2024-11-24 01:11 م

كيف تختفي عوائد الثروات الطبيعية في العالم العربي؟

2020-11-29
كيف تختفي عوائد الثروات الطبيعية في العالم العربي؟ ابحث عن «الوسيط»
بدلًا من أن تجني الشعوب ثمار ثرواتها الطبيعية، تقطفها نخب سياسية مختبئة تلعب دور «الوسطاء» في أي عملية استيراد وتصدير لهذه الموارد.

وفي بعض الأحيان لا تنتمي هذه الشركات «الوسيطة» للبلد الذي تتربح منه.

وفي العقود الأخيرة برز نموذج «الوسيط» الذي يتولى عقد صفقات تجارية لاستيراد أو تصدير البترول أو الغاز أو السلع الأساسية، بدلًا عن قيام الدولة أو الحكومة بذلك بشكل مباشر.

وقد تلجأ بعض الحكومات لإسناد الصفقات العامة لشركات خاصة وسيطة لعدة أهداف، منها: إبعاد نفسها عن الصفقات المشبوهة، مثل تصدير أو استيراد الغاز من إسرائيل.

وتجنبًا لاتهامها بالفساد، ونأيًا بنفسها عن أي مسؤولية اقتصادية أو سياسية قد تترتب عن هذه الصفقات.

شركات وسيطة تحتكر سوق النفط في لبنان
تبدو ظاهرة «الشركة الوسيط» التي تنهب خيرات الشعب أمام أعين الدولة في أوضح صورها في لبنان، لاسيما في قطاع النفط، ويبدو أن مؤسسات الدولة في لبنان رفعت يدها عن هذا القطاع الحيوي وتركته لقمة سائغة أمام عدد من الشركات المحلية التي شكلت تكتلًا يطلق عليه اسم «كارتيلات النفط» للاستحواذ على مئات الملايين من جيوب المواطنين.

ويتألّف هذا الكارتيل النفطي في لبنان من حوالي 12 شركة، منها: شركة «هيبكو» المملوكة لعائلة البساتنة، وشركة «كوجيكو. ليفانت» لمالكيها وليد جنبلاط ونعمة طعمة. وهناك أيضًا شركة «كورال أويل» التي اشترتها شركة «ليكويغاز» أواخر 2016 ممثلة برئيس مجلس إدارتها أوسكار يمين.

و«عيسى بتروليوم» لميشال عيسى، وشركة «توتال الفرنسية»، و«يوني تيرمينال».

أما في قطاع الغاز فتبرز شركات مثل: شركة «صيداكو» و«غاز لبنان هولدينج» المملوكة لجنبلاط ويشاركه فيها البرلمانيّ نعمة طعمة وجورج متّى، وتتجاوز حصّة صيداكو من الاستيراد 30% من مجمل الواردات النفطية.

وشركة «يونيغاز» و«غاز لبنان» التي تملكها عائلة الصيداني، و«ناتغاز» لمؤسسيها بيار ميشال فرعون وبيار هنري حلو وغيرها.

وبات معلومًا أن هذه الشركات يقف وراءها مجموعة من السياسيين الذين يستحوذون على عمليات استيراد وتصدير المشتقات النفطية منذ الحرب الأهلية واستمرت شراكتهم حتى بعد الحرب حين تخلّت الدولة وقتها عن مسؤوليتها ورعايتها لقطاع الطاقة، بعدما كانت هي المستورد الوحيد للمشتقات النفطية «منذ أن بدأ لبنان باستيراد النفط وتخزينه في ثلاثينيات القرن الماضي، عبر مد أنابيب من العراق في عام 1935»، وفقًا لتقرير للعربي الجديد.


أما بعد عام 1989، فقد أصبح كارتيل النفط هو «الوسيط الوحيد في ملف استيراد النفط بين الدول الخارجية والمستهلك اللبناني»، ويقول ربيع ياغي، المختص بالصناعة النفطية أن «باقي المشتقات النفطية مثل المازوت والبنزين وحتى وقود الطائرات والغاز المنزلي، فإن عقود استيرادها وقعت تحت سطوة هذه الشركات الخاصة».

