يحيى دبوق
مع انهيار الائتلاف الحكومي في إسرائيل، بحلّ «الكنيست» والتوجّه إلى انتخابات مبكرة رابعة، ينفتح الباب على تشكّل خريطة سياسية جديدة، عنوانها تراجع الوسط واليسار إلى الهامش، واحتدام المعركة داخل المعسكر اليميني
تنتقل إسرائيل من أزمة داخلية إلى أخرى، من دون توقّف. عامان من الأزمات أثبتا فشل نظامها السياسي وجنوح سياسيّيها نحو تغليب مصالحهم الشخصية على مصلحة كيانهم من دون أيّ مخارج، ما دفع الإسرائيليين إلى انتخابات عامة لـ"الكنيست"، هي الرابعة خلال عامين فقط. فماذا عن تداعيات الأزمة الأخيرة وسيناريوات ما بعدها؟ وأيّ نتائج قد تفضي إليها في ما يتعلّق بسياسيّي إسرائيل وكياناتهم السياسية التي بدأ تشظّيها قبل حلّ "الكنيست"؟ والأهمّ، ما هي تأثيراتها على القرار في تل أبيب، سياسياً وأمنياً، في مرحلة مشبعة بالتحدّيات والتغييرات، إقليمياً ودولياً؟
بدا حتمياً أن يؤول الائتلاف القائم على المصالح الشخصية لأطرافه، وفي المقدّمة حزب "الليكود" برئاسة بنيامين نتنياهو وحزب "أزرق أبيض" برئاسة بني غانتس، إلى السقوط، لكن السؤال كان حول موعد هذا السقوط. تسعة أشهر ثَبت أنها أكثر من كافية لإنهاء الائتلاف، خاصة مع اقتراب موعد التناوب على رئاسة الحكومة، التي لم يكن نتنياهو ليُفرّط بها ويتنازل عنها لغريمه غانتس. وفقاً للقانون، انحلّ "الكنيست" نتيجة الخلاف على إقرار موازنة الدولة، بين واحدة يريدها نتنياهو وتكْفل له إمكانية البقاء رئيساً للحكومة في المرحلة الانتقالية، وبين اثنتين للعامين الحالي والمقبل وفق ما تقتضيه مصلحة غانتس، الذي سيتولّى عندها رئاسة الحكومة. والخلاف هنا لا يتعلّق بطبيعة الحال بالموازنة نفسها، بل بكرسيّ رئاسة الحكومة، التي تنصّل نتنياهو من التزاماته في شأنها بموجب اتفاق التناوب مع غانتس، ودفع إلى حلّ "الكنيست" كي يبقى هو رئيساً للحكومة إلى حين إجراء الانتخابات.
على أيّ حال، سينصبّ التركيز حتى آذار/ مارس المقبل، موعد إجراء الانتخابات، على الحملات الانتخابية، وتحديداً داخل المعسكر اليميني، حيث تجاذُب الشرائح الناخبة بدأ يحتدم من الآن، بل يمكن القول إن المعركة تكاد تكون محصورة عملياً بين اليمين واليمين، فيما معسكر الوسط واليسار يتّجه نحو التمركز على هامش اللعبة السياسية. وتختلف الانتخابات الرابعة عمّا سبقها من استحقاقات، وتحديداً في ما يتعلّق بالمعسكر اليميني، بعد أن عمّق انقساماته الوافد الجديد، القطب "الليكودي" المنشقّ عن حزبه غدعون ساعر، الذي أنشأ حزباً جديداً ينافس "الليكود" ونتنياهو على موقعيهما. احتلّ ساعر، فور انشقاقه، مكانة وازنة في الاستقطاب الحادّ داخل اليمين، ومن المُقدّر أن يجذب شريحة كبيرة من ناخبي الوسط إليه، إضافة إلى شرائح من مريديه من اليمين، الأمر الذي يجعل المعركة الانتخابية المقبلة يمينية بامتياز.
على خلفية ذلك، يمكن تفسير كلام نتنياهو الذي حَدّد وجهة معركته الانتخابية مبكراً، إذ طلب من الشرائح اليمينية على اختلافها التصويت لصالح حزب "الليكود" حصراً، على اعتبار أن هذا التصويت هو الذي سيؤمّن لليمين الابتعاد عن الشَرذمة والتمكّن من تأليف حكومة يمينية لاحقاً أكثر ثباتاً واستمرارية. ويشير كلام نتنياهو إلى أن الرجل لم يعد يولي اهتماماً كبيراً، كما في السابق، لأحزاب الوسط واليسار، وأنه حسم من الآن هوية منافسيه في الاستحقاق المقبل: اليمين المتطرّف الذي يقوده نفتالي بينت، وكذلك ساعر الذي يمثّل تهديداً فعلياً لزعامته. وهو تهديدٌ تدعمه التقديرات المبنيّة على نتائج استطلاعات الرأي، التي تؤكد مكانة ساعر في التنافس المقبل، ليس فقط في عدد المقاعد التي سينالها حزبه الجديد (يكاد يصل إلى ثلاثين)، بل أيضاً في التنافس على التكليف لتأليف الحكومة المقبلة. ووفقاً للاستطلاعات، يوازي ساعر ومؤيّدوه، من حيث عدد المقاعد، ما سيحوزه نتنياهو ومؤيدوه.
في المقابل، بات واضحاً تراجع حزب "أزرق أبيض"، إلى حدّ نيل عدد قليل جدّاً من المقاعد في "الكنيست" المقبل، وربّما أيضاً السقوط الكامل، لينتهي كما بدأ، مع صفر إنجازات. وهو تقدير يفسّر ما ورد من تسريبات عن أن قطبي "أزرق أبيض"، أي بني غانتس وغابي أشكنازي، يميلان إلى اعتزال الشأن السياسي، والخروج من الحلبة. هكذا، يَتأكّد أن "أزرق أبيض" حزب موسمي، لم تقوَ مكوّناته على الصمود طويلاً، ولم يتجاوز كونه مطيّة لنتنياهو كي يستمرّ الأخير في حكمه طوال الأشهر الماضية.
أمّا عن تداعيات حلّ "الكنيست" وتأثيراته على القرارين السياسي والأمني في تل أبيب، في مرحلة باتت أكثر من مشبعة بالتحدّيات والتغييرات الإقليمية والدولية، فللحديث صلة.
(الاخبار)