2024-11-24 07:55 ص

كامالا هاريس: سمراء تتهيأ لصناعة الحلم الأكبر

2021-01-22
فاطمة حوحو
هي أول أميركية آسيوية، امرأة سمراء تصدرت المشهد السياسي عندما اختارها جو بايدن لتكون نائبته بعد فوزه بالسباق إلى البيت الأبيض، لتدخل التاريخ من بوابته الواسعة، فاتحة بذلك الفرصة لبث روح جديدة في الحياة السياسية بالولايات المتحدة.

المرأة التي أمضت حياتها “تكسر الأسقف الزجاجية”، والتي عملت على “مكافحة الظلم” ووقفت ضد “التمييز العنصري”، أصبحت في 7 تشرين الثاني/نوفمبر 2020 الأميركية الأولى التي تتولى منصب نائب الرئيس، وقد أكدت في حينه: “قد تكون الأولى، لكنها لن تكون الأخيرة”.
كان اختيار جو بايدن لكامالا هاريس مفاجئاً، خلّف نقاشات واسعة بين الديموقراطيين وفي الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي. أكثر ما تمت إثارته هو الحديث عن لونها وأصولها. لم يكن الأمر سهلا بالنسبة إليها كامرأة سليلة زواج اثني مختلط، فالوالدة أسيوية هندية والأب لاتيني جامايكي. لكن مع كامالا، اكتشف الناخبون في الولايات المتحدة، ومعهم باقي العالم، وجها جديدا من النساء الأميركيات.
امرأة فازت بأوصاف: الوحش، الشريرة، غير المحترمة، والراديكالية. هي أوصاف قابلتها هاريس بابتسامة، وساعدتها في الفوز. كيف لا وقد أتت في خضم الحملة الانتخابية الرئاسية، من خصم جريء ومتهور اسمه دونالد ترامب، فلم تنجح شتائمه في إرباك الأميركيين، ولم تمنعهم من منح أصواتهم لامرأة عادية، لها حياتها الخاصة كسائر الناس ومثل كل البشر. كما لم يستطع أن يفشلها سيل الهجمات التي وجهت إليها من وسائل الإعلام المنحازة والعنصرية، التي ركزت على هويتها ولون بشرتها وأصولها العرقية.

ولدت هاريس في 20 كانون الأول/ديسمبر 1964 في أوكلاند، بكاليفورنيا، من أبوين مهاجرين. فوالد كامالا، دونالد هاريس أستاذ في علوم الاقتصاد في جامعة ستانفورد، هاجر من جامايكا في عام 1961 لإكمال دراساته العليا في الاقتصاد في جامعة كاليفورنيا في بركلي. أما والدتها شيامالا غوبالان، فهي عالمة متخصصة بسرطان الثدي وناشطة مدنية، وصلت إلى الولايات المتحدة من مدينة مدراس في ولاية تاميل نادو الهندية عام 1960. وقد أنجبا كامالا عام 1964 في ولاية أوكلاند، وشقيقتها الوحيدة الأصغر، مايا هاريس. وعندما بلغت سن السابعة انفصل الوالدان، لتعيش هاريس في كنف أمها الهندوسية، ما جعلها مرتبطة بالتراث الهندي، إذ زارت الهند مرات عديدة. وأوضحت في حديث لها ان والدتها تبنّت ثقافة السود في أوكلاند، وربت ابنتيها بتلك الثقافة. وفي كتاب سيرتها الذاتية The Truths We Hold، تحدثت هاريس عن تقديرها وثقتها وفخرها بالنساء السود: “أدركت أن أميركا إرث “قاعدة القطرة الواحدة” القديمة، القائلة بأن قطرة دم إفريقية واحدة كافية لتصنيفها على أنها سوداء”.
بعد المدرسة الثانوية، التحقت هاريس بجامعة هوارد، إحدى جامعات HBCU في واشنطن العاصمة، ثم حصلت على درجة القانون من كلية الحقوق في جامعة كاليفورنيا هاستينغز في سان فرانسيسكو وبدأت حياتها المهنية في مكتب المدعي العام في مقاطعة ألاميدا. وفي عام 2003، تم انتخابها كمدع عام لمدينة ومقاطعة سان فرانسيسكو.
كمحامية، بدأت هاريس على الفور في كسر المعتاد. في العام 2010، تم انتخابها كأول أميركية من أصل أفريقي وأول امرأة تشغل منصب المدعي العام في كاليفورنيا. تزوجت من المحامي دوغ إمهوف اليهودي الاصل وأصبحت أماً لولدين من زواجه الأول. هي “مومالا” بفخر.
في عام 2016، تم انتخابها لعضوية مجلس الشيوخ عن ولاية كاليفورنيا، لتصبح ثاني امرأة أميركية من أصل إفريقي يتم انتخابها في مجلس الشيوخ في تاريخ الولايات المتحدة.
أثناء وجودها في مجلس الشيوخ، عملت هاريس في لجنتين قويتين: لجنة الاستخبارات واللجنة القضائية، وتعاملت مع قضايا مهمة، مثل التحقيق في النفوذ الروسي، والتدخل في انتخابات 2016، والتعيينات القضائية في المحكمة العليا. وأصبحت معروفة بأنها محققة حادة وعدوانية يمكنها إثارة غضب الشهود المعارضين.

