2024-11-24 04:02 م

توني بلير.. صاحب الأدوار السريّة التي لا تتوقف

2020-09-12
عاد اسم رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، الذي ارتبط بكثير من الأحداث المفصلية في المنطقة العربية، للتردد مجدداً؛ بعدما كشفت صحيفة عبرية أنه كان عرّاب اتفاق تطبيع العلاقات الذي أعلن الشهر الماضي بين الإمارات و"إسرائيل".

وكان بلير رئيساً لوزراء بريطانيا في الفترة ما بين 1997 و2007، وقد شارك خلال رئاسته للوزراء الولايات المتحدة سياستها المتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط، وأرسل قوات بلاده للمشاركة في غزو العراق جنباً إلى جنب مع القوات الأمريكية، عام 2003.

بعد استقالته من منصبه، في يونيو 2007، عين بلير مبعوثاً للجنة الرباعية الدولية الخاصة بالسلام بالشرق الأوسط، واستقال منها في يونيو 2015. وخلال وجوده في هذا المنصب ارتبط اسم الرجل الشخصية الكارزمية المثيرة للجدل بالكثير من الأمور.

آخر هذه الأمور ما كشفته صحيفة "إسرائيل" اليوم" العبرية، الخميس (10 سبتمبر)، بشأن علاقة بلير بالاتفاق الإماراتي الإسرائيلي الأخير، حيث قالت إنه هو من بدأ المفاوضات السرية بين الجانبين، والتي انتهت بإعلان التطبيع في 13 أغسطس الماضي.

وقام بلير، وفق الصحيفة، بوساطة شخصية عام 2015 لبدء لقاءات سرية بين إسحاق مولخو، المستشار السابق لرئيس حكومة الاحتلال، ومسؤولين إماراتيين في العديد من العواصم الأوروبية والخليجية. وسهّل اجتماع "مولخو" مع وزير إماراتي في لندن وأبوظبي ونيقوسيا (عاصمة قبرص).

وكانت هذه الاجتماعات هي الأساس الذي انطلقت منه عملية التطبيع، بعدما أصبحت هذه المفاوضات عبر القنوات الخلفية ممكنة بفضل جهود بلير.
نصائح تحديث السعودية
الوساطة بين أبوظبي و"تل أبييب" ليست وحدها الدور الخفي الذي أداه، أو ربما ما زال يؤديه، رئيس وزراء بريطانيا الأسبق في سياسة الشرق الأوسط عموماً، ومنطقة الخليج على وجه الخصوص.

فقد أفرجت مؤسسة "توني بلير" عن حساباتها البنكية، لتؤكد ما نُشر في يوليو من نفس العام بشأن تلقي الرجل مبالغ طائلة وصلت إلى 12 مليون دولار أمريكي في صورة تبرعات من المملكة العربية السعودية نظير استشارات سياسية بشأن تحديث المملكة على يد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

هذه الأخبار فتحت الباب واسعاً لإعادة تسليط الضوء على السياسي الأكثر إثارة للجدل في المملكة المتحدة، والذي أسس إمبراطورية اقتصادية مشبوهة بُعيد تخليه عن السلطة، بينما كان يعمل في الشرق الأوسط مبعوثاً للسلام ضمن الرباعية الدولية حيناً، ووسط زمرة رجال الأعمال والسياسيين والانتهازيين أحايين.
التبشيري المخادع.. تابع أمريكا
في العام 2015، نشرت "الغارديان" البريطانية مقالاً حول "الاستعمار الأخلاقي" الذي يمثل توني بلير أحد ركائزه، وقد وصفه المقال بـ"التبشيري المخادع"، الذي يسوق الديمقراطية أداة لخلاص الشعوب بينما هو لا يرضى بغير العلمانية والليبرالية الاقتصادية.

أما الديمقراطية، كما يقول المقال، فمرهونة عند بلير بمدى توافق نتائجها مع مصالح الغرب، وهي وجهة نظر يعرف أصحابها في أوساط السياسة الأمريكية  بـ"المحافظين الجدد". ويمكن فهم نظرة بلير للديمقراطية في الشرق الأوسط والمنطقة العربية من خلال موقفه من الثورة المصرية عام 2011، عندما حذّر الرجل من الفراغ الذي سيحدثه خلع حسني مبارك.

الصحيفة البريطانية قالت إن بلير في عام 2014 كان يتقاضى من صندوق أبوظبي السيادي سنوياً ما قيمته مليون جنيه إسترليني (1,300 مليون دولار)، نظير استشارات يقدمها لحكومة الإمارات وحلفائها من واقع خبرته وعلاقاته الواسعة في المجال الدولي.

