يعكس الغضب الشعبي صوب الطبقة الحاكمة السياسية في لبنان عقب وقوع الانفجار الكبير الذي وقع في بيروت، أزمة كُبرى في بنية السلطة وطبيعة القوى السياسية التي تتشارك في حُكم البلاد، تتجاوز ما قد يراه البعض إهمالًا أو فسادًا أدى لوقوع الحادث الذى أودى بحياة 135 فردًا، وأصاب نحو 5 آلاف، فيما لا يزال العشرات في عداد المفقودين.
ويضاعف من أزمة الطبقة الحاكمة أن الحادث يأتي متزامنًا مع أزمة اقتصادية خانقة يعيشها لبنان، واستقالات من وزراء سبقتها انتفاضة طالبت بتنحية كافة رموز النخبة الحاكمة. يحاول هذا التقرير التعرف على ارتدادت هذا الانفجار الكبير في مرفأ بيروت على كافة القوى السياسية والتحالف الحاكم، وحجم التغير المحتمل الذي سيلحق بالفاعلين المؤثرين في المشهد السياسي اللبناني.
حزب الله.. مزيد من الضغوط السياسية والعسكرية
يدفع الانفجار الذي هز العاصمة اللبنانية، يوم الثلاثاء، نحو مزيد من الضغوط السياسية والعسكرية على تنظيم حزب الله سواء من الداخل أو الخارج؛ وتحديدًا تحجيم مُحتمل في خياراته العسكرية أمام أي مواجهة مُحتملة مع إسرائيل، التي لا تزال تُشكل العامل الرئيسي للتنظيم في إعادة طرح نفسه عربيًا، وتعزيز شرعيته داخليًّا وخارجيًّا وسط أنصاره.
أول المؤشرات على هذا التحجيم هو التشكيك في قدرات التنظيم عسكريًا عبر إعادة نشر مقطع فيديو لحسن نصر الله، زعيم تنظيم حزب الله، يعود تاريخه لفبراير (شباط) 2016، يلوح فيه بإمكانية تفجير حاويات الأمونيا في ميناء حيفا بإسرائيل؛ وذلك ضمن حديث لنصر الله بعنوان «مقاومة لا تُهزم»، بمناسبة إحياء حزب الله الذكرى السنوية «للقادة الشهداء»، إذ اعتبره البعض دليلًا على ما وصفوه «بالفشل» في مواجهة إسرائيل والاكتفاء فقط بالشعارات، وأن الحزب فقط يحاول توظيف الخطب الإنشائية دون فعل حقيقي.
وتحدث نصر الله في الحديث ذاته عن أن «بعض الصواريخ من عندنا بالإضافة إلى حاويات الأمونيا في ميناء حيفا نتيجتهم نتيجة قنبلة نووية… بمنطقة يسكنها 800 ألف نسمة يُقتل منهم عشرات الآلاف»، وبعد هذا التهديد، اتخذت السلطات الإسرائيلية آنذاك خطوات عاجلة لإخلاء مخازن ميناء حيفا من الأمونيا، مما مثل عند البعض مفارقة كاشفة للفروق بين الخصمين.
يدعم صحة احتمالية تأثير انفجار مرفأ لبنان على خيارات التنظيم في مواجهة محتملة مع إسرائيل عدنان أبو عامر، خبير الشؤون الإسرائيلية، الذي ذكر عبر صفحته على «الفيسبوك» أن الإسرائيليين يضعون سيناريوهين لتأثيرات انفجار بيروت على العلاقات مع حزب الله هي أن الكارثة الضخمة التي ألحقت خسائر فادحة بلبنان، لن تسمح للحزب، بتنفيذ تهديداته للانتقام من الاحتلال، والمخاطرة بمواجهة عسكرية، والثانية أن هذا الحادث سيزيد بشكل كبير من عدم الاستقرار في لبنان، وقد ينعكس ذلك على إسرائيل.