مارتن لوثر كينغ دائما بيننا

كان على هاريس أن تواجه استهزاء الخطاب اليميني المتطرف، والهجمات العنصرية التي تهدف إلى نزع الطابع الأميركي عنها، مثل تغريدة صدرت بتوقيع دونالد ترامب جونيور تقول: “كامالا هاريس ليست أميركية سوداء. هي نصف هندية ونصف جامايكية. لقد سئمت من الناس الذين يسرقون تاريخنا من الأميركيين السود”، ما يعطي فكرة موجزة عن الثرثرة التي تطفو على سطح النقاش حول هوية الأميركيين السود اليوم، وكيف ظل أحفاد العبودية الأميركيين تحت الاختبار بعد أربعة قرون من العبودية والفصل العنصري، مقارنة بالمهاجرين الجدد الذين قدموا طواعية من إفريقيا ومنطقة البحر الكاريبي.
من جانبها، تقول هاريس، المتزوجة من محامٍ أبيض ثري، إنها درست بجامعة هَوارد، إحدى الجامعات البارزة التي يدرس فيها السود تاريخياً، و”كانت جزءًا من ناد نسائي أسود”. وتروي باعتزاز كيف التقى والداها خلال حركة الحقوق المدنية، وسرَّبا مقطع فيديو لها وهي ترقص على موسيقى كاردي بيانو الأسيوية. وأنها حرصت على إيداع ملف ترشيحها في يوم ذكرى اغتيال مارتن لوثر كينغ.
في لقاء صحافي ردت على سؤال حول هويتها العرقية: “يجب علينا أن نسأل أولاً كيف تتعامل أميركا مع العرق، وماذا يعني أن تكون ثنائي العرق”، وأكدت إنها دائماً كانت منسجمة مع هويتها العرقية، ووصفت نفسها ببساطة بأنها “أميركية”.
وكانت واضحة في وجهة نظرها لما تحدثت لصحيفة “واشنطن بوست” في 2019: “لا يجب على السياسيين أن يتناسبوا مع الصناديق بسبب لون بشرتهم أو خلفيتهم.. أنا ما أنا عليه”.

وحدها تملأ المشهد

تطلعت كامالا إلى دخول البيت الأبيض، عبر إعلان ترشحها لمنصب رئيس الولايات المتحدة في الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2020، حيث سجلت رقماً قياسياً لأكبر عدد من التبرعات التي جمعت في اليوم التالي من إعلان ترشيحها، اذ شارك أكثر من 20 ألف شخص في حفل إطلاق حملتها الرسمية في مسقط رأسها أوكلاند في كاليفورنيا. وكان أن أعلن المرشح بايدن في اب/اغسطس 2010 اختياره لها نائبة للرئاسة، ما هلل له بفرح الرئيس السابق باراك أوباما، حين غرد على “تويتر”: “هذا يوم جيد لبلدنا، والآن دعونا نذهب ونفوز”.
وتحقق الفوز ليلة الثالث من تشرين الثاني/نوفمبر، لتضحك كامالا ملء القلب، وتخاطب بايدن والأميركيين والعالم: “لقد فعلناها”، وتغرد على حسابها في “تويتر”: “هذه الانتخابات أمر يتجاوزني ويتجاوز جو بايدن… إنها تتعلق بروح أمريكا واستعدادنا للقتال من أجلها.. أمامنا الكثير من العمل، هيا بنا نبدأ”.
إنه الفوز التاريخي الذي علقت عليه صحيفة “نيويورك تايمز” في تقرير لها، إن “هاريس صنعت التاريخ لنفسها وبنفسها”.

