من الثقة. أ- حقبة البر: لقرون طويلة، حكمت العالم دول، أحرزت أحياناً "بسهولة" قفزات نحو الامبراطوريات، لأنها امتلكت أقوى الأساطيل الحربية، وعدداً ضخماً من السفن التجارية، وكانت "قادرة" على إنشاء جيوش ضخمة جُلها من البلدان التي تستعمرها... وقد تراكم لدى هذه الدول-الإمبراطوريات خبرات معرفيّة وإداريّة وسياسيّة... هائلة، مثل بريطانيا وفرنسا. فأصبحت مراكز دوليّة تؤثر على بقيّة دول العالم، بلغتها وثقافتها وأزيائها وعملتها وأنظمتها المالية والإداريّة... وكانت قادرة على رسم خرائط الدول في أقاليم العالم المختلفة وفق مصالحها، ومتطلبات نفوذها. لكنّ تطورات وعوامل اقتصادية وتقنية واجتماعية وعسكريّة... أدت إلى تراجع مكانة وأهميّة هذه الدول-الإمبراطوريات البحريّة الطابع، وآخرها امريكا، التي تفردت بقيادة عالمنا المعاصر لعقدين من الزمن على الأقل. سأشير هنا الى ثلاثة عوامل أدت الى تراجع "الحقبة البحريّة" لصالح "الحقبة البريّة": 1-إنتقال مراكز التصنيع والإنتاج و"الإقتصاد الحقيقي" من أمريكا وأوروبا الغربية وحلفائهما بشكل متسارع إلى دول أخرى مثل الصين والهند وروسيا... وأغلب هذه الدول موجودة في الكتلة البريّة الأكبر، أوراسيا. 2-تراجع أهميّة النقل البحري لصالح النقل البريّ (طرق سريعة، قطارات...) وتزايد الإعتماد على الأنابيب في إستجرار الطاقة، العنصر الحيوي للانتاج والتصنيع والحياة... وهذا التحول يفتح الباب واسعاً لاسقاط هيمنة الدولار وسطوة أمريكا من جهة، ويبرز أهمية الدول ذات الموقع الحاكم وتلك المنتجة لطاقة الغد، الغاز، في الصراع القائم والقادم، وخصوصاً دول أواسط آسيا (كازخستان،قرغيزستان،طاجيكستان،أوزباكستان،تركمانستان،أذربيجان) وشرق المتوسط (سورية،اليونان،قبرص،لبنان،فلسطين المحتلة،مصر،ليبيا) من جهة ثانية، ومن هنا يمكن فهم بعض من خلفيات إحياء مفاهيم ومشاريع مثل "أوراسيا" و"طريق الحرير"... و"الإحتكاكات العسكريّة" الأمريكية الصرفة أو عبر أدواتها الصهيونية-التركية في هذين المجالين الحيويين. 3-ظهرت بعض الأسلحة "منخفظة" الكلفة، ولكنها قادرة على تدمير أو شلّ حركة وفاعلية أكبر وأقوى الأساطيل، مثل الصواريخ المضادة للسفن سواء الساحلية أو المحمولة جواً أو بحراً، ونماذج فريدة من الغواصات، والطائرات المسيرة، والقوارب السريعة الانتحارية والتي قد تكون مسيرة أيضاً، وتقنيات الحرب الإلكترونيّة... ما عطل الذراع الأميركية والغربية الطويلة. ب-خيارات واشنطن في الإقليم: 1-قبل عامين تقريباً، تحدثت عن نوايا أمريكية لإنشاء "نيتو شرق المتوسط" ودرع صاروخيّة من دبي الى الناقوره، واليوم بات هذا الأمر واضحاً وقيد التنفيذ. هذا الحلف أكثر من حيوي لحماية مصالح واشنطن وأطماعها، وأداتها الحاسمة لمنع تقويض نفوذها في واحد من أهم الفضاءات الجيوسياسية الدولية المُهدّد بشدة والمؤهِل لقيادة دولية في آن. وسيكون عماده التحالف العسكري-الأمني، ومن ثمّ الربط الإقتصادي-التجاري-السياسي... ومن أولوياته الملحة: *-إنشاء درع صاروخية تحمي حلفاء واشنطن، والكيان الصهيوني بشكل خاص من