2024-11-24 10:39 م

هل كانت الخطوات العربية في حقوق الإنسان الأسبوع الماضي للوقاية من فوز بايدن؟

2020-11-14
بخروج رئيس من البيت الأبيض، ودخول آخر يتغير العالم بسبب الانتخابات الأمريكية التي حظيت باهتمام شعوب الأرض، وبالحديث عن الشرق الأوسط، فالسياسة الخارجية الأمريكية في عهد بايدن ستأتي بالتأكيد مخالفة لاستراتيجية ترامب، وهو التأكيد الذي أعلنه جو بايدن خلال حملته الانتخابية، ففي عهده لا مزيد من دعم محورٍ متصارعٍ ضد آخر؛ فالولايات المتحدة ستعود للوراء إلى ما قبل ترامب، بالعودة إلى الاتفاق النووي مع طهران، وإلى منظمة الصحة العالمية، وإصلاح العلاقات المتوترة بين بلاده والدول الأعضاء في حلف شمالي الأطلسي (الناتو)، والعودة الى التحالفات الدولية وإعادة أمريكا إلى الاتفاقيات العالمية.

وقبل أن يُعلن بايدن رسميًا سياساته التي تعهد بتنفيذها سارعت عدد من الدول العربية ببعض خطوات رآها البعض بمثابة تقدم خُطوة إلى الإمام بتنفيذ عدة سياسات تتعلق بالديمقراطية وحقوق الإنسان، التي أعلن الرئيس الأمريكي الجديد أنّ كل الدول التي كانت تعتمد على ترامب في عكس مسارها ستتعرض للتقييم.

مصر.. الإفراج عن 600 معتقل بعد تقدم بايدن
لا تبدو مصر سعيدة بخسارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الانتخابات الأمريكية، إذ طالما ظل السيسي غير آبه بالانتقادات الموجهة لإدارته في ملفات تتعلق بالديمقراطية وحقوق الإنسان في ظل الدعم غير المشروط الذي حصل عليه في إدارة ترامب الذي سبق ووصف الرئيس المصري بـ«دكتاتوري المفضل».

وفي خُطوة مفاجئة، أفرجت مصر عن نحو 600 معتقل بتدابير احترازية بينهم سياسيون وصحافيون ونشطاء وطلاب، كانوا قد اعتقلوا في أحداث سبتمبر (أيلول) العام الماضي، على خلفية التظاهرات التي دعا لها المقاول المصري محمد علي المقيم في إسبانيا، إضافة إلى متهمين آخرين في 19 قضية أخرى.

التوقيت الذي أفرجت فيه مصر عن المعتقلين ربطه مراقبون بأنه استباق لاحتمال فوز بايدن، المعروف بانتقاده لملف الحريات في عهد السيسي، خاصة أنّ التعاطي المصري مع القضية جاء لقراءة مبكرة بتقدم جو بايدن في مراكز الاقتراع، في وقتٍ كانت فيه الآلة الإعلامية التابعة للنظام المصري والكتائب الإلكترونية المحسوبة على النظام المصري تهاجم المرشح الديمقراطي، واعتبروه مرشح جماعة الإخوان المسلمين المحظورة في مصر، على عكس التأييد الذي حظي به الرئيس ترامب.

لكنّ البعض شكك في دلالة القرار وتوقيته، خاصة أنّ مصر بعدها لم تُوقف عمليات الاعتقال المتعلقة بالرأي، حيث وثّقت مراكز حقوقية عمليات مداهمات لمنازل واعتقال أشخاص بعد إعلام فوز باديدن.

اللافت أنّ مصر قبل الانتخابات الأمريكية بأسابيع، تجاهلت تحذيرًا من 56 عضوًا من الكونجرس الأمريكي محسوبين على الحزب الديمقراطي، طالبوا فيه الرئيس السيسي بالإفراج غير المشروط عن معتقلي الرأي، تزامنًا مع دعوة مماثلة وجهها 2212 نائبًا في البرلمان الأوروبي.

تفضيل مصر ترامب على عكس بايدن يتجلى بوضوح في الموقف الرسمي لكلا الرجلين من النظام المصري، فبينما اعتقلت مصر 500 شخص في سبتمبر (أيلول) العام الماضي على خلفية التظاهرات المناهضة للرئيس السيسي، كان الرئيس ترامب يجلس بجوار الرئيس المصري على هامش الاجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك قائلًا: «الجميع لديه مظاهرات.. لست قلقًا بشأنها، مصر لديها زعيم عظيم».

