في إطار الخطوات المتسارعة التي يقطعها الجانبان الإماراتي والإسرائيلي باتجاه تطبيع العلاقات دعماً لاتفاق السلام المعلن في 13 أغسطس 2020، بدأ أكبر البنوك الإسرائيلية مباحثات مع واحد من أكبر مصارف الإمارات بهدف التوصل إلى اتفاق تعاون في بعض الخدمات؛ الأمر الذي يطرح أسئلة بشأن أسباب هذا التعاون المرجو وتداعياته.
وقال بنك "لئومي"، وهو أكبر بنوك "إسرائيل"، الأربعاء (26 أغسطس 2020)، إنه بدأ محادثات مع واحد من أكبر بنوك إمارة دبي؛ بهدف التعاون في مجال تقديم الخدمات للشركات المحلية في كلا البلدين، على خلفية اتفاق التطبيع الذي أعلِنَ مؤخراً.
ونقلت وكالة "بلومبيرغ" الأمريكية عن شموليك أربيل، وهو رئيس قطاع المؤسسات في "لئومي"، أن البنكين مهتمان بمساعدة العملاء من الشركات المحلية بكلا البلدين على ممارسة الأعمال في الدولة الأخرى.
الأبواب مفتوحة
صحيفة "كالكيلست" الاقتصادية الإسرائيلية قالت أواخر أغسطس 2020، عقب إعلان اتفاق السلام بين أبوظبي و"تل أبيب"، إن هذا الاتفاق سيفتح الباب أمام الشركات الإسرائيلية في عدد من القطاعات، لكن الأهم، بحسب الصحيفة، هو أنه سيسهم في تحسين قدرة "إسرائيل" على الوصول إلى أسواق عربية أخرى.
ولفتت الصحيفة إلى أن القدرات المالية للإمارات تثير اهتمام قطاع الأعمال في "إسرائيل"، لكنها أكدت أن نجاح الشركات الإسرائيلية في استنفاد الطاقة الكامنة بالاتفاق مع الإمارات يتطلب أولاً التعرف على السمات الخاصة لهذه الدولة والتحديات التي تواجهها في الوقت الحالي.
وحذّرت الصحيفة بشدة من أن اقتصاد الإمارات الذي هو مصدر قوتها، يمثل أيضاً نقطة ضعفها؛ لكونه شديد التأثر بالأزمات كما حدث عقب الأزمة المالية عام 2014، وكما هو حاصل في ظل جائحة كورونا، التي عصفت بالاقتصاد الإماراتي.
اللافت أن الصحيفة العبرية بَنَتْ تحذيراتها على لسان مسؤولين في بنك "لئومي" الإسرائيلي الذي يتفاوض حالياً مع الإمارات بهدف التوصل لصيغة تعاون مشترك في مجال خدمة العملاء بمختلف الدول، وهو ما يجعل الإمارات بوابة تعبر منها بنوك الاحتلال إلى دول أخرى، ويبدو أنه الجانب المهم في هذا التعاون.
وفي 29 أغسطس 2020، ألغى رئيس دولة الإمارات، خليفة بن زايد آل نهيان، مرسوماً يقضي بإلغاء قانون مقاطعة دولة الاحتلال "الإسرائيلي"؛ "لتوسيع التعاون الدبلوماسي والتجاري مع إسرائيل"، ومن خلال وضع خريطة طريق نحو تدشين التعاون المشترك، وصولاً إلى علاقات ثنائية من خلال تحفيز النمو الاقتصادي، وتعزيز الابتكار التكنولوجي"، بحسب الوكالة الرسمية (وام).
وفي أعقاب إلغاء قانون مقاطعة "إسرائيل"، بإمكان الأفراد والشركات في الدولة "عقد اتفاقيات مع هيئات أو أفراد مقيمين في إسرائيل، أو منتمين إليها بجنسيتهم، أو يعملون لحسابها أو لمصلحتها أينما كانوا، وذلك على الصعيد التجاري، أو العمليات المالية، أو أي تعامل آخر أياً كانت طبيعته"، وفقاً للمصدر.بوابة لدخول السوق الخليجي
الخبير الاقتصادي نمر أبو كف قال لـموقع "الخليج أونلاين"، إن حركة البنوك عموماً على مستوى العالم لا يمكن أن تتم بشكل مستقل دون المرور بالولايات المتحدة، مشيراً إلى أن كثيراً من التسريبات تؤكد وجود تعاون قديم بين بنوك أبوظبي و"تل أبيب" بشكل غير معلن.