الخطر الداهم الذي يتجسد بالصواريخ الدقيقة والجوالة والطائرات المسيرة... التي يمتلكها محور المقاومة. *-التحكم بنقاط الوصل بين مكونات محور المقاومة لمنع تكامله، مثل معابر البوكمال والمصنع والعبوديه... ومحاولة إستدراج بعض من مكوناته، وتحديداً في الساحة الفلسطينية، والعين على حماس. *-مشاغلة تلك المكونات بالهموم الإقتصادية والمعيشية والأمنية... وهكذا يكون "منطقيّاً" تشديد الحصار على سورية وتفجير ساحة "الطيران" في بغداد، وتفعيل داعش في سورية والعراق، والغارات الصهيونية على حماة وغزة... لحظة تسلم بايدن الرئاسة الأمريكيّة. 2-بسبب تراجع الدور المحوري للأساطيل البحرية، ستزداد أهميّة القواعد العسكريّة البريّة الموجودة في الجغرافيا الخاضعة للنفوذ الأمريكي في الإقليم أولاً، وانشاء المزيد منها لتحقيق ميزة الإنتشار المناسب ثانياً، وربطها بقيادة مركزية ثالثاً... وبالتالي ستكتسب بعض الدول لموقعها "الحساس" ضمن إستراتيجيّة "التموضع البريّ" أهميّة إستثنائية في هذه المواجهة، مثل: فلسطين المحتلة، الأردن، العراق، تركيا، والشريطين الساحلي المقابل لإيران، والبري من جهة العراق وبلاد الشام في جزيرة العرب... وهذه ثلاثة شواهد يمكن عبرها التدليل على هذا الافتراض: *-اعلن البنتاغون قبل أيام عن تعديلات في مناطق قياداته الموحدة، حيث تم نقل الكيان الصهيوني من منطقة عمليات القيادة الأوروبية للقوات الأمريكية إلى منطقة عمليات القيادة المركزية في الشرق الاوسط، وأشار بيان البنتاغون إلى ان "الانفراج بين "إسرائيل" وجيرانها العرب في أعقاب "الاتفاقات الابراهيمية" وفرَّ فرصة استراتيجية للولايات المتحدة لتوحيد الشركاء الأساسيين في مواجهة الأخطار المشتركة في الشرق الأوسط". *-طلبت القوات الجوية الأمريكية المزيد من طائرات التزود بالوقود من بوينج، حيث طلبت حسب موقع "اسرائيل ديفينس" الصهيوني بـ12 طائرة أخرى من طراز KC-46A للتزود بالوقود من شركة بوينج، وهو النموذج الذي سيتم توفيره للقوات الجوية "الإسرائيلية" في المستقبل. وهذا النوع من الطائرات (طائرات الصهريج) ضروري جداً لتوسيع مسرح العمليات، ومضاعفة شعاع المشاغلة والرد، وتوفير مرونة أكبر في ظل اتساع المواجهة ونقص القواعد، خصوصاً وأن مسألة حماية القواعد الحالية ما زالت مستحيلة حتى اللحظة. *-ما أكده مبعوث اميركا لسورية "جيفري فيلتمان" عندما قال: تركيا و"اسرائيل" تنفذان استراتيجية اميركية في سورية. وفي حوار له مع صحيفة "الشرق الأوسط" يوم الأحد 12/12/2020، قال: ن بلاده تقدم الدعم الضروري "لإسرائيل" في جهودها لمنع تموضع إيران في سورية. وأن "الإسرائيليين" نجحوا بمساعدة منا بمنع إيران إقامة وضع ثانٍ مثل جنوب لبنان في جنوب سورية، ومنع تهديد "إسرائيل" ودول أخرى بنظام صاروخي طويل المدى. وعن إدلب، قال جيفري إنه متأكد أن الجيش السوري لن يعود إلى إدلب بسبب وجود الجيش التركي. لديه حوالي 20، وربما 30 ألفا جندي هناك... لافتاً إلى حصول أنقرة على دعم من امريكا وحلف (الناتو) وأوروبا لوجودها في شمال غربي سورية. أيام فقط من تصريح المسؤول الأميركي ويخرج أردوغان من صلاة الجمعة 25/12/2020، ليقول: إن بلاده ترغب في إقامة علاقات أفضل مع "إسرائيل"، وأن المحادثات على المستوى الاستخباراتي مستمرة بين الجانبين ولم تتوقف، ولكننا نواجه بعض الصعوبات مع شخصيات في أعلى الهرم. 