وعلى النقيض، فجو بايدن كان قد شنّ هجومًا على السيسي في تغريدة نشرها في يوليو (تموز) الماضي، إذ طالبه باحترام حقوق الإنسان والإفراج فورًا على المعتقلين قائلًا: «لا مزيد من الشيكات على بياض للديكتاتور المفضل لترامب».

السعودية.. تعديل نظام الكفالة المثير للجدل
وفقًا لمنظمات عمالية وحقوقية، يعد نظام الكفالة المعمول به في السعودية، هو الأكثر انتهاكًا لحقوق الإنسان بين الدول الخليجية، ويُنظر له باعتباره أحد أنواع العبودية الحديثة التي تُتاجر بالعمال الأجانب، ويشكل الوافدون في المملكة نحو 13.4 مليون من أصل 34.22 مليون هم عدد سكان المملكة، بحسب هيئة الإحصاء السعودية عام 2019.

وتقلق السعودية من دخول جو بايدن البيت الأبيض، كما يجمعها معه علاقة متوترة، وهو ما يثبته أنّ النظام الملكي كان آخر الدول الخليجية المُهنئة بفوز المرشح الديمقراطي، إذ أرسلت برقية تهنئة بعد مرور أكثر من 24 ساعة إعلان فوزه.

وكان بايدن قد تعهد في حملة الدعاية الانتخابية بإعادة تقييم العلاقات مع السعودية، والمطالبة بقدر أكبر من محاسبة المسؤولين عن مقتل الصحافي السعودية خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول، وإنهاء الدعم الأمريكي لحرب اليمن.

وتقول «رويترز» تعليقًا على تأخير السعودية إرسال برقية تهنئة الرئيس الأمريكي الجديد: «العلاقات الشخصية الوثيقة، التي جمعت ابن سلمان بترامب، أتاحت حائلًا مهمًّا في مواجهة موجة من الانتقادات الدولية لسجل الرياض فيما يتعلق بحقوق الإنسان أطلق شرارتها مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي ودور الرياض في حرب اليمن واعتقال ناشطات سعوديات، بإشارة محللين إلى أن هذه النقاط قد تصبح الآن، موضع احتكاك بين بايدن والسعودية، التي تعد من أبرز مصدري النفط ومن كبار مشتري السلاح الأمريكي».

لكنّ السعودية قررت فجأة تعديل أكبر قوانينها المثيرة للجدل، ويقضي التعديل الأخير الذي سيدخل حيز التنفيذ في مارس (آذار) العام القادم، السماح للوافدين بالتنقل الوظيفي دون الحاجة لأخذ موافقة صاحب العمل، بالإضافة إلى إمكانية مغادرة المملكة بعد انتهاء العقد مباشرة، مع إشعار صاحب العمل إلكترونيًا، لكنّ وكيل وزارة التضامن السعودي، كشف في مقابلة مع وكالة «بلومبرج» الأمريكية أن القرار الجديد لا يشمل العاملات في المنازل والعمالة الفردية، وعددهم نحو 3.7 ملايين؛ لكنه بإمكان نحو 10 ملايين آخرين الاستفادة المباشرة بالتعديل الجديد.

يبدو السعودية هي أكثر دولةٍ عربية متضررة من تغيرات البيت الأبيض، لأنه يجمعها خصومة مباشرة مع رئيسه الجديد الذي سبق ووعد بإعادة فتح ملف مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، داخل سفارة بلاده في تركيا، خاصة أنّ بايدن يعتقد أنّ من نفذ تلك الجريمة هم مساعدو ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.

السعودية أيضًا لم تكتفِ بتعديل نظام الكفالة المثير للجدل، فهي تعتزم إصدار عفو عن الناشطات السعوديات المعتقلات قبل قمة مجموعة العشرين الشهر الجاري، بحسب ما كشفه السفير السعودي في لندن.

قطر.. أول مجلس شورى بالانتخاب
كانت قطر هي أول الدول العربية التي أظهرت احتفاءً بالغًا عقب فوز جو بايدن، على مستوى أفراد الأسرة الحاكمة، والإعلاميين في الدوحة، كما أنّ رئيس وزرائها السابق حمد بن جاسم كان قد قال قبل فوزه في تغريدة نشرها: «ما قلت سابقًا على يقين بأننا في المنطقة لا توجد لدينا لا خطط ولا سياسات للمرحلة القادمة؛ ذلك لأن سياساتنا تبنى على من سيكون في البيت الأبيض وهذا رهان قصير المدى»، ما يعني رسالة لدول الحصار بأنها اعتمدت على ترامب الذي سيرحل قريبًا.

