2024-11-26 03:42 م

دبلوماسيان أميركيان يحذران:التطبيع مع إسرائيل..يفتت السودان

2020-09-27
قال الدبلوماسيان الأميركيان جيفري فيلتمان وبايتون كنوف، إن اتفاق تطبيع بين إسرائيل والسودان يهدد بتفكيك العملية الانتقالية في الخرطوم والممثلة بالمجلس السيادي السوداني.

وكتب الدبلوماسيان في مقال نشره معهد السلام الأميركي ومعهد بروكينغز، أنه "بينما يُشار إلى السودان كواحدة من الدول التالية في تطبيع العلاقات مع إسرائيل، تبرز مخاوف بشأن التأثيرات الممكنة لمثل هذه الخطوة على التحول الديمقراطي".

وأضاف المقال "مع انضمام الإمارات والبحرين إلى مصر والأردن في إعلان السلام مع إسرائيل، غالباً ما نجد أولئك الذين يسألون: من التالي؟، ينظرون بحماسة نحو الغرب، أي نحو الخرطوم. إن إضافة فصول جديدة إلى اتفاقيات أبراهام هي في مصلحة الولايات المتحدة، ولكن الانتقال الناجح في السودان هو كذلك في مصلحة الولايات المتحدة".

وأضاف أن "تسلسل هذه الخطوات أمر بالغ الأهمية. والحال أن حكومة سودانية موحدة تمتلك تفويضاً شعبياً ستكون أكثر قدرة على صياغة سلام دافئ ومستدام مع إسرائيل، في حين أن اتفاقاً إسرائيلياً سودانياً متسرّعاً يمتلك القدرة على تفكيك العملية الانتقالية في السودان وتوليد دعم متجدد للإسلاميين السودانيين وداعميهم الأجانب".

من الواضح أن السودان، الذي كان حتى أمد قريب في قبضة الإسلاميين وما زال في الولايات المتحدة الأميركية على قائمة الدول الراعية للإرهاب. يبدو ظهوره في السجل الإيجابي للسلام  أمراً مغرياً. بعد الإعلان عن "اتفاقيات أبراهام" بين إسرائيل والإمارات، كانت هناك موجة من التنبؤات حول من هي الدول العربية التي ستتلو في تطبيع علاقاتها مع إسرائيل. ساهمت زيارة وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو إلى الخرطوم في 25 آب/أغسطس، والزيارة اللاحقة لرئيس مجلس السيادة السوداني الجنرال عبد الفتاح البرهان إلى أبو ظبي في 20 أيلول/سبتمبر، في تأجيج التكهنات.

هشاشة العملية الانتقالية في السودان
لسوء الحظ، تجاهل معظم النقاش الدائر حول احتمالات تحسن العلاقات الثنائية بين إسرائيل والسودان هشاشة عملية الانتقال السياسي في السودان والمخاطر التي قد يشكلها التطبيع المبكر على المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة وإسرائيل والإمارات. لا أحد يريد تكرار اتفاقية السلام الإسرائيلية اللبنانية لعام 1983، التي وقعتها حكومة لبنانية لاتمتلك شرعية شعبية، والتي انهارت في أقل من عام، بحسب المقال.

على الرغم من وحشية نظام البشير، ظلّ المجتمع المدني السوداني، بما في ذلك النقابات والجمعيات المهنية، نشطاً بشكل ملحوظ. وكان المشهد السياسي في السودان من أكثر المشاهد تنوعاً وحيوية في العالم العربي، مع وجود قوى منظمة تتراوح من الشيوعيين والبعثيين إلى القوى العلمانية الليبرالية إلى مجموعة من الجماعات ذات التوجه الإسلامي.

انضم العديد من هؤلاء إلى معارضة البشير لكنهم اختلفوا في رؤيتهم لما يجب أن يتبعه. لذلك، تم تصميم الترتيب الانتقالي لتحقيق التوازن بين هذه الفئات العديدة أثناء تشكيل نظام دستوري جديد.

كان البشير بارعاً في التنقل بين قوى الشرق الأوسط المتنافسة، متجنباً، على سبيل المثال، الانحياز لأحد الأطراف في أزمة دول مجلس التعاون الخليجي. وليس من المستغرب أن السعودية والإمارات وقطر وتركيا سعت جميعها للتأثير في ترتيبات ما بعد البشير.