النساء عمود الديموقراطية

مساء يوم 7 تشرين الثاني/نوفمبر 2020، وقفت هاريس على خشبة المسرح في الهواء الطلق في ويلمنغتون، ديلاوير، وتحدثت مرتدية بذة بيضاء، عن حق الاقتراع إلى حشد من الأميركيين المبتهجين حول العمل الذي قامت به النساء وما زلن يقمن به في الولايات المتحدة: “عندما أتت والدتي إلى هنا من الهند في سن التاسعة عشرة، ربما لم تتخيل هذه اللحظة تماماً، لكنها كانت تؤمن بعمق في أميركا حيث لحظة مثل هذه ممكنة. لذا، أنا أفكر بها وبأجيال النساء – النساء السود. نساء آسيويات وبيض ولاتينيات وأميركيات أصليات عبر تاريخ أمتنا مهّدن الطريق لهذه اللحظة. النساء اللواتي قاتلن وضحّين بالكثير من أجل المساواة والحرية والعدالة للجميع، بما في ذلك النساء السود، اللواتي غالباً ما يتم تجاهلهن، لكنهن في كثير من الأحيان يثبتن أنهن العمود الفقري لديمقراطيتنا… ولكن بينما قد أكون أنا أول امرأة في هذا المنصب، فلن أكون الأخيرة، لأن كل فتاة صغيرة تشاهدنا الليلة ترى أن هذا بلد الاحتمالات. وإلى أطفال بلدنا، أرسل رسالة واضحة: احلم بطموح، وقيادة باقتناع، وانظر إلى نفسك بطريقة قد لا يراك بها الآخرون، لمجرد أنهم لم يروها أبداً قبل”.
عاد الحديث عن سيرة هاريس، أكثر من الحديث عن الرئيس جو بايدن نفسه، حيث ملأت كامالا المشهد، وكتب الكثير حول طبيعة شخصيتها وسر صعودها، وتوقع تقدمها في سلم المناصب السياسية.

العرب في أجندة هاريس

الواضح أن مهام هاريس لن تقتصر على داخل بلادها، بل ستكون بصمتها حاضرة مع بايدن الخبير في السياسة الخارجية، لا سيما وأنه سبق لها، بصفتها عضوا في مجلس الشيوخ، أن أصدرت بياناً في العام 2017 للمطالبة بعمل عسكري أميركي في سوريا، بعد الهجوم الكيميائي المنسوب إلى النظام السوري في مدينة خان شيخون في ريف إدلب. ومما جاء في بيان هاريس المشار إليه: “الرئيس السوري بشار الأسد هاجم المدنيين الأبرياء بشراسة، بمن فيهم عشرات الأطفال الذين ماتوا اختناقاً بالأسلحة الكيميائية. وهذا الهجوم يعزز الحقيقة الواضحة بأن الرئيس الأسد ليس فقط دكتاتوراً لا يرحم، ويعامل شعبه بوحشية، بل إنه مجرم حرب لا يمكن للمجتمع الدولي تجاهله”. كما ساندت الأكراد السوريين مثلها مثل بايدن.
ولا يستبعد آخرون تأثيرات زوجها – المحامي اليهودي المرتبط بديانته وإن كان أقلّ التزاماً – على موقفها من النزاع العربي – الإسرائيلي، فهي تتحد هنا مع سياسة الرئيس بايدن الذي لا يتردد في الفخر بصهيونيته، ودعمها واضح وقوي لإسرائيل، وعلى هذا الأساس، ترى أن الملف النووي الإيراني مقلق، وتصف في تصريحاتها حزب الله بـ”الإرهابي”. كما أنها تؤيّد حلّ الدولتين، لكنها تؤمن بعلاقة قوية بين الولايات المتحدة وإسرائيل.

لا يعرف ما إذا كانت هاريس ستخفف من صلابتها ومواقفها المتشددة، مثل تلك التي تلتزم بها تجاه قضايا الشعوب العادلة، وفي مقدمتها شعوب افريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية والشرق الأوسط، أم ستظل تخفي وراء ابتسامتها العريضة وكاريزميتها ما كان دونالد ترامب يبديه.
قبل أيام، انتشرت صورتها وهي تتصدر غلاف مجلة “فوغ” لشهر شباط/فبراير 2021. هذا السبق الصحفي أثار موجة من الجدل ضد المجلة النسائية العالمية، بسبب إقدام تقنيي “فوغ” بتفتيح لون بشرتها.
اختصارا، نجحت هاريس لتكون أول امرأة في أميركا تتولى منصباً رفيعا كمنصب “نائب الرئيس” بعد انتخابات مثيرة وماراثونية حبست الأنفاس طويلاً، وأطاحت بالرئيس الجمهوري دونالد ترامب. اليوم تتزايد احتمالات وصولها لدخول البيت الأبيض رئيسة، فهي على بعد خطوة أو خطوتين من تحقيق الحلم الأكبر، وقد يحصل ذلك قبل موعد الانتخابات المقبلة، اخذاً في الاعتبار سن بايدن المتقدمة، لتكون أول امرأة تترأس الولايات المتحدة.

* صحافية لبنانية
180post