بقلم: جمال زحالقة
الإعلان الإماراتي عن توقيع اتفاق بين شركة جي – 42 وشركة الصناعات العسكرية «رفائيل»، وشركة الصناعة الجوية الإسرائيلية، بمثابة طعنة من الخلف لشعب فلسطين ولكل أبنائه وبناته فردًا فردًا. ففي هذه الأيام التي يواجه فيها مشروع الضم الخطير و»صفقة القرن»، التي هي أسوأ وأفظع مشاريع الحل التي واجهها في تاريخه، نجد دولة عربية تبوح بلا خجل بتطوير علاقاتها مع إسرائيل، وتعلن رسميًا عبر وسائلها الإعلامية، عن خطوة مفضوحة لدعم بنيامين نتنياهو، وهو يقوم بتصعيد حرب إبادة الحقوق السياسية للشعب الفلسطيني.
كل العالم يهاجم نتنياهو بسبب الضم، والإمارات تطوّر علاقاتها معه، ما سمح له بالتبجح «كلّما كنا أقوى وأعظم، نردع أعداءنا ونقرّب أصدقاءنا»، وهو يعتبر فلسطين عدوًّا، والإمارات في معسكر الأصدقاء، وقل لي من هم اصدقاءك أقول لك من أنت.
لا ينطلي علينا القول بأن الإمارات ضد الضم، وأنّها وجهت رسائل بهذا الشأن إلى الإدارة الأمريكية. الحقيقة ان الإمارات تريد، هي وغيرها، فرض «صفقة القرن» كرزمة واحدة على القيادة الفلسطينية، وترى أن تنفيذ الضم (الذي هو بند من بنودها) من طرف واحد يعيق تطبيق المشروع الأمريكي ودفنه تمامًا. وهي وغيرها قالوا لإدارة ترامب، بأنهم أمريكيون أكثر من الأمريكين، وبأن تنفيذ الضم يفشل خطة الرئيس، وبأنّهم مستعدّون للمساهمة في «إقناع» القيادة الفلسطينية بقبول الدخول في مسار «صفقة القرن»، وذلك عبر محاصرتها، وعبر سلسلة من الإغراءات المالية وسلسلة أطول من الضغوط والعقوبات. وإذا لم تقتنع القيادة الفلسطينية، فإنّ زعامة الإمارات، المصابة بجنون العظمة، تعتقد أن بإمكانها استبدالها بقيادة فلسطينية أخرى، يسهل إقناعها بالموقف الأمريكي الإسرائيلي الإماراتي.
من المعروف أن نتنياهو كذّاب، لكنّه لا يكذب حين يوجّه كلامه للفلسطينيين قائلًا، بأن علاقاته ببعض الدول العربية أفضل من علاقاتهم بها. لقد التقيت العام الماضي، بمشاركة بعض الزملاء، بوزير خارجية دولة أوروبية، وقال لنا هذا الوزير، بأن نتنياهو حين يلتقي وزراء أوروبيين ويوجهون له انتقادات يجيبهم: «أستغرب أمركم، لماذا أنتم ضدي، وهناك دول عربية مهمة معي، فلو كنت ضد العرب لما كانوا معي». نتنياهو يبدو لا يفهم نفسية الخنوع عند أصدقائه العرب، فهم معه أكثر وهو ضد الفلسطينيين والعرب. علاقات الإمارات مع إسرائيل، التي معظمها سريّة، بدأت بالظهور على الملأ عبر خطوات مدروسة، والهدف سياسي محض وهو بناء تحالف أمريكي عربي إسرائيلي علني في المنطقة، لمواجهة «الخطر الإيراني النووي والاستراتيجي»، وطريق بلورة هذا التحالف تبدأ بالدوس على حقوق الشعب الفلسطيني، وإراحة «الحليف الإسرائيلي» منها. صحيح أنه ليس للإمارات كدولة، أي مصلحة في العلاقة مع إسرائيل، ولكن صلف زعامتها لا يعرف الحدود، وهي تريد أن تظهر كمن لا يهمه شعب فلسطين ولا الأمة العربية كلّها طالما ترامب في ظهرها. في عهد أوباما، الذي سعى للمصالحة مع إيران، لجأت الإمارات ودول عربية أخرى إلى التحالف مع نتنياهو، الذي يعارض أي تفاهم مع إيران. لقد انتهى عهد أوباما وجاء ترامب، الذي لا يقل تطرفًا في موقفه عن نتنياهو، فلماذا ما زالت هذه الدول تتمسك بنتنياهو، وبعبارة أخرى: من عنده ترامب ما حاجته لنتنياهو؟
ما يزيد من خطورة الخطوة الإماراتية بالإعلان عن اتفاقية تعاون مع الصناعات العسكرية الإسرائيلية، هو أنّها ليست خطوة يتيمة فرضتها ظروف عابرة، بل هي تندرج ضمن سياسة باتجاه واضح، وهو التحالف مع إسرائيل وليس مجرد بناء علاقات معها. التحالف مع إسرائيل يكون بالضرورة عبر معاداة الشعب الفلسطيني والتواطؤ مع الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة والمتكررة عليه، وعلى حقوقه، وعلى أرضه ووطنه. كنا ندعو إلى حراك فلسطيني ودولي للتصدّي لنتنياهو وإسرائيل، وأصبحنا بأمس الحاجة للتصدي لمؤامرة إماراتية، مدعومة من الولايات المتحدة، ومن بعض دول الخليج، ولوقفة عربية وفلسطينية قوية لردع زعامة الإمارات عن الوقوف مع نتنياهو وترامب ضد الشعب الفلسطيني. إذا لم ترد الإمارات دعم فلسطين فلترفع يدها عنها على الأقل، لقد أصبح حياد بعض الدول العربية إنجازًا مهمًّا.
رئيس حزب التجمع الوطني في أراضي 48