ورغم أنّ قطر كانت يجمعها علاقات قوية بدونالد ترامب، إلا أنّ الدوحة لم تنسَ أنّ الرئيس الأمريكي سبق وأيّد السعودية والإمارات ومصر والبحرين في الحصار المفروض عليها منذ يونيو (حزيران) عام 2017، قبل أن يتراجع عن هذا التأييد، بينما يجمع بايدن علاقات أكثر قوةً وقُربًا من الدوحة منذ أن كان نائبًا للرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما.

وعلى خلاف القرارات التي اتخذتها مصر والسعودية، أعلنت قطر إجراء أول انتخابات تشريعية لمجلس الشورى المقرر إقامتها رسميًا في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2021، ويكون المجلس بالانتخاب في أول مرة في تاريخ البلاد، مع تمديد عمل المجلس الحالي إلى العام القادم، لتكون بذلك هي ثاني عملية سياسية في قطر يُجرى فيها انتخابات إلى جانب انتخابات المجلس البلدي التي تُجرى كل أربع سنوات، والذي يختص بمراقبة تنفيذ القوانين والقرارات والأنظمة المتعلقة بصلاحيات واختصاصات مجلس الوزراء.
ويعد مجلس الشورى هو الهيئة التشريعية التي تتولى سلطة التشريع، ويقر الموازنة العامة للدولة، كما يمارس الرقابة على السلطة التنفيذية وأداء الوزراء، كما يختص بصياغة ومناقشة التشريعات المقترحة والتصويت عليها، والتي تصبح نافذة بتصويت أغلبية الثلثين وتصديق الأمير عليها.

لكن من وجهة نظر أخرى، يجد المشككون بدوافع القرار وارتباطه بالانتخابات الأمريكية بأنّ القانون نفسه قديم، وأصدره الأمير تميم في أكتوبر (تشرين الثاني) عام 2019.

الإمارات.. تعديل قانون لصالح الحريات الشخصية والمرأة
كانت الإمارات هي أكثر الدول الخليجية التي راهنت على فوز ترامب، وبخسارته تتأثر إلى حد ما كافة الطموحات الإقليمية كما يأتي شبح العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، مع قدوم إدارة بايدن التي أعلنت أنها ستواجه الدول التي تعرقل التحول الديمقراطي في بلادها.

السفير الإماراتي في الولايات المتحدة، يوسف العتيبة، والموصوف بأنه أحد أكثر الدبلوماسيين نفوذًا في واشنطن، كان قد عبر لدى صحيفة «ذي ناشيونال» الأمريكية عن أن بلاده ستسطيع أن تستكمل مسار العلاقات الدافئة مع أي رئيس أمريكي قادم سواء ترامب أو بايدن، إذ كان العتيبة يمهد لاحتمالية فوز بايدن، مع أن هذا قد لا يبدو حقيقيًا إذ أن المكاسب التي حصدتها الإمارات مع ترامب لا تقارن مع المخاوف التي يثيرها قدوم بايدن بالنسبة لأبو ظبي.

وفي خضم أسبوع فوز بايدن أقرت الإمارات قانونين لصالح الحريات الشخصية والمرأة، وذلك بعد تجاهلها الطويل لانتقادات منظمة «هيومان رايتس ووتش» في تقريرها الأخير الصادر في يناير (كانون الثاني) الماضي، والذي اتهمتها فيه بالاستخفاف بسيادة القانون، مع اعتقالات تعسفية، وانتهاكات واسعة ضد المحتجزين.
التعديل الجديد يقضي بإلغاء المادة التي تمنح العذر المخفف فيما يسمى «بجرائم الشرف»، بحيث تعامل معاملة جرائم القتل في قانون العقوبات، كما أتاحت التعديلات الخاصة بقانون الأحوال الشخصية والمعاملات المدنية للأجانب المقيمين في الإمارات حرية اختيار القوانين التي تطبق على تصرفاتهم في شؤون الميراث والتركات.

ودائمًا ما تروج الإمارات لنفسها على اعتبار أنها جنة الخليج والواحة الإنسانية التي تهتم باخترام كافة الأديان وحرية الإنسان، بعيدًا عن مسائل الحقوق السياسية، وهي الدعايا السياسية التي دأبت أبو ظبي على الترويج لنفسها عبر قراراتٍ قد تكون ليس لها ارتباط بالحدث الأمريكي مباشرة رغم غرابة التوقيت، ولكنها يمكن أن تكون استكمالًا منطقيًّا لسياسة ترويج الإمارات لنفسها على نفس النحو منذ فترة طويلة.
(ساسة بوست)