تساءلت داليا داسا كي مديرة مركز سياسات الشرق الأوسط بمؤسسة راند عن الدور "الإسرائيلي" بالتفجيرات الإيرانية الأخيرة. وذكرت في “واشنطن بوست”: هل تقوم "إسرائيل" بتخريب إيران؟ هذا ما نعرفه حتى الآن.
وقالت إن هناك أربعة أسباب وراء شن "إسرائيل" حرب الظل التي تقوم بها بطريقة أكثر وضوحا، ولكنها قد تترك تداعيات سلبية عليها. وتضيف أن إيران شهدت خلال الأسابيع الماضية سلسلة من التفجيرات غير العادية ضربت عددا من المنشآت الحيوية مثل مركز تخصيب نووي ومصانع وأنابيب غاز بشكل دعا عددا من الدبلوماسيين والمحللين للتكهن بوجود أصابع "إسرائيلية" أو أمريكية أو جهات أخرى في الهجمات.
ورغم صعوبة الحصول على معلومات حقيقية من داخل إيران إلا أن هناك أدلة متناقضة برزت خاصة فيما يتعلق بهجوم على مواقع مرتبطة بالبرامج الصاروخية والنووية. واستندت صحيفة “نيويورك تايمز” على “مصدر استخباراتي شرق أوسطي” زعم أن "إسرائيل" هي التي فجرت المنشأة النووية في نطنز، وفي البناية التي استأنفت فيها إيران نشاطات التخصيب بأجهزة الطرد المركزي المتقدمة. ونشرت صحيفة “ذا تايمز أوف إسرائيل” أن المسؤول عن هذا ربما كان مدير الموساد يوسي كوهين.
وترى الكاتبة أن هذه الحوادث تعكس توترا متزايدا وتصعيدا بين إيران والولايات المتحدة و"إسرائيل" منذ خروج الرئيس دونالد ترامب من المعاهدة النووية في أيار/مايو 2018. وتضيف أن التوتر المتزايد هي قصة عادية، بما في ذلك الطائرة المسيرة التي قتلت قائد فيلق القدس قاسم سليماني في كانون الثاني/يناير. وردت إيران بضرب قواعد عسكرية في العراق ينتشر فيها الجنود الأمريكيون. ولكن التوتر المتزايد بين إيران و"إسرائيل" غير مفهوم بدرجة كبيرة. واقترحت عدة تقارير أن "إسرائيل" وجدت فرصة الآن بضرب مفاعل نطنز وأنها قد تواصل عمليات التخريب في داخل إيران.
ولعل الدافع لهذا الاعتقاد له عوامل، الأول منها هو أن "إسرائيل" ترى الفرصة سانحة في ما تعتقد أنه ضعف إيراني. فمثل إدارة ترامب يعتقد صناع السياسة في "إسرائيل" أن إيران تعيش حالة ضعف. وبناء على محادثات مع محللين "إسرائيليين" فإنهم يرون الضعف الإيراني نابع من سياسة أقصى ضغط وآثار فيروس كورونا بالإضافة لتداعيات التظاهرات العامة التي شهدتها البلاد في الخريف الماضي.
ويرى المحللون الأمنيون "الإسرائيليون" وباستثناءات قليلة أن عملية قتل سليماني كانت ناجحة، وهم بهذه الحالة يتفقون مع رواية إدارة ترامب أن العملية أعادت سياسة الردع التي تمنع إيران من ضرب الأهداف الأمريكية أو شركائها في المنطقة، مع أن الحديث هذا جاء في وقت ردت فيه الجماعات الموالية لإيران في العراق بهجمات صاروخية ضد الجنود الأمريكيين وقتلت جنديين أمريكيين وآخر بريطانيا.
وحاولت إيران في نيسان/إبريل شن هجوم إلكتروني ضد البنى التحتية المائية "الإسرائيلية". فيما فشلت الولايات المتحدة بالحصول على دعم دولي لتمديد حظر السلاح على إيران الذي سينتهي في تشرين الأول/أكتوبر. ومن وجهة نظر "إسرائيل" فضعف إيران وعزلتها يخلق فرصة لعمليات جديدة. وقال مسؤول دفاعي "إسرائيلي" بارز إن الإيرانيين ينتظرون نهاية فترة ترامب ويأملون باتفاقية نووية جديدة مع جوزيف بايدن.
أما العامل الثاني وراء النشاط "الإسرائيلي" المحتمل في إيران فهو “عقيدة الأخطبوط” "الإسرائيلية". وبناء على هذه العقيدة يجب ضرب إيران مباشرة. وهذه العقيدة دعا إليها الوزير "الإسرائيلي" نفتالي بينت وتشمل ضرب الإيرانيين في سوريا والعراق وليس الجماعات الوكيلة عن طهران بالمنطقة مثل حزب الله اللبناني.
يضاف إلى هذين العاملين عامل ثالث وهو تاريخ "إسرائيل" في ضرب المواقع النووية بالمنطقة ومنع أي دولة من اكتساب القوة النووية. فقد دمرت "إسرائيل" مفاعل أوزيراك العراقي عام 1981 والمنشأة النووية السورية في الكبار عام 2007 وساعدت كما قيل بشن حرب إلكترونية ضد أجهزة الطرد المركزي الإيرانية عام 2009 حيث تم نشر فيروس ستاكسنت. وحتى لو كانت الهجمات ناجحة فمن غير الواضح أنها حققت مكاسب إستراتيجية. وفي بعض الحالات زادت من السباق الإقليمي على التسلح النووي.
ووجد العالم السياسي مالفريد بروت- هيغهامر أدلة أرشيفية على أن تدمير مفاعل أوزيراك دفع صدام حسين للبحث عن طرق لبناء القدرة النووية وعلى مدى عقد من الزمان. وتوقفت المحاولات بشكل عملي بعد حرب الخليج 1991 عندما قامت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بإزالة الأسلحة المرتبطة بالبرامج النووية ودمرت المنشآت النووية المعروفة.
ورغم تدمير أجهزة الطرد المركزي في هجمات ستاكسنت إلا أنها عمقت الرغبة الإيرانية بتطوير برامج نووية سرية. بل واستطاعت تطوير برامجها النووية بطريقة تمكنها من تحويل اليورانيوم إلى أسلحة وبمدى أسابيع، وذلك حسب بعض التقارير. وأهم من كل هذا وهو العامل الرابع أن إدارة ترامب لا تقوم بالحد من نشاطات "إسرائيل". فهي وإن لم تستبعد عملا عسكريا علنيا ضد إيران ولكنها كما ورد في تقرير “نيويورك تايمز” تقوم بالتنسيق مع "إسرائيل" في العمليات الأخيرة.
وفي الحد الأدنى ربما كان لدى "إسرائيل" الضوء الأخضر، في وقت يختفي فيه النقاش داخل المؤسسة العسكرية والسياسية والأمنية حول منافع الخيارات العسكرية ضد إيران كما كان يحدث في الماضي. وبناء على هذه العوامل الأربعة فتورط "إسرائيل" بالهجوم على مفاعل نطنز ليس مستغربا بل وهناك عمليات أخرى قادمة. لكن رهان "إسرائيل" على عدم الرد الإيراني فيه مخاطرة. فمن الصعب السيطرة على التصعيد عندما تكون الأمور ملتهبة، خاصة عندما يضغط المتشددون باتجاه رد انتقامي. وبعمليات كهذه تقوم أمريكا و"إسرائيل" بدفع إيران نحو تمسك أقوى بالبرنامج النووي ومواجهات إقليمية خطيرة.