وبهذه الطريقة الفريدة في استيراد البترول والغاز، يتسبب القائمون على القطاع النفطي في حرمان المواطن اللبناني من التعامل بأسعار معقولة لشراء المشتقات النفطية ويحرمون الدولة في الوقت نفسه من حقها في الاستيراد المباشر للنفط وإثراء الخزينة العامة، وكل ذلك لصالح أفراد وعائلات معدودة.

وعلى سبيل المثال، خلال فترة الوجود السوري في لبنان، كان النفط يباع في لبنان بسعر البرميل عالميًّا ثم يضاف إليه 19 دولارًا، أما في سوريا فكان يباع سعر البرميل عالميًّا ويضاف عليه 11 دولارًا يدفعها المواطنون.

الكارتيلات اللبنانية.. خسارة اقتصادية وأمنية
وعلى نفس نمط «كارتيلات النفط» تدار معظم القطاعات الحيوية في لبنان، فهناك «كارتيل الكهرباء» و«كارتيل الجمارك» و«كارتيل المصارف» و«كارتيل القمح والمطاحن» وغيرها، وتكشف دراسة أُعدت لمصلحة وزارة الاقتصاد في عام 2008 عن «أن درجة التركّز (وهو الاسم الفني للاحتكار) في السوق النفطية في لبنان تصل إلى 90 في المئة».

ويتسبب كارتيل النفط في خسارة ميزانية لبنان حوالي 500 مليون دولار سنويًّا، بسبب احتكارها السوق وتحكمها بالأسعار، وفضلًا عن الخسارة الاقتصادية للدولة والمواطن لصالح الشركات الوسيطة، فإن هذه الطريقة تخاطر بما يسمى «أمن الطاقة» الذي يقتضي أن تكون للدولة الكلمة الفصل في هذا القطاع والسيطرة على كل تفاصيله من كميات النفط ونوعيته وحجم المخزون وجهات الاستيراد وحتى تحديد الأسعار.

هذه الطريقة الفاسدة في إدارة ملف النفط في لبنان لم تنكسر إلا على صخرة الحراك اللبناني الأخير، الذي خرج ليعلن مطالبه «بمعارضة خصخصة شركات الدولة وممتلكاتها»، على حد تعبير المفكر اللبناني فواز طرابلسي، في ورقة إصلاحية قدّمها للحكومة اللبنانية المستقيلة، ويقترح فيها «تفكيك الاحتكارات التجارية، وضرورة أن تستوردة الدولة الأدوية والمحروقات من المصدر بلا وسطاء».

وبالفعل نجحت موجة الاحتجاجات في إجبار وزارة الطاقة اللبنانية على اتخاذ قرار بالسماح باستيراد مادة البنزين عبر مناقصة عمومية في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، بهدف كسر احتكار كارتيل النفط لاستيراد هذه المادة وذلك في خطوة هي الأولى من نوعها خلال العقود الثلاثة الماضية.

شركات وسيطة تستورد الغاز الإسرائيلي في الأردن
في الأردن أيضا هناك «شركات وسيطة» تقوم بما يفترض أن تقوم به الدولة من عقد الصفقات التجارية الكبرى التي ترتبط بميزانية الدولة من جهة، وتؤثر مباشرة في طريقة معيشة المواطنين بكل طبقاتهم من جهة أخرى، كما يحدث في ملف استيراد النفط.

ويتعقد الأمر حين تكون جهة التصدير هي إسرائيل، وربما كان هذا هو السبب الذي جعل الحكومة ترجع خطوة إلى الخلف وتدفع شركات خاصة لتكون في واجهة هذا الملف الملغوم.

فهذه الصفقات ما زالت تثير حتى الآن تساؤلات شعبية وبرلمانية بشأن إصرار النظام الأردني على استيراد كميات كبيرة من الوقود تفوق حاجة البلاد لها، وبمبالغ كبيرة تُعجز ميزانية البلاد وتلقي بأسئلة حول الهدف الحقيقي من وراء هذه الصفقات.

حتى عام 2011، كان الأردن يعتمد على الغاز المصري ثم القطري، لكن عمان تحولت لاستيراد الغاز من إسرائيل.

ولطالما فجّر الإعلان عن التعاون في هذا الباب غضبًا داخل المجتمع الأردني، بغض النظر عن اتفاقية السلام الموقعة بين البلدين عام 1994 والمرفوضة شعبيًا.

