2024-11-27 04:36 م

اسرائيل وفلسطين .. انتخابات متقاربة في عالمين متعارضين

2021-01-26
خوان كارلوس سانز
ترجمة وتحرير نون بوست

يحتفظ بنيامين نتنياهو في مكتبه بإناء يضع فيه الحقنة التي تلقى بها جرعة من تلقيح كورونا، باعتبار أنه كان أول مواطن يحصل على تلقيح فايزر في إسرائيل "ليكون مثالا يحتذى به". ويبدو أن رئيس الوزراء المحافظ البالغ من العمر 71 سنة واثقٌ من فوزه في الانتخابات التشريعية المزمع عقدها في 23 آذار/ مارس بفضل نجاح حملة التطعيم الهائلة التي أطلقها لتشمل أكثر من تسعة ملايين إسرائيلي.

بعد حلّ المجلس التشريعي بعد الانتخابات الثالثة التي شهدتها إسرائيل في سنة 2019، يأمل نتنياهو من خلال هذه الانتخابات تحصين أكثر من نصف السكان من الوباء بحلول موعد الاقتراع. حتى الآن، حصل ربع المواطنين بالفعل على الجرعة الأولى من اللقاح، وتُظهر استطلاعات الرأي الأخيرة تقدّم حزب الليكود، مع توقع حصوله على أكثر من 25 بالمئة من المقاعد، وهو ضعف عدد نوابه المباشرين في الكنيست.

في الطرف المقابل، لم يكن الرئيس الفلسطيني محمود عباس (البالغ من العمر 85 عامًا) يحظى بمثل هذه الشعبية خلال الأسبوع الماضي عندما وقّع لأول مرة منذ 15 سنة مرسومًا يقضي بإجراء انتخابات تشريعية (المنتظر إجراؤها في 22 أيار/ مايو) وانتخابات رئاسية (31 تموز/ يوليو) في فلسطين. وصلت أول 5000 جرعة من لقاح "سبوتنيك في" الروسي إلى الضفة الغربية يوم الثلاثاء، ومن المنتظر أن تبدأ حملة تحصين نحو 5 ملايين فلسطيني يوم السبت. ولكن عباس فاجأ الفلسطينيين بالدعوة للانتخابات، وذلك على الرغم أن استطلاعات الرأي تتنبأ بانتصار واضح لزعيم حماس إسماعيل هنية، الذي يحكم قطاع غزة بحكم الأمر الواقع.

أظهر استطلاع للرأي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في كانون الأول/ ديسمبر أن ثلاثة من كل أربعة مواطنين يريدون إجراء انتخابات، وأن اثنين من كل ثلاثة يريدون أن ينسحب الرئيس المخضرم من المشهد السياسي الآن. بعد ثلاثة عقود من عدم التمكن من انتخاب قادتهم، وبعد فشل الانتخابات البلدية لسنة 2012 (التي نظمت فقط في الضفة الغربية) وسنة 2016 (التي جرى تعليقها في اللحظة الأخيرة)، تسود الشكوك بين الفلسطينيين حول ما إذا كان ممكنا إجراء الانتخابات.

رغم قرب المكان والزمان، فإن الحديث عن الانتخابات في إسرائيل وفلسطين أشبه بالحديث عن عالمين مختلفين. ويعد وصول الديمقراطي جو بايدن إلى البيت الأبيض القاسم المشترك الوحيد بين الطرفين، حيث من المقرر استئناف مفاوضات السلام بعد سبع سنوات من الجمود. وقد كان استعداد الرئيس الجديد لإعادة تنشيط الحوار الفلسطيني الإسرائيلي الذي ترعاه الولايات المتحدة متوقعا بالفعل.

في الوقت الذي يدعو فيه عباس الفلسطينيين بالتوجه إلى صناديق الاقتراع في لفتة تهدف إلى التودد إلى الرئيس الديمقراطي بايدن، استغل نتنياهو اللحظات الأخيرة لفترة إدارة الجمهوري ترامب لمواصلة توسيع المستوطنات. ويوم الأحد الماضي، وافقت حكومته على خطط بناء نحو 800 منزل في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ سنة 1967 في الضفة الغربية.

ليلة الثلاثاء، قبل ساعات قليلة من تغيير السلطة في واشنطن، حدد نتنياهو موعد طرح مناقصة لنحو 2600 وحدة سكنية في الأراضي المحتلة. وهي رسالة موجهة إلى الإسرائيليين الأكثر تطرفًا في مستوطنات الضفة الغربية، الذين لا يصوتون تقليديًا لحزب لليكود (حزب نتنياهو)، من أجل التخلي عن التصويت لحزب "يامينا" اليميني المتطرف وتعزيز فرصه في الفوز.

حاول نتنياهو دون جدوى إضفاء الشرعية على ما يسمى بـ "المستوطنات العشوائية" التي أنشئت دون إذن صريح من الحكومة الإسرائيلية، ولكن شريكه في الحكومة ووزير الدفاع الوسطي بيني غانتس أوقف أشغال بنائها. ويبدو أن مناخ الانقسام السياسي الذي غذّاه رئيس الوزراء، الذي سيمثل أمام القضاء بتهم فساد واستغلال للنفوذ في الأسابيع المقبلة، يجعل المراقبين السياسيين يتنبأون بأن الانتخابات القادمة قد لا تكون الأخيرة.