3- وزير الخارجية أنتوني بلينكن وادارة بايدن عموماً، سيعطون أولوية قصوى في السياسة الخارجية لترميم العلاقات مع الاتحاد الأوروبي لمحاصرة موسكو والصين، ولكن "بلينكن" والبنتاغون وقيادة المنطقة الوسطى بقيادة "بيرنز" مديرالـCIA الذي يتقن اللغتين العربية والروسيّة، والحامل لشهادة الدكتوراة من هارفارد عن: المساعدات الاقتصادية ودورها في العلاقات الأمريكية– المصرية، ورئيس الوفد الأمريكي في المفاوضات السريّة مع طهران عام 2013 التي مهدت لتوقيع الاتفاق النووي معها، ونصير دبلوماسيّة "الأبواب الخلفيّة"... سيعملون بكل قوة و"تخفٍ" في الإقليم عبر تلك الأبواب الخلفية، لإنتاج ونسج تحالفات تنتهي بتغييرات جيوسياسية تُعيد "التوازن" للمنطقة بما يحافظ على دور قيادي لأمريكا وحلفائها فيها. ومن أبرز المستهدفين بهذه السياسية: مصر،تركيا،السعودية،العراق،سورية،ايران،اليمن،حزب الله، حماس... وكل منهم حسب موقعه من تحالف واشنطن. ج-ختاماً: ستبقى واشنطن وحلفائها في المنطقة بالرغم من "الجهود الهائلة" التي بذلوها والأثمان الخياليّة التي دفعوها، في مواجهة معضلات بلا حلول "مناسبة" في المدى القريب على الأقل، ومنها: 1-قدرة حلف المقاومة على المقاومة، والإنتشار المتزايد لهذه الثقافة في المنطقة العربية. 2-التهديد المتعاظم للمنظومات الصاروخيّة، والطائرات المسيرة، ومسارات الحرب الإلكترونية... . 3-الإمكانات الضخمة التي لم تتكامل بعد بشكل مثالي لدى حلف المقاومة وداعمية الدوليين والإقليميين. 4-تضارب المصالح بين عناصر تحالف واشنطن، مصر وتركيا والكيان الصهيوني كمعابر محتملة لنقل الطاقة الى أوروبا مثالاً. 5-الشرخ الكبير في اميركا ذاتها، والذي لم تعرف نهاياته ومآلاته بعد. 6-أن هناك قوى دولية عسكرية-سياسية-اقتصادية برزت على المسرح الدولي والإقليمي لا يمكن لواشنطن وحلفائها تجاهلهما أبداً، ما يدفعهما الى أخذ مصالحهم بالحسبان... مهما كان ذلك مرّاً. 6-محدوديّة القدرة العسكريّة لدى حلفاء واشنطن، بل وتآكلها بشكل مرعب، وتعاظم قدرات حلف المقاومة بنفس الوقت. لن أتحدث عن المأزق آل سعود في اليمن، والأمريكي مع ايران، وإنما عن الغارات الصهيونية على سوريّة، وتحديداً الغارة الصهيونيّة-الأميركية-الغربيّة الأخيرة: الإستهدافات كانت في مدينة حماه، لماذا؟!. يقول المنطق، ان إعادة بناء الدفاعات الجويّة السوريّة بشكل فعال يجب أن يبدأ من وسط سوريّة، وليس من غربها أو شمالها حيث "أياد" الأعداء... وقد لمس الأعداء شيء خطير في هذا المجال، فاضطروا للتدخل... وإن كان ما جرى ويجري لن توقفه غارة أو سلسلة غارات. ومع اقتراب اكتمال البناء لن يقتصر الردّ على قذائف وصواريخ الطائرات الصهيو-غربيّة... بل سيطرق الردّ بكل قوة واقتدار باب الحرب الاقليمية الواسعة والمنتظرة.