ولذا لجأت الحكومة إلى الاستيراد عن طريق وسيط، إذ ذكرت جريدة الغد الأردنية أن شركتي «البوتاس العربية» و«برومين الأردن» وقعتا عقدًا مع شركة «نوبل إنيرجي» الأمريكية لتوريد 2 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي من حقل تامار على مدى 15 عامًا بقيمة 771 مليون دولار، أو 500 مليون بحسب الرواية الإسرائيلية.

وأثارت هذه الصفقة موجة من الاتهامات لشركة البوتاس، التي تمتلك الحكومة الأردنية أسهمًا فيها، وجهها لها برلمانيون وسياسيون أردنيون رأوا في الصفقة تطبيعًا مع إسرائيل.

ولم تجد نفعًا تصريحات الشركة التي تنفي أي علاقة لها مع إسرائيل، وأن التعاقد تم مع شركة أمريكية تمتلك حقوقًا في حقل تامار الإسرائيلي الأمر الذي رأت الشركة أنه لا يعنيها. وتمت الصفقة عبر هاتين الشركتين.

فكرة الشركة الوسيط لم تعتمدها الأردن فقط، بل فعلتها إسرائيل أيضًا، إذ تضمن الاتفاق أن تقيم الشركة الإسرائيلية شركة أمريكية (NLB) لغرض التعامل مع الأردن، أي أن تكون بمثابة «شركة ظل» تقام لهذا الغرض فقط.

حيث تقوم الشركة الإسرائيلية بشراء الغاز من حقل «ليفياثان» الإسرائيلي، وبيعه للشركة الأمريكية التي تبيعها للأردن.

وبررت صحيفة «هآرتس» الخطوة الإسرائيلية باللجوء لتصدير الغاز إلى الأردن عبر الشركة الأمريكية بأنه «للمحافظة على قدرة الجانب الإسرائيلي في التحكم بالاتفاقية، فإن الغاز سيباع للجانب الأردني عبر شركة أمريكية وليس بشكل مباشر عبر شركاء حقل تامار للغاز، وهم شركة تكساس نوبل للطاقة ومجموعة ديليك الإسرائيلي وشركة إسرامكو».

ثم عادت اتفاقيات الغاز الإسرائيلي الأردني مرة أخرى إلى الواجهة إذ وقعت شركة الكهرباء الوطنية وشركة نوبل إنيرجي الأمريكية اتفاقية لتزويد الأردن بنحو 45 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي على مدى 15 عامًا بقيمة 15 مليار دولار.

وضخّ الغاز الإسرائيلي للأردن في يناير (كانون الثاني) 2020.

وكما هي الحال في اتفاقية عام 2014، لم تلق الصفقة الجديدة ترحيبًا شعبيًا، بل أصدر البرلمان الأردني قرارًا بالإجماع يطالب بإلغاء الاتفاقية. ولكن الاتفاقية «لم تُعقد بين الأردن وإسرائيل كي يطلب البرلمان إلغاءها وإنما بين شركتين خاصتين أردنية وإسرائيلية وإجراءات إلغاءها معقدة قانونيًا»، وفقًا لحمادة فراعنة الكاتب المختص بالشأن الإسرائيلي الفلسطيني.

شركات وسيطة في مصر
الحال في مصر لا يختلف كثيرًا عن الأردن، وإن كانت القاهرة بدأت مبكرًا في تصدير الغاز المصري لإسرائيل، ثم انقلب الحال وأصبحت مصر هي من تستورد الغاز من إسرائيل.

البداية في يناير (كانون الثاني) 2001، حين أُعلن عن التوصل لاتفاق بين شركة الكهرباء الإسرائيلية «إليكتريك كورب» وبين شركة غاز شرق المتوسط.

ونص العقد بينهما على بيع الطرف المصري سبعة مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي لإسرائيل مقابل ثلاثة مليارات دولار، فيما اعتبر ثمنًا بخسًا يقل كثيرًا عن الأسعار العالمية، إذ كان يتراوح بين 70 سنتًا و1.5 دولار للمليون وحدة حرارية (أي ما يعادل تقريبًا 28.26 متر مكعب من الغاز) بينما يصل سعر التكلفة 2.65 دولارًا، وفضلًا عن ذلك حصلت شركة الغاز الإسرائيلية على إعفاء ضريبي لمدة ثلاث سنوات.

