2024-11-24 05:58 م

هل تحولت الامارات لوسيط بين الأردن وإسرائيل؟

2020-07-03
برلين/فرح مرقة

يستحضر عاهل الأردن الدور الإماراتي مع نظيره المصري بالحديث عن مواقف عربية مساندة للأردن في ملف ضم إسرائيل لأجزاء من الضفة الغربية وغور الأردن، بينما تسقط دولةٌ كالسعودية من الإشادة الملكية، فيُفتح باب التساؤلات تارة عن دور أبو ظبي حين تشكل ثلاثية مع الدولتين المطبّعتين تاريخيا (أي الأردن ومصر باعتبارهما الدولتين اللتين لديهما معاهدتي سلام مع اسرائيل) في ملف الضم، وتارة أخرى عن غياب دول إقليمية مهمة أخرى في الملف ذاته.

الملك عبد الله الثاني، أشاد بحضور المتقاعدين العسكريين إلى ما وصفه بالتحرك الدبلوماسي الإماراتي النشط الذي يقوده ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، والمراقب للدبلوماسية الأردنية يرى جيدا ان عمان نسّقت خطواتها الأخيرة مع العاصمة الإماراتية بالخطوة دوناً وأكثر من كل العواصم الأخرى، إذ هاتف الملك عبد الله ولي عهد أبو ظبي بمجرد انتهائه من المحادثات مع الكونغرس الأمريكي مباشرة قبل أسبوعين تقريباً، وقبيل إرساله وزير خارجيته أيمن الصفدي إلى رام الله للقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس.

اللافت بالأمر أن الإمارات تحولت خلال الفترة ذاتها إلى الدولة الأكثر علنية في تطبيع العلاقات مع إسرائيل في وقت حرج تمثّل بوعود الضم الإسرائيلية، إلى جانب مقاطعة الفلسطينيين لأي مفاوضات مع إسرائيل، والأهم من كل ذلك أنها بذلك خالفت تماما الإجماع العربي الذي كان متمثلا بمبادرة السلام العربية التي قدمتها وترعاها السعودية منذ عام 2002.

الإمارات ظهرت وكأنها خلال الأيام الماضية، الدولة الوحيدة التي تريد أن تتمتع بعلانية في العلاقات مع الإسرائيليين وبصورة رسمية، وهو الأمر الذي يتغير موقف عمان ومليكها تجاهه خلال الأشهر الأخيرة بعد ان كان قد ابدى انزعاجه من تطبيع الدول العربية المفترض انها ملتزمة بالمبادرة العربية الرافضة للتطبيع قبل حل القضية الفلسطينية، ما كان يعتبره يزيد التضييق على عمان ودورها ويعزز لامبالاة إسرائيل بمخاوفها.

للأمر بهذا المعنى عدة أوجه، إذ يُظهر عمليا محوراً واضحاً تجتمع فيه الدول الثلاث (أو على الأقل هذا ما يحاول ملك الأردن إبرازه حيث يتحدث عاهل البلاد منذ سنوات عن التغيرات في التحالفات ضمن جلساته مع العسكر ورجالات الجيش)، بينما تغيب عنه الرياض وهو الذي يظهر المزيد من الشقاق والنزاع في العلاقات الإماراتية السعودية من جهة وفي العلاقات بين الرياض وجيرانها أيضا.

ذات المشهد يظهر أيضاً أدواراً تختلف، إذ يبدو أن عمان مع القاهرة وأبو ظبي تقاسموا الأدوار في الملف الفلسطيني- الإسرائيلي، حيث أبو ظبي تتكفل بالأخيرِين بعد إشكالات واضحة مع السلطة الفلسطينية تحت عنوان علني كـ “تبرير التطبيع”، بينما تتكفل عمان بجانب السلطة الفلسطينية ومصر بحركة المقاومة الفلسطينية “حماس” بحكم علاقاتها مع غزة.

أبو ظبي وعمان.. مرحلة جديدة من التحالف..

تقاسم أدوارٍ قد يكون على أرضية واقعية في الجغرافيا السياسية، إلا أنه يعني بالضرورة الكثير من التغيّرات والاختلافات بين ما يظهر على السطح وما يحصل خلف الكواليس والحديث هنا لا يعني المشهد بملف الضم وحده، فحلفٌ من هذا النوع يبدأ على أرضية ليبية (حيث تدعم الدول الثلاث الجنرال الذي يفتقد للشرعية الدولية خليفة حفتر) وتمتد إلى العلاقات مع تركيا والتي يفترض وفقا لسفير الأردن الأول لإسرائيل وأحد أكثر الخبراء في معاهدة وادي عربة الدكتور مروان المعشر ان تشكل مجددا مساحة مناورة للأردن، ولا تنتهي عند ما يشكو منه الاخوان المسلمون داخل المملكة من تضييق، وما يظهر من تهميش لدورهم في ملف الضم ذاته.

