2024-11-30 02:49 م

كيف تردّ إيران على جريمة حلف ترامب الإسرائيليّ - السّعودي؟

2020-12-05
بقلم: قاسم عز الدين
من الجليّ أنَّ جريمة الموساد الإرهابيّة هي في سياق الانتقام من إيران التي حفّزت سقوط ترامب تحت وطأة فشل سياسته الخارجية، وأفشلت مراهنات حلفه الإسرائيلي ــ السعودي على خضوعها، نتيجة التخريب الأمني والحرب الاقتصادية في "أقصى العقوبات".

 وراء احتساب الأصوات للحزبين الجمهوري والديموقراطي، يُحتسب الانقسام العمودي الحاسم في انتقال الحكم من أميركا العميقة القائمة على تفوّق العرق الأبيض والانعزالية "الطهرانية"، بحسب وصفها الإنجيلي في أميركا التي يمثلها ترامب، إلى حكم "الدولة العميقة" القائمة على مؤسسات ومصالح الإمبراطورية الأميركية كما تراها مؤسسات الدولة لقيادة العالم.

وقد حسمت ركائز هذه المصالح والمؤسَّسات (غرفتا التجارة والصناعة، قيادة الأركان وقيادات الاستخبارات...) ترجيح الانقسام العمودي العميق لمصلحة بايدن تحت تأثير فشل السياسة الخارجية وانعزال أميركا، ومن ضمن ذلك فشلها ضد إيران.

 

أميركا هي أميركا
فوز بايدن لا يحسم تباين المقاربات بين أميركا العميقة الممتدة إلى عصر استيطان العرق الأبيض في القارة الشمالية الذي صاحبه إبادة السكان الأصليين وعبودية سكان القارة الأفريقية، و"الدولة العميقة" الإمبريالية التي فرضت النموذج الأميركي السائد إثر الحرب العالمية الثانية، استناداً إلى أسس أميركا العميقة.
هو تباين تحت سقف التعايش والتأثير المتبادل، بحيث تبرز في الحزب الديموقراطي وكوادر مؤسسات الدولة قوى أقرب إلى صقور الجمهوريين. وفي المقابل، تبرز في الحزب الجمهوري قوى أخرى أقرب إلى الحزب الديموقراطي.

في سياق هذا التعايش والضغوطات المتبادلة، حاول ترامب وحلفه الإسرائيلي ــ السعودي تلغيم الأرض المحروقة بين أميركا وإيران، عبر اغتيال رمز العلم والتقانة الإيرانية، أملاً بحرب عسكرية تشنّها إيران، تمهيداً لعدوان إسرائيلي ــ أميركي يقطع الطريق على مقاربة إدارة بايدن نحو خفض التصعيد وتغيير سياسة "أقصى العقوبات"، في إطار استراتيجية بايدن لما يسميه "العودة إلى قيادة العالم من دون حروب عسكرية واقتصادية".

ترامب الذي يترك البيت الأبيض من دون الاعتراف برئاسة بايدن، يراهن على استمراره "رئيس الظل" طيلة أربع سنوات مقبلة يخوض خلالها معاركه في داخل الولايات المتحدة وخارجها، ولا سيما إذا احتفظ الجمهوريون بالكونغرس، ولم يخرج تيار جمهوريّ وازن معارض لسيطرة ترامب على الحزب وعلى الشارع الأميركي. وفي هذا التوجّه، ربما يحاول تفجير ما هو بمتناول يده قبل انتهاء ولايته.

من جهته، بايدن المرغم على تغيير مقاربة ترامب وأدائه كي لا يفقد مبرّر رئاسته، لا حول له سوى العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، على الرغم من طموحه إلى ما يسميه "إنعاش الاتفاق النووي"، بحسب تعبيره في صحيفة "نيويورك تايمز" في أيلول/سبتمبر 2020. ومهما كانت طموحاته ورؤيته على المديين القريب والبعيد، لا يسعه أن يخطو خطوة في طريقه، من دون وقف الاستمرار بسياسة "أقصى العقوبات"، ومن دون تجميد بعض العقوبات والتراجع عن بعضها الآخر، إعراباً عن الجديّة و"إبداء حسن النيّة".

في هذا الاتجاه، تحدّث أنتوني بلينكن فور تسميته لوزارة الخارجية في معرض حديثه عن رغبته في وقف الحرب على اليمن والثناء على "الصديق الحميم" محمد بن نايف. وفي هذا الاتجاه أيضاً، تناول بايدن في مقابلته مع توماس فريدمان في صحيفة "نيويورك تايمز"، "العودة إلى الاتفاق النووي إذا التزمت إيران بحذافير الاتفاق"، وهو حين تطرّق إلى آمال وأحلام انضمام السعودية والإمارات إلى "خطة العمل الشاملة" أو التفاوض على البرنامج الصاروخي الباليستي و"الأمن في المنطقة"، يعبّر عن أمنية يؤدي إليها الاتفاق النووي في مرحلة لاحقة.

