2024-11-27 10:29 م

حكومة مكتب الملك»: عبد الله الثاني يتحصّن بوجه الأزمات

2020-10-16
عامر القصاص
هذه المرّة، اختار عبد الله الثاني حكومة «دبلوماسية» لمرحلة انتقالية عنوانها مشكلات الإقليم قبل الداخل. فرئيسها كان مدير مكتبه، وعدد من وزرائها هم من المكتب نفسه، فيما تُقبِل البلاد على انتخابات برلمانية دُفعت إليها المعارضة بأحزابها كافّة

عمّان | أسئلة كثيرة تُطرَح حول الحكومة الأردنية الجديدة التي أدّت منذ أيام اليمين الدستورية برئاسة مستشار الملك السابق، بشر الخصاونة، الذي جاء بتشكيلة ثقيلة من 31 وزيراً، احتفظ فيها بثمانية من حكومة خَلَفه، عمر الرزاز، أبرزهم وزير الخارجية، أيمن الصفدي. والأخير يواصل دوره المعروف مع الملك في تشكيل «الثنائي الدبلوماسي» للمملكة في مرحلة سياسية واقتصادية صعبة اتّسمت بتضييق الخناق على عمّان. وإلى جانب الخصاونة، جاء وزير المالية (من الحكومة السابقة) من الديوان الملكي أيضاً، إذ كان المستشار الاقتصادي للملك، فضلاً عن وزيرة الطاقة التي عاصرت بدء ضخّ الغاز الإسرائيلي إلى الأردن واستيراد النفط العراقي.
هكذا، يُعزّز عبد الله طاقمه الحكومي، مُوسّعاً دائرة الفعل الدبلوماسي لتصل إلى رئيس الوزراء الذي غاب في العامين السابقين عن السياسة الخارجية، على رغم أنه يتولّى في الوقت نفسه وزارة الدفاع. وهو غياب لم يكن إلا بقرار من الملك نفسه، الذي وجد هذه المرة حاجة إلى دعم أكبر من فريق أوسع تنخرط فيه الحكومة. وللخصاونة سيرة ذاتية غنية في المجال الدبلوماسي، ولا سيما أنه خرّيج «الخارجية»، وشغل منصب السفير في دول أبرزها فرنسا ومصر ودول أفريقية، كما عمل مديراً لتنسيق «مفاوضات السلام» في الخارجية (2006 - 2007)، قبل أن يشغل منصب المندوب الدائم للأردن في «اليونسكو» حتى انتقاله إلى الديوان. وإلى جانبه، ضمّت الحكومة الجديدة شخصيات دبلوماسية أخرى، أبرزها علي العايد الذي عُيّن متحدّثاً باسمها، علماً أنه شغل منصب السفير الأردني لدى تل أبيب (2006 ــ 2010)، كما كان القائم بأعمال السفارة قبلها في المدّة التي سحبت فيها عمّان سفيرها بعد اندلاع انتفاضة الأقصى، فضلاً عن عضويّته في الوفد الأردني للتفاوض مع إسرائيل.

في ظاهر الأمر، تأتي هذه الحكومة لإدارة ملف الانتخابات المنويّ إجراؤها في الثلث الأول من الشهر المقبل، وتترتّب عليها استقالة الحكومة فوراً وفق أحكام الدستور. لكن وفق التوليفة الحالية، ومع غياب المؤشرات إلى نضوج فكرة الملك المتعلّقة بتشكيل حكومات برلمانية، من المرجّح أن يعاد تكليف الخصاونة لمرحلة لاحقة، ولا سيما أن ملفات إقليمية تفرض نفسها على أجندة القصر، مؤثّرة بقوة في المملكة التي تَأسّست منذ مئة عام مع تأسيس شرق الإمارة (1921) على يد الهاشميين، الأمر الذي يؤثر بدوره في الوضع الداخلي المأزوم صحياً واقتصادياً. والمشكلات الداخلية لا أولوية لها حالياً مقارنة بالمخاوف الأردنية مما بعد الانفتاح الخليجي على إسرائيل، ومرحلة صياغة التحالفات الجديدة مع الدول المجاورة خاصة العراق ومصر، والتي يملك الخصاونة خبرة فيها. كلّ ذلك يعني أن الحكومة القصيرة المدى تمثّل مناورة جديدة يريدها الملك مع طاقمه المقرّب، لكن بصيغة تنفيذية تعطيه مرونة في التحرّك وحيوية في تصدير قرارات جديدة تُقدّمها الحكومة ويصدّق عليها برلمان ستكون سمته الأكبر عشائرية، خاصة مع وجود دعم من الدولة العميقة لمرشّحين جدد لا يملكون خبرة سياسية، ما يعني إفراغاً مسبقاً للدور التشريعي والرقابي، إلى جانب إضفاء شرعية على انتخابات تشارك فيها الأحزاب المعارضة كافة عبر قوائم مختلفة. ويُرجّح أن تصل بعض شخصيات المعارضة إلى البرلمان لتجميل الصورة الديمقراطية، علماً بأن التهافت الكبير على الترشيح رافقه برود في الشارع الذي يحاول ترميم وضعه الاقتصادي المتردي.
ومن اللافت تسليط الضوء إعلامياً على ورود اسم الخصاونة في وثائق «ويكيليكس». ففي إحدى الوثائق التي تعود إلى عام 2009، نُقل عنه قوله إن الأردنيين «يرون أنفسهم واقعيين» عندما يتعلّق الأمر بـ«حق العودة»، ويدركون أن لا «عودة جماعية إلى الدولة الفلسطينية»، بالنظر إلى أن مثل هذا القرار سيغير الخليط المجتمعي الأردني، وهو ما يتلاقى مع توقع الأردن التشاور معه في موضوع تعويض اللاجئين، إذ لا تتوقع المملكة تعويضات للاجئين مقابل التنازل عن العودة، بل أيضاً نوعاً من التعويض عن الأثر الاقتصادي والاجتماعي للاجئين منذ عام 1948 حتى الوقت الحاضر. هذه النظرة، التي وصفها الخصاونة بالواقعية، تبدو ضرورة لازمة للتفاهمات على طبيعة العلاقة مع إسرائيل والفلسطينيين من جهة، والدور الذي ستلعبه المملكة بعدما فقدت «الفرادة» في كونها قناة لا بديل منها مع تل أبيب.
من جهة أخرى، وبخروج الخصاونة من رئاسة مكتب الملك، سيُعاد ترتيب الدائرة الأولى للمكتب مع وجود منصبه شاغراً، ولا سيما في ظلّ اختفاء رئيس مكتب الملك السابق منار الدباس أخيراً، وهو إحدى الشخصيات البعيدة من الظهور الإعلامي، لكنه مِمَّن رافقوا عبد الله منذ بداية أزمة «صفقة القرن»، كما أنه عمل مديراً تنفيذياً في مكتب الأمير السعودي تركي بن طلال بين عامَي 2006 و2010، قبل أن يدير مكتب ولي العهد الأردني، حسين، وهو أيضاً من الوجوه المعروفة التي عملت في السفارة الأردنية لدى واشنطن بداية حكم عبد الله.
(الاخبار اللبنانية)