2024-11-24 05:40 م

الولايات المتحدة ترى في الاتفاقيات الاستراتيجية بين الصين وإيران "زعزعة للإستقرار في الشرق الاوسط"!!!!

2020-08-06
بقلم: د. بهيج سكاكيني 
الولايات المتحدة وخاصة في زمن هذه الادارة الحالية إدارة ترامب لم تترك بلدا من البلاد المناوئة لسياساتها الخارجية أو التي ترى فيها تهديدا لهيمنتها وغطرستها على الساحة الدولية الا وفرضت عليها العقوبات الاقتصادية والتي تعتبر بحق بمثابة إعلان حرب من نوع آخر. ولم تسلم من هذه السياسة حتى الدول التي تعتبر تاريخيا حلفاء للولايات المتحدة واعضاء في حلف الناتو والتي استخدمتها الولايات المتحدة كأدوات ضمن إستراتيجيتها الكونية في يوغسلافيا عام 1999 دون تفويض من مجلس الامن الدولي وقتل الالاف من المدنيين العزل نتيجة هذا القصف المدمر وفي أفغانستان 2001 الى يومنا هذا وهنالك تقديرات باستمرار تواجد قوات الناتو الى عام 2024 والى تدمير ليبيا عام 2011 والقصة تطول. وكل هذا لم يجنب بعض الدول الاوروبية وشركاتها من العقوبات الامريكية وخاصة في التعامل مع إيران وكذلك مع روسيا الاتحادية التي تورد ما يقرب من 30% من الغاز الطبيعي المسال الى الاسواق الاوروبية. ومنذ فترة ليست بالقليلة عمدت الولايات المتحدة على وضع كافة العراقيل امام استكمال خط الغاز الذي اطلق عليه نورد ستريم 2 الذي يمد الغاز الطبيعي الى المانيا مباشرة دون المرور بالاراضي الأوكرانية وهي الان تعمل على فرض عقوبات إقتصادية على الشركات الاوروبية التي ساهمت في هذا الخط الحيوي والاستراتيجي لتوفير الطاقة لبعض البلدان الاوروبية. أما العقوبات التي فرضت على إيران ومن جانب واحد من قبل الولايات المتحدة وخاصة بعد انسحابها من الاتفاقية الموقعة بين إيران والدول الست الكبرى حول برنامجها النووي فحدث ولا حرج. والمراد من هذه العقوبات السعي نحو تغيير النظام في إيران ,إضعاف دورها الاقليمي وخاصة دورها المتميز في محور المقاومة والدعم اللامتناهي لسوريا في محاربتها لجحافل الارهابيين المدعومين من قوى إقليمية من تركيا الى قطروالسعودية والامارات على وجه التحديد هذا الدعم الذي ساهم الى حد كبير في صمود الدولة السورية. وجانب اساسي من هذه العقوبات المفروضة على إيران هي الحد من قدراتها العسكرية وخاصة فيما يخص برنامجها في تطوير الصواريخ الباليستية هذه القدرات التي أصبحت تشكل هاجسا للكيان الصهيوني يؤرق مضاجع رموزه العسكرية والسياسية على حد سواء. والولايات المتحدة ترى في فرض العقوبات على إيران ومن جانب واحد إحدى السبل للحد من التعاون الايراني الروسي والايراني الصيني وخاصة وأنها ترى ان اي دخول لروسيا أو الصين الى المنطقة الاستراتيجة إنما يشكل تهديدا لمصالحها ليس فقط في الاقليم بل وعلى الساحة الدولية والذي أصبح واضحا وجليا في العديد من المناسبات في مجلس الامن الدولي حيث أصبحت كل من روسيا والصين تقف في وجه الغطرسة الامريكية وسياساتها العدوانية والنظام العالمي الاحادي القطب الذي تربعت على عرشه الولايات المتحدة بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وتفكك جمهورياته منذ مطلع تسعينات القرن الماضي والذي بدأ يتهاوى في السنوات القليلة الماضية. لقد انشغل الكثير من مراكز ابحاث الدراسات الجيواستراتيجية ومراكز الفكر القريبة من مراكز القرار الامريكي بهذا الحدث الذي ستظهر أثاره وارتداته على الساحة الاقليمية والعالمية الذي اتى في الوقت الذي نشهد وشهدنا فيه "الولايات المتحدة مقابل بقية العالم" بشأن حظر الاسلحة على إيران في مجلس الامن الدولي والحرب التجارية والسياسية والدبلوماسية والاعلامية التي تقودها الولايات المتحدة ضد الصين والتي وصلت الى أبعلد غير مسبوقة على الاطلاق بين البلدين منذ عقود والتي تسعى الولايات المتحدة بكل ما اوتيت من قوة ومن خلال التهديدات العلنية والمبطنة للدول الحليفة والادوات بأن ينضموا الى تحالف دولي ضد الصين وتصاعد نفوذها. ومن هنا نستطيع ان نرى ان هذا التحالف الاستراتيجي بين إيران والصين الذي لم يعلن عنه سوى القليل أنه يبعث رسالة قوية الى الادارة الامريكية ويشير الى التحول في موازين