ارتدادات الحادث على التنظيم تشمل أيضًا تصاعد الضغوط الداخلية والدولية على التنظيم للكشف عن مواقع تخزين أسلحته التي يتواجد بعض منها في مناطق مأهولة بالسكان سواء كانت في العاصمة أو خارجها، والمطالبات بتفريغها إن وجد فيها ما هو قابل للانفجار، وعلى الرغم من أن إرغام الحزب على ذلك في اللحظة الحالية هو احتمال بعيد، إلا أنه لو حدث حتى في مرحلة متقدمة مع المزيد من الضغوط، سيعرض الحزب لانكشاف كبير لقدراته العسكرية التي تخضع لسرية بالغة حتى بين أنصاره.
وتتقاطع النقطة السابقة مع ما ذكره تقرير منشور بصحيفة هارتز الإسرائيلية التي ذكر كاتب تقرير فيها أن النطاق الهائل للضرر والعدد الكبير من القتلى والجرحى سيثير أسئلة واضحة حول تخزين التنظيم للذخيرة والصواريخ والبنادق والمتفجرات في مناطق مأهولة، وأوضح كذلك أن الانفجار في الميناء يجعل قضية ضرورة الكشف عن مواقع متفجرات حزب الله أمرًا أكثر إلحاحًا سواء من الداخل والخارج، خصوصًا أن مخزون التنظيم من الأسلحة والصواريخ متواجد بالقرب من مناطق مأهولة بالسكان.
ويزيد من هذه الضغوط على التنظيم اكتشاف أجهزة استخباراتية غربية لهذه المتفجرات بحوزة عدد من عناصر حزب الله في لندن وجزء في ألمانيا، حيث ذكرت تقارير صحافية أن جهاز الاستخبارات البريطانية قبض على أعضاء منهم، كما ساعد الموساد الأجهزة الألمانية على اكتشاف عناصر حزب الله هناك وبحوزتهم مواد متفجرة.
آل الحريري.. هل تستمر ثنائية سعد وبهاء بعد الانفجار؟
لم ينج آل الحريري من الغضب الشعبي، وتحديدًا اسم سعد الحريري، الذي هاجمه عشرات المتظاهرين، محاولين عرقلة مرور موكبه خلال تفقده الأضرار الناجمة عن الانفجار بعد زيارته لضريح والده، ورد مناصرو تيار المستقبل على هذا الهجوم بالاعتداء على المتظاهرين في ساحة الشهداء وتشويه الخيم التي أقيمت هناك لإغاثة المتضرّرين من انفجار مرفأ بيروت.
وشمل الهجوم توجيه انتقادات واسعة للحريري لدوره من وجهة نظرهم في التستر على تخزين هذه المواد المتفجرة خلال تقلده المنصب الرسمي، ما قد يراه البعض أنه سيضعف من احتمالية عودة سعد الحريري لمنصبه رئيسًا للوزراء، ويعزز من فرص صعود شقيقه بهاء، خصوصًا في ظل سعي الأخير لتقديم نفسه لدول الخليج والخارج بديلًا لشقيقه، وحرصه عى إظهار أنه الرجل الأكثر تشددًا في التعامل مع حزب الله خلافًا لشقيقه، والأكثر أهلية لشغل منصب رئيس الوزراء ودعمه.
لكن وجهة النظر هذه تقابلها وجهة نظر أخرى يُعبر عنها جهاد الملاح، الصحافي اللبناني بعدد من الصحف العربية سابقًا، والمحاضر حاليًا في الجامعة الأمريكية في لبنان، في تصريحات خاصة لـ«ساسة بوست»، قائلًا موضوع بهاء يحتاج غطاًء دوليًا وعربيًا لا يزال غير موجود، فضلًا عن أنه لا يوجد قرار بالاستغناء عن دعم سعد، مؤكدًا أن الفكرة أن الخارج مُدرك أنه لا يمكن الإتيان بشخصية متشددة ضد حزب الله إلى هذه الدرجة كحال بهاء الذي اعتقد أنه يمكنه تقديم أوراق اعتماده بالهجوم الشديد على حزب الله، وذلك لأن النتيجة في هذه الحالة ستكون وقف البلد بالكامل.
