2024-11-25 08:55 م

“اتفاق السلام” بين الإمارات وإسرائيل.. لماذا الدهشة؟

2020-08-14
اسلام ابو العز
لا يوجد ما يستدعي الدهشة في إعلان الإمارات وإسرائيل تطبيع العلاقات بينهما رسمياً سوى في طريقة إخراج هذه الخطوة وتوقيتها. ما جرى كان تحصيلاً حاصلاً لسنوات التحالف بين أبوظبي وتل أبيب على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية وحتى العسكرية والأمنية، وهو التحالف الذي فاق حتى من حيث المرونة والفاعلية والاتساع ما قدمته كل من مصر والأردن لإسرائيل طيلة عقود من العلاقات الرسمية، وذلك على مدى سنوات قليلة احتلت فيه أبوظبي موقع الريادة في بعض من مفاعيل هذا التحالف، وكذلك المبادرة سواء على مستوى دول الخليج بشكل خاص أو الدول العربية بشكل عام.
يذكر الباحث والمحلل البريطاني المختص بشؤون الخليج سايمون هاندرسون، في مقال نشره معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى قبل خمس سنوات، أنه تفاجأ بمدى ضخامة وتشعب العلاقات الاقتصادية بين تل أبيب وأبوظبي، والتي فاقت في مستواها العلاقات بين الدول التي لها علاقات بشكل رسمي مع إسرائيل وتحديداً مصر والأردن، وتلك التي ليست لديها علاقات رسمية مثل قطر؛ وأن هذه الضخامة والتشعب من بلدان شرق آسيا وحتى أميركا الجنوبية لا بد وأن لها تجليات سياسية وأمنية وعسكرية، سرعان ما أكدتها الدولتان سواء بتدريبات عسكرية مشتركة برعاية أميركية، أو عبر تعاون أمني وتقني كانت حادثة اغتيال القيادي في حركة حماس محمود المبحوح في دبي في العام 2010 بمثابة العلامة الأهم عن مدى وعمق العلاقات تل أبيب وابو ظبي.

اغتيال المبحوح مثل نقطة تحول في هذا المسار الذي ما لبث أن تصاعد على كافة المستويات خلال العقد الماضي، وحفزت وتيرته المتسارعة المتغيرات التي شهدتها المنطقة العربية، والتي كانت كواليسها عبارة عن تنافس عربي-عربي على قيادة التطبيع وإدارة العلاقات مع إسرائيل.

أما عن إخراج “اتفاق السلام” وتوقيته، وربطه بمسألة عزم تل أبيب على ضم أراضي الضفة الغربية، فهو ما قد يستدعي الدهشة، خاصة أن هذه الخطوة لا تأتي لاسترداد أرض أو إنهاء حرب مثل حالتي مصر والأردن، أو حتى تطبيع اضطراري مثلما حدث مع سلطنة عُمان، ولكن لكون الإمارات وعلى مدار سنوات تحالفها مع إسرائيل كثيراً ما تجنبت الاشتباك في ما يخص الشأن الفلسطيني، سواء عملية السلام أو النزاع الداخلي الفلسطيني-الفلسطيني، والأهم أن هذا المبرر على أرض الواقع قد جاء بمثابة سردية دعائية تناقض حتى تصريحات بنيامين نتنياهو التي أعلن فيها استئناف خطة الضم، وإشارته إلى أن تعليقها كان بطلب من ترامب وليس أبوظبي.

يشي ذلك بأنّ “اتفاق السلام” هو باختصار فرصة لاستثمار انتخابي متبادل بين نتنياهو وترامب ليس لأبوظبي أي دور فيه سوى مبادراتها إلى إعلان ما هو هو حاصل بالفعل من حيث شمول التحالف بينها وبين تل أبيب الشأن الفلسطيني، حتى وإن كان من منظور تلاعب ومراوغة نتنياهو المعهودة.
هذه المجاملة الانتخابية لا تنفي بطبيعة الحال حصد أبوظبي لجهد سنوات من تحالفها مع تل أبيب على مختلف المستويات والمجالات، والتي فاقت فيها حتى الدول المطبعة مع إسرائيل بشكل رسمي وآخرها سلطنة عُمان، والتي تأتي كحسم لتنافس عربي-عربي للهرولة في اتجاه تطوير العلاقات مع تل أبيب بشكل قطعت فيه الإمارات أشواطاً ليس فقط على مستوى العلاقات الثنائية وتطبيعها بشكل تصاعدي في السنوات الأخيرة، ولكن لمستوى التحالف السياسي على أسس وتوجهات تقزمت بجوارها القضية الفلسطينية، التي مثلت في نفس الفترة مسألة هامشية لكل دول الخليج؛ فالتحالف العربي الإسرائيلي ومفاعيله في هذه السنوات القليلة الماضية كانت بوصلته احتواء التحركات الإيرانية على مستوى إقليمي ودولي، ويعبر عن مشتركات بين واشنطن وتل أبيب وعواصم خليجية كانت ولازالت أبوظبي الأسبق والأكثر فاعلية فيها، ولم يكن ينقصها سوى الصيغة الرسمية التي تكفل ترامب بتوفيرها من خلال تسويقها على أنها تأتي لصالح القضية الفلسطينية!