القوى على الساحة الاقليمية والدولية. ويجب ان نستذكر هنا الى أن الولايات المتحدة والابواق الإعلامية للدولة العميقة تعتبر الصين وإيران تشكل تهديدات أمنية خطيرة على ما يسمى "الامن القومي الامريكي" ومصالحها الاستراتيجية. ومن الضروري الاشارة هنا الى أن هذا التحالف لا يقوم فقط على الجانب الاقتصادي والتجاري والتنموي إنما يشمل أيضا المجالات العسكرية بما فيها الصناعات العسكرية وبناء بنى تحتية وتطوير موانىء ومجالات الطاقة والتعاون في تطوير القدرات والمعلومات التكنولوجية. بمعنى انه تحالف استراتيجي طويل الامد ومن هنا تكمن الارادة السياسية الصينية والايرانية في تحدي الغطرسة الامريكية وتسلطها وتوحشها. وتأتي هذه الاتفاقيات مع الصين وبهذا الحجم حيث يقدر البعض بأن قيمة هذه الاتفاقيات قد تصل مستقبلا الى ما يقرب من اربعة تريليون دولار لتؤكد مرة أخرى فشل الاستراتيجية التي اتبعتها إدارة ترامب "أقصى ضغط" والتي كانت أمريكا تأمل بان هذه الاسترتيجية ستجلب إيران الى طاولة المفاوضات مع هذه الادارة لفرض شروط استسلامية على إيران وخاصة في برنامجها الخاص بتطوير الصواريخ الباليستية. أتت الاتفاقات والتفاهمات الاستراتيجية مع الصين لتضرب هذا الحلم الامريكي في إنهيار الاقتصاد الايراني وإنهيار النظام في طهران. ومما لا شك فيه ان هذه الاتفاقية شكلت شريان حياة بالتخلص من سياسة الخنق الاقتصادي الذي يمارس عليها من قبل الولايات المتحدة. أما بالنسبة الى الصين فلا شك ان تطوير شبكات الاتصال البرية وتطوير أو بناء موانىء ذات قدرات استيعابية عالية ستسهم في نجاح طريق الحرير (الحزام والطريق). هذه المبادرة التي أطلقتها الصين منذ 2013 والذي تعد اكبر مشروع بنية تحتية في التاريخ البشري الذي يسعى الى ربط آسيا وأوروبا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية والوسطى بشبكات بحرية وبرية إقتصاديا الى جانب بناء مناطق صناعية على طول الطريق وقد وقعت على هذا المشروع ما يقرب من 160 دولة ومنظمة إقتصادية وتجارية وقد تم تنفيذ جزء كبيرا منه. هذا الطريق الذي عارضته وما تزال الولايات المتحدة وتضع العراقيل هنا وهناك والضغط على الدول لعدم المشاركة به وتخلق بؤر توتر في البلدان التي وقعت إتفاقيلت مع الصين بهذا الشأن كما حدث مع الفلبين وباكستان على سبيل المثال لا الحصر. وإحدى الاسباب الجوهرية في تحريك قضية الاقلية الايغورية في الصين من قبل الاعلام الامريكي وأجهزة استخباراته نابع من كون هذه المنطقة تشكل عصب اساسي ينطلق منه خط الحرير ويتوزع الى عدة بلدان من هناك. بالاضافة الى العامل الاقتصادي وما يجره هذا من فوائد على الصين فإن هذا التقارب الاستراتيجي مع إيران سيتيح للصين الوصول الى منطقة الخليج وبحر عمان والقرب من باب المندب وهي مناطق استراتيجية للغاية. والموقف الرسمي والتصريحات الامريكية تشير بشكل واضح الى المخاوف الكبيرة الامريكية إن لم نقل الرعب الحقيقي من هذا الارتباط الاستراتيجي بين إيران والصين على المدى البعيد. فقد عبر وزير الخارجية الامريكي بومبيو من هذه المخاوف في مقابلة أجرها مع محطة فوكس نيوز الامريكية بالقول " أن دخول الصين الى إيران سيزعزع استقرار الشرق الاوسط" وعلى " ان وصول أنظمة الاسلحة والتجارة والمال المتدفق من الحزب الشيوعي الصيني يفاقم فقط من المخاطر في المنطقة". ولا نريد ان نعلق كثيرا على هذه التصريحات الا أن نقول إن زعزعة الاستقرار الذي عبر عنه بومبيو يعني ببساطة زعزعة مكانة وهيمنة وتسلط الولايات المتحدة في المنطقة بتواجدها العسكري المكثف في الخليج ومن خلال قواعدها المنتشرة في المنطقة بأكملها كما انه يهدد أمن حليفتها الكيان الصهيوني الذي اصبح مهدد وجوديا من قبل محور المقاومة وعلى جبهات متعددة. والذي يبدو ومن السخرية ان بومبيو ورئيسه ترامب اكتشف الان ان الحزب الشيوعي الصيني هو الحاكم في الصين. هذا الغمز واللمز هدفه هو ببساطة محاولة يائسة لحث الدول الاسلامية للانضمام تحت مظلة التحالف الدولي المعادي للصين الذي تحاول الولايات المتحدة تشكيله من أجل المحافظة والدفاع عن مصالحها وإستراتيجيتها الكونية.