على وجه الخصوص، أدى ما اعتبره السودانيون دعماً سعودياً وإماراتياً للمجلس العسكري ضد القوى المدنية والديمقراطية إلى رد فعل شعبي عنيف داخل السودان. كانت قطر وتركيا أقل علانية في دعمهما لأفراد أو فصائل معينة، على الرغم من أن أنقرة منحت الملاذ لعدد من كبار الشخصيات من نظام البشير، كما جاء في المقال.

لسوء الحظ، بعد مرور عام على الفترة الانتقالية، تفاقمت الأزمات الأمنية والاقتصادية التي كانت السبب المباشر للمظاهرات المناهضة للبشير. ولا يزال الملايين نازحين. وقد انخفضت قيمة الجنيه السوداني من 45 جنيهاً لكل دولار إلى ما يقرب من 300. ويعاني أكثر من نصف البلاد من انعدام الأمن الغذائي الشديد. فيما فشل المجتمع الدولي في تعبئة الموارد بما يتناسب مع الفرصة التاريخية للمرحلة الانتقالية. وازداد الاستياء العام من الحكومة الانتقالية، واتسعت الانقسامات ليس فقط بين الجهات العسكرية والمدنية، ولكن داخلها أيضاً.

إن أي خطوات نحو تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسودان يجب أولاً وقبل كل شيء النظر إليها في هذا السياق. إن القيام بخلاف ذلك يتهدد بإحداث مزيد من التصدع في العملية الانتقالية كما يهدد وحدة الدولة السودانية نفسها.

الثورة السودانية وشرعية العملية الانتقالية
أن إحدى أهم نقاط الغموض في الإعلان الدستوري الذي أنشأ الحكومة الانتقالية تكمن في معرفة ما إذا كان مجلس السيادة أم مجلس الوزراء أم المجلس التشريعي هو من يتحمل المسؤولية الأساسية عن السياسة الخارجية. بعد زيارة الوزير بومبيو للخرطوم، أكد رئيس الوزراء حمدوك أن الحكومة ليست مفوضة لاتخاذ مثل هذا القرار المهم ، بينما يُقال أن البرهان عبر عن قدر أكبرمن الانفتاح.

كانت الثورة السودانية مدفوعة بتطلع واسع النطاق بين السودانيين لتكون لهم كلمتهم في حكمهم، ولا تزال العلاقة مع إسرائيل في السودان قضية مثيرة للجدل. 

لا يمكن أن يكون قرار التطبيع تاريخياً وعديم الأهمية في آن معاً. فبالنسبة لحكومة تصريف الأعمال -أو مجموعة من الوزراء داخلها- إن اتخاذ قرار أحادي الجانب يعني أن الخطوة تفتقر إلى الشرعية، وبالتالي تفتقد إلى الاستمرارية والاستدامة، التي يمكن أن تمنحها الجمعية التشريعية أو الحكومة المنتخبة.

وإذا نُظر إلى التطبيع على أنه ناتج عن استغلال يأس السودان الاقتصادي والإنساني، فسيكون عاملاً يزيد من الاستقطاب بين الجمهور، وسيعجل تآكل الدعم للعملية الانتقالية، ويعرض رئيس الوزراء لمكائد أولئك الذين، داخل السودان، يعارضون الإصلاح، وكذلك وعلى نحو مفارق، لمكائد تلك الأطراف الإقليمية ذاتها التي تعتبرها إسرائيل والإمارات خصومهما الأساسيين.

وبالنظر إلى أن عدد سكان السودان يقارب ستة أضعاف عدد سكان ليبيا، فإن انهيار الدولة سيكون أكثر كارثية – ليس فقط لمواطنيها، وإنما أيضاً لمصالح الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها في أوروبا والشرق الأوسط. يجب أن تكون الأولوية الأولى لواشنطن هي نجاح العملية الانتقالية في السودان وتشكيل حكومة موحدة تتمتع بشرعية شعبية مما يمكنها من اتخاذ قرار تاريخي مثل الذي سيكون عليه اتفاق سلام إسرائيلي-سوداني.
(المُدن)