ولعل اجتماع "اللجنة المشتركة" في فيينا بتاريخ 16 كانون الأول/ديسمبر الجاري لبحث إجراءات العودة الأميركية والخطة الأوروبية فور دخول بايدن إلى البيت الأبيض، يرسم معالم العودة الأميركية والتبعية الأوروبية، لكن ما يمكن ملاحظته أن ما أثاره بايدن إلى توماس فريدمان، يشير إلى ما بشّر به فريدمان في مقالته (نيويورك تايمز، 29 تشرين الثاني/أكتوبر) بأنَّ بايدن تنتظره حملة ضغط ديموقراطية وجمهورية من أجل مفاوضات جديدة تشمل البرنامج الصاروخي و"أمن المنطقة"، كما تشترط "إسرائيل" والسعودية واللوبي الصهيوني في أميركا.

هذه المحاولة التي تدغدغ أحلام بايدن ووزير خارجيته أنتوني بلينكن على المدى الأبعد، ليست قابلة للبحث مع إيران التي لا تقدّم لبايدن بالدبلوماسية ما عجز عنه ترامب بالحرب الاقتصادية والأمنية، بل تهدّد بفشل عهد بايدن قبل أن يبدأ، إذا خضع للضغوطات، وتغليب شروط نتنياهو والسعودية على مصلحة الدولة الأميركية، بحسب إيلان غولدنبيرغ مدير المركز الأمني لأميركا الجديدة.

 

إيران نحو أفق آخر
 لا تتردد إيران في الردّ التلقائيّ على جريمة اغتيال فخري زادة، كما ردّت في عين الأسد على جريمة اغتيال القائدين قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، لكنها تتجنّب في ردّها عدم تعويم نتنياهو وابن سلمان، إضافة إلى بومبيو وكوشنر وترامب الَّذي ينتقم من الصخرة الإيرانية التي كسرت رأسه، فضلاً عن تعقيد العودة الأميركية إلى الاتفاق النووي، بحسب قول بايدن.

إيران لا تعيش على وقع التباينات بين ترامب وبايدن، فهي "ليست دولة عادية"، كما توخّى ترامب وبومبيو، بمعنى أنها غير قابلة للتعايش مع الإمبراطورية الأميركية بجناحيها، ولا سيَّما لجهة التوافق الأميركي على قاعدة "إسرائيل أولاً"، لكنها يمكن أن تقبل المساكنة البراغماتية إذا اضطرت أميركا إلى قبول الندّية. ولعلّ إيران هي إحدى الدول القليلة في عالم الجنوب الَّتي لا تزال تحافظ على إرث حركات التحرّر في مواجهة الإمبريالية أو "الاستكبار العالمي" باللغة الإيرانية.

إيران التي لم ترضخ تحت أعباء حروب ترامب الاقتصادية والأمنية، لا تغريها وعود بايدن، ولا تقدّم له ذرائع ومغريات، بل على العكس من ذلك، ربما يغريها أكثر قلب الطاولة أعاليها واطيها، إذا تردّد بايدن في إحياء الاتفاق النووي على وجه السرعة.

نحو هذا المسار الإيراني الذي قد توجهه الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة، يضع البرلمان الإيراني موضع البحث والتنفيذ "المبادرة الاستراتيجية لإلغاء العقوبات" في التخلّي عن البروتوكول الإضافي الطوعي وزيادة التخصيب وزيادة مفاعل "نطنز".

ربما تفضّل إيران الرد على جريمة حلف ترامب، في إطار رفع السقف أمام بايدن لحسم خياراته واحتساب عواقبها قبل خراب البصرة. ولا يشكّك أحد من الدول الغربية الداعية "إلى ضبط النفس" بحقّ إيران في المحاسبة والمعاقبة، حتى إنَّ مدير الاستخبارات المركزية الأميركية الأسبق جون برينان يكاد يبوح برغبة الانتقام من "إسرائيل".

الانتخابات الأميركية تؤدي إلى وعود بتغيير مقاربة الملف النووي وسياسات ترامب، لكنَ الانتخابات الإيرانية قد تؤدي إلى تغيير المشهد والمستنقع الآسن في الشرق الأوسط.
(الميادين)