عمان اليوم وبعد ان استعانت بتركيا لمواجهة إعلان الرئيس الأمريكي تبدو عمليا في أبعد نقطة عنها، رغم ان أنقرة لا تزال تظهر دعمها للوصاية الهاشمية في القدس والدور الأردني بفلسطين، ولكن الأردن يجنح نحو خصوم أنقرة بوضوح وصلابة، تاركاً جزءا من حميمية العلاقات مع تركيا لصالح التقارب المشروط أيضا مع قطر.

في ملف العلاقات مع قطر، بات من الممكن القول ان عمان قد تلعب دور الجسر مع الدولتين اللتين خذلتهما الرياض في محادثات أحادية مع الدوحة في وقت مبكر هذا العام، وهو أمر يمنح العاصمة المزيد من رياح الوسطية بين محاور الشرق الأوسط المرسوم معظمها على رمال صحرائه.

في الداخل ومنذ أيلول الماضي مالت كفة مؤسسات الدولة الأردنية ضد الاخوان المسلمين تحت غطاء إضراب المعلمين، فيما ظهر في كواليس العاصمة الأردنية كمحاولة إعادة توازن للعلاقات مع الإمارات بعد الأزمة التي عايشتها العائلة المالكة مع حاكم دبي محمد بن راشد، إثر خلاف عائلي.

في هذا السياق يمكن الملاحظة بسهولة أن الأزمة عادت، وان النقابة تلقت رسائل صارمة وحساسة بعد “شطب” علاوات المعلمين، كما برز التضييق على الاخوان المسلمين في ازمة كورونا حيث منعت جمعياتهم من تقديم المساعدات وظهروا حتى في التحرك ضد ضم الضفة الغربية بأسوأ قدرة على التحشيد منذ زمن.

هنا بالضرورة يمكن استرجاع مشهد القيادي الاخواني والنائب سعود أبو محفوظ وهو يعتصم وحيدا امام السفارة الامريكية أيضا ضمن محاولة فهم المشهد الأردني وانعكاسات الخارج على الداخل، إلى جانب ما كتبت عنه “رأي اليوم” سابقا عن الاستثمارات الإماراتية في مجال مصانع الغذاء في عمان.

العلاقة مع أبو ظبي لها مزاياها أيضا، حيث تحاول عمان أيضا التأكد من عدم خسارة مواطنيها في الامارات لوظائفهم كما استمرار الجانب الاقتصادي والعسكري من التعاون. أما في سياق تطبيع العلاقات مع إسرائيل، فيمكن الاستماع لوجهة نظر وزير الاعلام الأسبق والاطول خدمة في تاريخ المملكة الرابعة الدكتور محمد المومني وهو يؤكد لـ “رأي اليوم” ان “أي علاقات عربية مع إسرائيل لن تتجاوز حقوق الفلسطينيين وأي اعتقاد مخالف لذلك هو محض وهم سياسي”.

رأي المومني بالغالب لا يبنى على انطباعات، ما يمكن أن يفهم منه رأي الدولة وقناعتها ويمكن أيضا عبره استجلاء التبدل في الحديث عن التطبيع العربي. هنا قناعة الدولة وليس شرطاً أن تعكس الواقع ولا ألّا تعكسه.

هنا القاهرة..

لا يحتاج المتابع كثيرا ليدرك ان التنسيق الأساسي في الحلف المذكور اليوم يجري بالنسبة لعمان مع أبو ظبي اكثر من القاهرة، ولكن ذلك لا يمنع ان يتحدث الملك باعجاب بحضور متقاعدين عسكريين عن العلاقات الأردنية المصرية، وهو الذي عبر مرارا عن اعجابه بتجربة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

في حضرة العسكر، حين يشيد عاهل الأردن بمصر فالاشارة واضحة، خصوصا بعدما حظيت عمان (ولا تزال) بوقت يشارك فيه الجيش بإعادة ترتيب البيت الداخلي على نطاق واسع وناجع خلف الكواليس منذ بدء جائحة كورونا والعمل بقانون الدفاع.

أما مع مصر، فالترتيب على قدم وساق لمنتدى غاز شرق المتوسط، والذي يضم عمان والفلسطينيين بالإضافة لإسرائيل واليونان وقبرص، وهنا ملف مرتبط عضويا بضم الضفة الغربية يمكن متابعته بصورة حثيثة خلال الأيام المقبلة، تزامنا مع بدء ضخ الغاز الإسرائيلي لعمان مع نظيره المصري.

بكل الأحوال، ان تتحالف العاصمة الأردنية مع الامارات ومصر ليس جديدا ولكن الجديد حتما ان يحصل ذلك في ملف ضم الضفة الغربية والاغوار، كما ان يحصل بعيدا عن شراكات تقليدية في الملف تتضمن الكويت وتركيا وقبلهما السعودية، هنا سؤال مفتوح قد تظهر الأيام المقبلة جانبا من اجاباته.


المصدر/ رأي اليوم