وبعد الإعلان عن اتفاق سلام بين الإمارات و"إسرائيل"، ستشهد الأيام القادمة علاقات أوسع وأكبر بين بنوك البلدين؛ لأن الاتفاقات التي جرى عقدها عقب إعلان التطبيع تحتاج تحويلات مالية كبيرة.
وأكد الخبير الاقتصادي أن العلاقات بين بنوك البلدين موجودة منذ سنوات وكبيرة لكنها غير معلنة، أما الآن فستحاول "إسرائيل" بقدر المستطاع الاستفادة من اقتصاد الإمارات الضخم، ومد نشاطها الاقتصادي إلى بقية دول الخليج، وسيكون التعامل البنكي مفتاح هذا النشاط.
كما أن "إسرائيل" ستحاول الحصول على قروض من البنوك الإماراتية وستوسع من نشاط رجال أعمالها داخل الإمارات، وهم موجودون أصلاً بشكل سري منذ فترة، لكن العلاقات السياسية الآن ستمنحهم حرية كبيرة في التحرك، بحسب "أبو كف".
وتوقع المحلل المختص توسُّع التعاون الاقتصادي بين البلدين، خاصة فيما يتعلق بالتكنولوجيا والصحة، وستؤدي البنوك دوراً كبيراً في هذا التعاون، وربما تدخل بنوك أمريكية للحصول على جزء مما سماها "كعكة رأس المال الإماراتي"، في حين ستحقق الأخيرة مكاسب أخرى أكبر من الاقتصاد.
مواجهة إيران
وخلص الخبير الاقتصادي إلى أن المسألة أكبر من الاقتصاد بالنسبة للإمارات، قائلاً إن الجانب الأهم هو أن هذا التطبيع مبعثه القلق من إيران ومحاولة الاحتماء منها بقوة إقليمية كبيرة، بعد إعلان دونالد ترامب سحب قواته من المنطقة، مؤكداً أن هذا السبب سيدفع دولاً أخرى إلى التطبيع قريباً.
وبحسب محللين، قد تؤدي الخطوة إلى منافسة اقتصادية مباشرة بين تجار إيرانيين وآخرين إسرائيليين في الدولة الخليجية الثرية، أو حتى إلى خلق فرص لأعمال مشتركة، مع التركيز على المنافع الاقتصادية بدل السياسة.
وفي هذا السياق، قالت سينزيا بيانكو، الباحثة المتخصصة بشؤون الشرق الأوسط في معهد المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إن الأمر سيستغرق فترة من الوقت قبل أن يجد الإيرانيون أنفسهم وجهاً لوجه مع الإسرائيليين، في الإمارات.
وأضافت "بيانكو" لوكالة الصحافة الفرنسية (23 أغسطس 2020): "من المهم هنا تأكيد أن معظم الإيرانيين الذين تربطهم علاقات وطيدة بإيران إما طُردوا وإما رُحِّلوا في السنوات الماضية".
ولفتت إلى أنه "لم يبقَ في دبي أو الإمارات بشكل عام إلا رجال الأعمال البراغماتيون جداً الذين يرفضون الانخراط في السياسة، لذا يرى بعض هؤلاء في هذا الاتفاق فرصة وليس تحدياً".
وسارع الإماراتيون عقب إعلان التطبيع لتوقيع اتفاقات مع شركات "إسرائيلية" في أكثر من مجال منها الصحي والتكنولوجي، فيما تجري حالياً مفاوضات بشأن السياحة وحركة السفر والطيران التجاري وغيرها.
وتؤكد تقارير صحفية غربية وجود تعاون وثيق بين الإمارات والإسرائيليين قبل الإعلان عن التطبيع، خاصة فيما يتعلق بالنشاط التكنولوجي، حيث استفادت أبوظبي من برامج تجسس تنتجها شركات إسرائيلية، كما قامت هذه الشركات تحت غطاء بتوريد كثير من منتجاتها المتعلقة بمراقبة الطرق وتتبُّع الهواتف للإمارات.