والغريب أنه رغم كون الغاز مصريًا إلا أن الطرف المصدِّر في ذلك العقد لم يكن مصريًا خالصًا. إذ إن شركة غاز شرق المتوسط تأسست عام 2000، بالشراكة بين رجل الأعمال المصري حسين سالم، ومجموعة ميرهاف الإسرائيلية، وشركة أمبال الأمريكية الإسرائيلية، وشركة بي تي تي التايلندية، ورجل الأعمال الأمريكي اليهودي سام زيل.

و«كشفت وثائق نُشرت بعد ثورة 25 يناير أن حصص شركة غاز شرق المتوسط وزعت كالتالي»: 65% لشركة خط أنابيب البحر المتوسط، المملوكة لحسين سالم ضابط المخابرات المصرية السابق، و25% لمجموعة ميرهاف-أمبال المملوكة لرجل أعمال إسرائيلي، وتبقّى 10% فقط للهيئة المصرية العامة للبترول، وفقًا لما نشرته بي بي سي في تقريرها حول تجارة الغاز بين مصر وإسرائيل.

انقلاب اتجاه الغاز.. وثبات نموذج الشركات الوسيطة
بعد أربعة أشهر من تولي عبدالفتاح السيسي للرئاسة في مصر، وتحديدًا في أكتوبر (تشرين الأول) 2014، ظهرت أخبار عن اتفاق جديد بين مصر وإسرائيل بخصوص تصدير الغاز، ولكن في هذه المرة كانت مصر هي الطرف المستورد وإسرائيل هي الطرف المصدر.

ورغم انعكاس اتجاه خط سير الغاز بين البلدين، إلا أن طريقة التصدير ظلت ثابتة عبر «شركات وسيطة» وأمام أعين حكومتي البلدين، إذ أُبرم الاتفاق الجديد بين شركة «ديليك» الإسرائيلية وشركة «دولفينوس هولدينج»، شركة مصرية خاصة، على أن تورد الشركة الإسرائيلية 64 مليار متر مكعب سنويًّا لنظيرتها المصرية خلال 10 سنوات مقابل 15 مليار دولار.
وبعد الإعلان عن إتمام العقد برز لاعبون جدد عبر شركات وسيطة جديدة، فتأسست شركة جديدة حملت اسم «إي إم إي دي» تملكها ثلاث شركات وهي: ديليك الإسرائيلية، ونوبل إنيرجي الأمريكية، بحصة 25% لكل منهما، وشركة غاز الشرق المصرية التي تمتلك 50% من أسهم الشركة.

ومن الجدير بالذكر أن الغاز الإسرائيلي المورد إلى مصر سيمر عبر نفس خط الأنابيب الذي كان يحمل الغاز المصري إلى إسرائيل قبل سنوات قليلة، وهو خط أنابيب عسقلان-العريش المملوك لشركة غاز شرق المتوسط.

ومع اكتشاف حقل ظُهر للغاز الطبيعي في مصر أعلن وزير البترول والثروة المعدنية، طارق الملا، اكتفاء مصر ذاتيًا من الغاز الطبيعي موضحًا أن مصر ستتوقف عن استيراد الغاز المسال بحلول نهاية سنة 2017 – 2018.

أثار هذا الإعلان التساؤلات حول الهدف من استيراد الغاز الإسرائيلي، خاصة بعد أن قُدّرت احتياطيات الغاز في حقل ظُهر بـ30 تريليون قدم مكعب.

يُرجع طارق الملا السبب لطموح مصر لأن تكون مركزًا إقليميًا لتداول الطاقة لما تتميز به عن غيرها من دول شرق المتوسط، من وجود محطتي إسالة للغاز الطبيعي تقع إحداهما في مدينة إدكو بمحافظة البحيرة، والأخرى في محافظة دمياط. الأمر الذي سيسمح لمصر أن تصبح مركزًا لتصدير الغاز إلى شتى دول العالم.

(ساسة بوست)