2024-11-24 06:23 م

محمد بن سلمان يقود حفلة القرن للتطبيع المجاني

2020-10-09
محمد محمد السادة 
اليوم، وبعد 53 عاماً من قمة اللاءات الثلاث، استطاع العدو الإسرائيلي تحويل كل "لا" إلى "نعم"، وتوّج كل مخرجات القمم العربية بحفلة القرن للتطبيع المجاني.

كانت سوريا شمس العُروبة، ولا زالت، أكثر فهماً للواقع العربي وحقيقة الأعراب، فكانت مُحقّة بامتناعها عن حضور أقوى القمم العربية، وهي قمة الخرطوم في العام 1967، المعروفة بقمّة اللاءات الثلاث (لا صلح، ولا تفاوض، ولا اعتراف بالعدو الإسرائيلي)، بل دعت الدول العربية إلى الحضور بجيوشها لحرب تحرير شعبية ضد العدو الإسرائيلي، ولكن لا حياة لمن تُنادي.

اليوم، وبعد 53 عاماً من قمة اللاءات الثلاث، استطاع العدو الإسرائيلي تحويل كل "لا" إلى "نعم"، وتوّج كل مخرجات القمم العربية بحفلة القرن للتطبيع المجاني التي يستحقّ فيها، وبجدارة، النظامان السعودي والإماراتي اللذان يقودان "صفقة القرن" وبيع القضية الفلسطينية، وسام عار التطبيع الذي ستكون مآلاته حتمية السقوط لأنظمة التطبيع، فمن لم يُسقطه ما يُسمى بـ"الربيع العربي"، سيُسقطه التطبيع مع العدو الإسرائيلي، وعلى من يستعد من المهرولين للانضمام إلى نادي التطبيع أن يتساءل أولاً عما جنته دول المواجهة، كمصر والأردن، من تطبيعها مع "إسرائيل" !

بات تطبيع النظام السعودي مع العدوّ الإسرائيليّ تحصيلاً حاصلاً، وفق ما كشفهُ وزير الاستخبارات الإسرائيلي إيلي كوهين في لقاء مع قناة "بي بي سي"، إذ أكّد أن السعودية وعدداً من الدول العربية، كالسودان وعُمان والكويت، في طريقها إلى التطبيع. 

وينظر النظام السعودي إلى الوضع العربي والإسلامي المتردّي على أنه مُشجّع ويُمثّل فرصة سانحة للتطبيع، وما تصدّر النظامين الإماراتي والبحريني للتطبيع إلا لقياس ردود الفعل الرسمية والشعبية التي تبدو مُطمئنة من وجهة نظر النظام السعودي، إذ لم تتخذ الجامعة العربية أو منظمة المؤتمر الإسلامي أيَّ موقف، ولم تصدر إدانات ورفض رسمي إلا عن بعض العواصم الحرة، كصنعاء ودمشق وطهران وتونس والجزائر.

الكارثة ليست في أن يُطبع النظام السعودي فحسب، بل في أنَّ هذا التطبيع السعودي سيجُرّ العديد من الدول العربية والإسلامية إلى التطبيع، ولا سيما تلك الدول التي تنظر إلى السعودية من خلال الاعتبارات الدينية، كواجهة إسلامية تضمّ أماكن مقدسة، مثل بيت الله الحرام الذي يقصده ملايين المسلمين سنوياً لأداء الحج أو العُمرة، والأَدْهى والأَمرُّ من ذلك أنّ النظامين السعودي والإماراتي لن يكتفيا بالتطبيع فحسب، بل سيقودان حملة التطبيع والإغراء بالأموال لكل من ينضم إلى نادي التطبيع.
اليوم، يُعيد التاريخ نفسه. لذا، ليس من المُستغرب أن يُطبع النظام السعودي مع "إسرائيل"، وليس من المستغرب أيضاً أن يكون ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مايسترو التطبيع.

ينظر الأمير الصغير محمد بن سلمان إلى كرسي الملك من خرم إبرة، معتقداً أن رؤية المملكة 2030 التي لا تزال حبراً على ورق، أو سياسة الانفتاح والترفيه للتطبيع مع الشعب السعودي، ستكون مقدّمة تؤهّله للتطبيع مع "إسرائيل"، التي طُبعت صورتها كعدو أزلي في أذهان أجيال نشأت على المذهب الوهابي المتطرف الذي يرفض الآخر.

ويظن ابن سلمان أن من السّهل استبدال العدو الحقيقي للأمة بعدو وهمي هو إيران، غير مدرك للعواقب والأخطاء الكارثية نتيجة السياسات التدخليّة في شؤون دول المنطقة، والعدوان الغاشم على اليمن الذي تتوالى فيه هزائمه العسكرية، إضافة إلى ما يُعانيه الداخل السعودي من خلافات حادة داخل العائلة الحاكمة، وتزايد المعارضة العلنية لتوليه مقاليد الحكم، كما أن الظلم والاستبداد الممارس ضد أَبْنَاء جِلْدَتِهِ وصل إلى حد ملاحقة المعارضين وقتلهم أينما كانوا، وما جريمة قتل الصحافي خاشقجي سوى مثال على ذلك.

وعلى الصعيد الاقتصاديّ، هناك تدهور وعجز مالي لم يسبق أن واجهته مملكة النفط من قبل. ورغم كلّ ذلك، يسعى إلى تتويج فشله السياسي والاقتصادي والعسكري بكأس التطبيع مع عدو الأمة، الأمر الذي يؤكّد السقوط وقرب انتهاء دورة الحياة للدولة السعودية التي أصبحت في طور الهرم والفناء، وفق نظرية الدولة لابن خلدون، وهذه سنّة الله في الظالمين قبل أن تكون نظرية.