وبحسب مصدر داخل تيار المستقبل ومقرب من آل الحريري، تحدث لـ«ساسة بوست»، شريطة عدم الكشف عن هويته، قائلًا إنه «لا شيء واضح حتى الآن، لكن هناك اتجاه يتصاعد أن ما جرى هو بفعل قصف جوي، بحسب آخر الفيديوهات، مؤكدًا أنه من المبكر معرفة التداعيات قبل صدور نتائج التحقيق وطبيعة الإجراءات والعقوبات. غضب الناس كبير وإذا لم تكن الإجراءات على قدر الكارثة أتوقع تحركات كبرى في الشارع».
وحول التظاهرات والهجوم على موكب الحريري، أجاب الملاح، الذي يعمل محاضرًا بالجامعة الأمريكية اللبنانية، هذا شيء روتيني يحدث دائمًا، وهو تظاهرة خلال مرور موكب مسؤول، موضحًا أن الثنائي الشيعي أمل وحزب الله يريدان عودة سعد الحريري، وربما يستعجل بري في تحضير الأجواء والأرضية لعودة الحريري من بوابة الاقتصاد الذي سينهار أكثر فأكثر.
التحالف الحاكم.. تغيرات دون تفكك
منذ بداية تقلد حسان دياب لمنصب رئيس الوزراء اللبناني، وهو يواجه صعوبات تتمثل في جلب دعم مالي خارجي يساعده على الخروج من الأزمة المالية التي تفاقمت في الشهور الأخيرة؛ كون الدول الخليجية، أحد أهم الداعمين ماليًا لللبنان، تراه محسوبًا على حزب الله، فضلًا عن صعوبة أخرى تتمثل في غياب الدعم الكامل من الطائفة السنية، التي رأته «منشقًا» عنها، عقب قبوله منصب رئيس الوزراء.
يتضح ذلك فيما نقله عبد الرحمن الراشد، الكاتب السعودي، والمُقرب من الأسرة الحاكمة، عن مصادر دولية: «يقول أحد المعنيين بالشأن اللبناني، دوليًا هناك 9 مليار دولار تنتظره، يمكن أن يحصل عليها لبنان فورًا إن وافق على إصلاحات حكومية، تشمل تحرير الجمارك والمطار والموانئ من سلطة الحزب، وكذلك عشرات الوزارات والخدمات التي أصبحت موردًا ماليًا للميليشيات، وليس للحكومة. هل يستطيع؟ على الأرجح لا».
غير أن هذه الصعوبة لا تعني أن يدفع الانفجار الأخير لتفكك محتمل للتحالف الحاكم بين حزب الله وميشال عون، الرئيس اللبناني، بحسب الملاح، الذي يضيف أنه ليس سهلًا تفكيك تحالف عون حزب الله؛ فالطرفان يحتاجان إلى بعضهما، قائلًا: «أنت تتحدث عن حزب الله وعون يعني نصف البلد؛ فهو تحالف بالإكراه بين الطرفين تقتضيه المصلحة المشترك التي تدفع الأزمات لزيادة تمتينها من أي ارتدادت محتملة وليس التفكيك»، ويُضيف الملاح أنه ليس من السهل التغيير في لبنان مهما كان الحدث كبيرًا، لأن الدولة لا تتمثل بجهة واحدة بل بعدة قوى سياسية كل منها لها شعبيتها، لكنه يستدرك قائلًا: «سيكون لهذا الحدث ارتدادات سياسية ستظهر درجاتها تباعًا».
المصدر: ساسة بوست