السيرورة الدعائية التي ساقتها الأطراف الثلاثة لا تعني فعلياً قيام الإدارة الأميركية بجهد وساطة لتطبيع العلاقات بين الإمارات وإسرائيل على غرار مثيلاتها مع الأردن أو مصر، ولكنها تعبر عن نمط معتاد في سياسة ترامب الخارجية القائمة على الاستثمار الدعائي في توقيت انتخابي يتشارك فيه مع نتنياهو في ضرورة تثمين إنجازه الأهم طيلة عهده وهو تطوير العلاقات الإسرائيلية-العربية إلى مستوى غير مسبوق، وهو الأمر الذي يزايد به نتنياهو على منافسيه في الداخل الإسرائيلي في السنوات الأخيرة.

أما الحديث عن أن هذه الخطوة جاءت كبديل لخطوة ضم أراضي الضفة الغربية، فهو بمثابة سردية دعائية تعبر عن مأزق نتنياهو الحالي في ضرورة تحقيق انجاز سياسي ما لدواعي انتخابية وداخلية أمام المزايدين عليه من باقي التيارات والأحزاب الإسرائيلية، والتي جعلت تسويف مسألة الضم مجرد إخراج ومبرر إعلامي لأبوظبي، يقطع الطريق أمام أطراف إقليمية منافسة، سواء بين شركاءها أو خصومها العرب، لاستغلال ردود الأفعال الفلسطينية والعربية على قرار الضم المزمع كفرصة للحيلولة دون أن تحتل الإمارات موقع القيادة في إدارة العلاقات العربية مع تل أبيب.

وبخلاف أن إسرائيل توظف وتستثمر في التنافس العربي-العربي لصالحها ، فإن مثل هذه الخطوات تأتي بلا مقابل تقريباً، وعلى أرضية أن هذه الدول العربية هي من تحتاج إلى علاقة قوية وتحالف صلب وعلني مع إسرائيل، ليس ثمنه فقط تنحية القضية الفلسطينية واعتبارها من الطرفين بمثابة عقبة في مسار مواجهة إيران ومؤخراً تركيا، ولكن أيضاً تحقيق نتنياهو لأقصى استغلال ممكن على مستوى دعائي وانتخابي وفي إطار السياسة الداخلية في إسرائيل، وهو النمط المميز للسنوات القليلة الماضية، والتي قدمت فيه الدول العربية الساعية لتطوير علاقاتها مع تل أبيب خدمات سياسية واقتصادية لإنقاذ حكومة نتنياهو أكثر من مرة، وتحول نمط التطبيع بين هذه الدول وإسرائيل إلى نمط شبكي-شراكاتي تتقزم إلى جواره أنماط المؤسساتية الرسمية الباردة المميزة لمرحلة ما قبل العام 2010.

كمحصلة عامة لإعلان الأمس، يمكن اعتبار أن علانية ورسمية العلاقات بين تل أبيب وأبوظبي ستشكلان تحفيزاً ضاغطاً لدول خليجية وعربية للإسراع في تطبيع علاقاتها رسمياً مع إسرائيل، وليس في معزل عنها السعودية وقطر، بجانب دول رأت أنظمتها السياسية أن الإسراع في إقامة علاقات مع إسرائيل بمثابة ضمان لاستمرارها واستقرار الأوضاع فيها وعزلها عن الكباش الخليجي -الخليجي، مثل السودان وعُمان، وأيضاً دافعاً لكل من القاهرة وعمان لتطوير علاقاتها بتل أبيب وبحث محددات جديدة لها لا تتوقف عند صفقات الغاز المليارية، كبديل لتحلل الدور الوظيفي لكل منهما في ما يخص “عملية السلام” والقضية الفلسطينية، التي باتت الآن مجرد حجة دعائية لتسويق خطوات بديهية ومتوقعة لمسار سنوات من التنافس العربي على قيادة قاطرة التطبيع مع إسرائيل.
المصدر: 180post