في فلسطين، بدأت العقبات السابقة للانتخابات بالفعل في الظهور - بشكل غير مفاجئ - بين الفصائل الفلسطينية المعادية. يوم الإثنين، أعلن رئيس مجلس الوزراء محمد أشتية عن تأجيل اجتماع الأحزاب المقرر هذا الأسبوع في القاهرة بشأن تنظيم الانتخابات إلى شهر شباط/ فبراير. كما دعا إسرائيل إلى تسهيل التصويت لفلسطينيي القدس الشرقية التي ضمتها إلى الأراضي المحتلة منذ 1980. ومن جانبها، تستخدم الحكومة الإسرائيلية حق النقض ضد كل نشاط سياسي فلسطيني في منطقة تعتبرها ذات سيادة حصرية.

تحذر أميرة هاس، محللة الشؤون الفلسطينية من صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، من أن "أسبابًا من قبيل عدم القدرة على التصويت في القدس الشرقية، التي حالت دون إجراء الانتخابات لأكثر من عقد، لم تختف. ويضيف الوباء الآن عقبات جديدة".  يجب الإدلاء بالأصوات شخصيًا في مراكز الاقتراع، في ظل غياب خيار التصويت بالبريد، كما هو الحال في إسرائيل.

تقول هاس: "إذا حصلت حركة فتح (حزب عباس) على نتائج غير مرضية في الانتخابات التشريعية في أيار/ مايو، فقد يكون الوباء ذريعة للرئيس لتأجيل انتخابات تموز/ يوليو الرئاسية". تواجه فتح أيضًا ظهور تيارات منافسة للهيمنة طويلة الأمد للرئيس. ويبدو أن شعبية مروان البرغوثي زعيم الانتفاضة الثانية، المعتقل إلى الأبد في إسرائيل، والزعيم السابق للحزب محمد دحلان - اللذان لديهما عشرات الآلاف من الأتباع في قطاع غزة - تهدد بسلب الأصوات من مرشحي الحزب الحاكم في الضفة الغربية.

خلال مؤتمر عبر الهاتف مع صحفيين أجانب، قال ديمتري ديلياني، المتحدث باسم تيار الإصلاح الديمقراطي الذي ينتمي له دحلان - المنفي في الإمارات العربية المتحدة منذ ما يقرب من عقد من الزمان - إن "فتح تدير البلاد بدكتاتورية". وشدد ديلياني على أن "عباس يخدم إسرائيل من خلال التعاون الأمني، فقط من أجل البقاء في السلطة".

تقسيم المعارضة
يحاول نتنياهو تقسيم المعارضة للفوز مرة أخرى في الانتخابات. في مواجهة تقارب النتائج الذي ميّز الانتخابات التشريعية الثلاث الماضية، حافظت القائمة المشتركة - وهي ائتلاف من الأحزاب العربية تطمح إلى تمثيل الأقلية الإسرائيلية من أصل فلسطيني (التي تشكل 20 بالمئة من السكان)، على استقرار نتائجها بمتوسط 15 نائبًا في الكنيست الذي يضم 120 مقعدًا. وفي الانتخابات الأخيرة (آذار/ مارس 2020)، تجاوز هذا المجتمع نزعته المعتادة المتمثلة في الامتناع عن التصويت بنسبة مشاركة تصل إلى 65.8 بالمئة مقابل 72.5 بالمئة من الناخبين اليهود، وذلك حسب معطيات المعهد الإسرائيلي للديمقراطية.

حسب المحلل السياسي دانيال كوبرفاسر: "يميل جزء من الناخبين العرب الآن إلى التصويت لصالح الأحزاب الصهيونية (...) وحتى نتنياهو نفسه يعترف بذلك اليوم، بعد تهميش هذه الأقلية". بناء على ذلك، نظّم رئيس الوزراء حملة انتخابية في مدن عرب إسرائيل مثل الناصرة، وعقد اجتماعات عبر الفيديو مع عشرين رئيس بلدية من القائمة المشتركة لتقديم خطة لمكافحة الجريمة التي تعاني منها مجتمعاتهم.

في الوقت الذي تكتنف فيه الشكوك الانتخابات الفلسطينية التي دعا إليها عباس بشكل مفاجئ، تتمثل خطة نتنياهو الرئيسية لجذب الناخبين في تطعيم أكبر عدد من الإسرائيليين ضد فيروس كورونا. وبينما يستعد لتحطيم الرقم القياسي العالمي في عدد جرعات التلقيح المخصصة للفرد الواحد، لا يتوانى رئيس الوزراء عن التقليل من شأن بقية الأحزاب المنافسة في الكنيست المجزأ، وتعزيز مكانة حزب الليكود في لفتة مزدوجة غير مسبوقة تتمثل في الحصول على التصويت من الجانب العربي واليميني المتطرف الاستيطاني.

(نون بوست)