 

هولوكوست التطبيع 
يعرف العدوّ الإسرائيلي جيداً أنه الرابح الوحيد من التطبيع المجاني، وهو جاهز لحصد ثمار حماقات أنظمة التطبيع التي تسعى إلى فتح الأبواب أمام انتصار المشروع الصهيونيّ التوسُعي على حساب كلّ دول الأمة وشعوبها ومصالحها ومستقبلها، وفي مقدّمتها فلسطين.

ومثلما نجحت "إسرائيل" في إجبار ألمانيا على الاعتذار، ودفع الأوروبيين إلى دفع التعويضات عما يُسمى بالهولوكوست، فسيكون هناك هولوكوست جديد جاهز لتحصيل تعويضاته، وستكون أولى قطوف التطبيع مطالبة "إسرائيل" للعرب بالاعتذار عما تسمّيه تعرّض اليهود العرب لمجازر واضطهاد، وستسعى إلى تطبيق قانون الكنيست الإسرائيلي الصادر في العام 2010، الّذي ربط السلام مع الدول العربية بدفعها التعويضات عما أسماه نهب ممتلكات اليهود العرب الذين غادروا دولهم إلى "إسرائيل". وتُقدر هذه التعويضات، وفق تصريحات الوزيرة جيلا غامليل، وزيرة ما يُسمى المساواة الاجتماعية الإسرائيلية، بأكثر من 250 مليار دولار.

إضافةً إلى المكاسب المالية والسياسية، هناك مكاسب اقتصادية هائلة، إذ ستُفتح الأسواق أمام الصناعات والاستثمارات الإسرائيلية، كما سيُعزز التطبيع من التفوق العسكري والتكنولوجي لـ"إسرائيل"، لتعمل كشرطي للمنطقة بدعم أمني وعسكري من قبل أنظمة التطبيع، مع توجيه بوصلة الصراع مع العدو الصهيوني إلى النزاعات الطائفية والعرقية، مع رفع وتيرة السياسات العدائية تجاه دول محور المقاومة، كما سينتقل مصدر القرار لتلك الأنظمة من واشنطن إلى تل أبيب. أما عراب التطبيع السهل الرئيس الأميركي ترامب، فسيوظف ويَسوقُ هذا الإنجاز الذي عجز عنه سلفه من الرؤساء لدعم حملته الانتخابية التي تواجه صعوبات حقيقية.

 

صنعاء وكسر طوق التطبيع 
التطبيع في أبسط معانيه يعني التخلّي عن فلسطين وقضيّتها العادلة، فمن يُطبّع مع العدو الإسرائيلي لا يمكن أن يكون مع الحق الفلسطيني، ولكن هذا التطبيع في جوهره لا يُعبر عن إرادة الشعوب العربية والإسلامية الرافضة للتطبيع، لذا، فهو تطبيع بين أنظمة عائلية ومستبدة وكيان العدو الإسرائيلي. 

لذلك، مخطئ من يظن أن الصراع العربي-الإسرائيلي انتهى، فمثلما يوجد محور التطبيع، فهناك محور المقاومة الذي يُدرك أن المستهدف من التطبيع ليس فلسطين وإيران فحسب، بل كل دول محور المقاومة التي لن تسمح بسيادة العدو الإسرائيلي على المنطقة.

صنعاء الطرف الأكثر تعرضاً للعدوان والحصار الشامل تعيش منذ أكثر من 5 سنوات ما يُراد فرضه على دول محور المقاومة من طوق عُزلة سياسية ودبلوماسية وحصار اقتصادي وعسكري شامل. ورغم ذلك، قدمت نموذجاً فريداً من الصمود في وجه تحالف العدوان، وأثبتت أنَّها رهان رابح في إطار محور المقاومة. كما أن هناك أهمية استراتيجية لليمن وما يُشكله مضيق باب المندب من عامل ردع قوي، يُعزز حضور محور المقاومة، ويكسر طوق العُزلة الذي يُراد فرضه على دوله.

لذا، هناك حاجة مُلحَّة لا تقبل التأجيل والتسويف لرفع وتيرة التعاون والتنسيق بأشكاله كافّة بين دول محور المقاومة، ويقتضي ذلك تحركاً فاعلاً لدول محور المقاومة، للمساهمة في كسر ما تُعانيه صنعاء من عزلة سياسية ودبلوماسية ومُعاناة إنسانية مفروضة، وتبنّي ذلك في المحافل الدولية، ومن خلال علاقاتها الدبلوماسية، ولا سيَّما بعد اتضاح أهداف دول العدوان على اليمن، والتي تقود قطار التطبيع مع العدو الإسرائيلي، وتهدف إلى السيطرة على سواحل وجزر اليمن المشرفة على حركة الملاحة الدولية، ولكن إذا ما استمرَّ ترك صنعاء وحيدة في مواجه عدوان محور التطبيع ومخططاته، فسيكون لذلك انعكاسات سلبية على محور المقاومة ككل.

ختاماً، من حقّ الشعب الفلسطيني العيش في أرضه بحرية واستقلال وكرامة، أسوة ببقيّة شعوب الأرض، ولن تنعم المنطقة بالسلام والاستقرار والتعايش ما دام الاحتلال الإسرائيلي قائماً، وما دامت القضية الفلسطينية من دون حل عادل وشامل، ومن يظُنّ أنَّ التطبيع مع العدو الإسرائيلي سينتصر على الحق الفلسطيني، فقد أساء الظن بالله. 

* كاتب يمني