وفي يوليو 2016، خرج جون تشيلكوت، رئيس اللجنة المنوطة بالتحقيق في المشاركة البريطانية بحرب العراق بتصريح صادم قال فيه إن نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين "لم يكن يشكل خطراً على المصالح البريطانية"، وإن حرب 2003 لم تكن ضرورية بالمرة.

وقال تشيلكوت: إن بلير "استند إلى الهواجس الشخصية أكثر من استناده على الحقائق والتقارير الاستخبارية"، واصفاً العلاقة بين بلير والرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن بـ"التبعية الكاملة".
عدو الإسلاميين
ودائماً كان لدى رئيس الوزراء البريطاني الأسبق عداء وجودي مع تيار الإسلام السياسي، وقد وصف الانقلاب الذي أطاح بالرئيس الإسلامي الراحل محمد مرسي بأنه "الخيار الأفضل". كما كشفت صحفية "صنداي تايمز"، في ديسمبر 2016، عن قيام مؤسسات خيرية تابعة لبلير بجمع معلومات عن النشطاء الإسلاميين والحركات الإسلامية في أفريقيا لصالح أنظمة قمعية في مصر والسودان وليبيا وسوريا واليمن وتونس والمغرب ومالي، وغيرها.

وأشارت الصحيفة إلى أن بلير يحاول جمع معلومات عن المساجد وروادها والاجتماعات التي تعقد بداخلها بدعوى محاربة الإرهاب، مشيرة إلى أنه "يحاول أن يكون في صدارة الحملة الدولية ضد التطرف".

كما نقلت الصحيفة عن أحد العاملين في منظمة "مبادرة بلير للحكم الرشيد في أفريقيا" قوله: إن "نوع الحكم الذي يجب نشارك فيه هو فصل الدين عن الدولة، ولكن هذه المبادرة ستشجع الدول على التجسس على المؤسسات الدينية".
وفي أبريل 2014، طالب بلير في خطاب ألقاه أمام مؤسسة "بلومبيرغ" بتنحية خلافاته مع كل من روسيا والصين والتفرغ لمواجهة ما سماه ازدياد "التطرف الإسلامي" في العالم. وقد ردّت "التليغراف" على هذه المطالبة بمقال قالت فيه إن هذه السياسات القائمة على التدخل العسكري الخارجي، والنابعة من فكر صهيوني مسيحي، لم تقدم للعالم سوى أفغانستان والعراق وغوانتانامو وتفجيرات لندن.

الإمارات تلقفت دعوة بلير على ما يبدو؛ فقد أبرمت عقداً مع مركز "توني بلير أسوشيتس" مقابل مبالغ تصل إلى 35 مليون دولار. ويتضمن العقد -وفق جريدة "التليغراف" البريطانية- حصول المركز على خمسة ملايين دولار سنوياً من المقرر أن تستمر لخمسة أعوام.

وقالت التليغراف إن بلير طلب أيضاً مليونين و210 آلاف دولار كأتعاب شخصية، و688 ألف دولار كمصاريف إضافية من أجل تغطية النفقات السنوية لرحلاته، مقابل وعد بزيارة الإمارات 12 مرة في العام الواحد.

ولا تخفى مآلات التدخلات الإقليمية التي قادتها دولة الإمارات ضد الإسلاميين في العالم العربي، وتأثيراتها في إجهاض تجربة الربيع العربي، وإدخال البلدان التي عاشت أجواء ذلك الربيع في حالة من الفوضى الأمنية والتفكك الاجتماعي والسياسي.
استثمار في سد النهضة
وقد وافق بلير، بحسب التليغراف، أن يصبح مستشاراً للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي؛ كجزء من برنامج دعم اقتصادي تموله الإمارات، ثم خرجت اتهامات للرجل بأنه هو من أقنع السيسي بالنهاية بالموافقة الرسمية المصرية على بناء سد النهضة الذي شاركت دولة الإمارات في تمويله.
وقد أشارت صحيفة "الصنداي تليغراف" البريطانية، عام 2014، إلى أن مؤسسة "مبادرة بلير للحكم الرشيد في أفريقيا" قد أبرمت عقداً مع الإدارة الأمريكية للحصول على 3.3 ملايين جنيه إسترليني من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، لتتولى تنفيذ برنامج يهدف إلى تأسيس محطات توليد الكهرباء في 6 دول أفريقية.

ومنذ عام 2014 تحديداً، أصبح بلير المشرف على تنفيذ برنامج رئيس الولايات المتحدة المعروف باسم "مبادرة طاقة أفريقيا"، الذي يستهدف تمويل كل من: إثيوبيا وكينيا وتنزانيا ونيجيريا وغانا وليبريا على مدى 5 سنوات بـ7 مليارات دولار لتوليد 10 آلاف ميغاوات من الكهرباء.
(الخليج اون لاين)