2024-11-16 06:23 م

الكتاب الذي حاول ترامب منعه.. قراءة شاملة في كتاب بولتون المثير للجدل

2020-06-26
بعد تأجيل طرحها مرة تلو أخرى، وفشل الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في استصدار أمر قضائي بمنع نشرها، صدرت أخيرًا مذكرات مستشار الأمن القومي السابق، جون بولتون، في كتابه الجديد بعنوان: «الغرفة التي شهدت الأحداث»، في 570 صفحة، مقسمة إلى 15 فصلًا، بالإضافة إلى ألبوم صور يظهر أبرز الشخصيات التي التقاها المؤلف، وأهم المحطات التي كان شاهدًا عليها.

يسرد بولتون قصته مع ترامب والمراحل المختلفة التي مر بها منذ فوز ترامب بالرئاسة، حتى تعيينه مستشارًا للأمن القومي، وصولًا إلى استقالته التي قدمها في سبتمبر (أيلول) العام الماضي. وينقل كتاب بولتون الجديد الصورة من داخل البيت الأبيض كما لم ينقلها أي ممن دخلوا إدارة ترامب، ويحكي عن قضايا عديدة كان لترامب فيها مواقف جدلية، فيشرح خلفياتها وما دار بين وزرائه ومستشاريه في الكواليس، ومن هذه القضايا: الانسحاب الأمريكي من سوريا والعراق، واغتيال الصحافي السعودي خاشقجي، وطريقة التعامل مع روسيا، والعلاقة السياسية والاقتصادية مع الصين، والانسحاب من حلف الناتو، واتفاق السلام مع طالبان.

نقدِّم في السطور التالية عرضًا شاملًا لأبرز المحاور التي تضمنها كتاب بولتون الجديد، الصادر عن دار نشر «سايمون وشوستر».

1. المسيرة الطويلة إلى مكتب الجناح الغربي

في الفصل الأول من الكتاب، يستعرض بولتون الظروف التي تولى فيها منصب مستشار الأمن القومي في إدارة الرئيس ترامب، قائلًا: عندما تعمل مستشارًا للأمن القومي تجذبك كثرة التحديات التي تواجهك. وإذا كنتَ تنفر من الاضطرابات، ولا تحب مقابلة شخصيات دولية ومحلية، فجرِّب شيئًا آخر. إن العمل في مثل هذا الموقع أمر مبهج، ولكن يصعب سبر أغواره.

«محور الراشدين».. هل نجح في كبح جماح ترامب؟

يعجز بولتون في كتابه عن تقديم نظرية شاملة عن تحوَّل إدارة ترامب؛ لأنه يتعذر ذلك في رأيه. والحقيقة التي خلص إليها هي أن ترامب كان دائمًا غريبًا ومترددًا؛ إذ خضع في الأشهر الـ15 الأولى لـ«محور الراشدين» (مصطلح يستخدم في واشنطن للإشارة إلى: الجنرالات وقادة الأعمال وأعضاء الحزب الجمهوري الذين يكافحون لتوجيه دفة الرئيس، وكبح جماح نزواته التخريبية). لكنه مع مرور الوقت، أصبح أكثر ثقة، ولا يحيط به إلا الإمَّعات – على حد وصف بولتون – وتسبب «محور الراشدين» في مشكلات دائمة؛ ليس لأنهم تمكنوا من إدارة ترامب بنجاح، ولكن لأنهم فشلوا في ذلك.

يضيف بولتون: لقد اعتقدتُ لفترة طويلة أن مهمة مستشار الأمن القومي هي التأكد من أن الرئيس يستوعب الخيارات المتاحة أمامه لاتخاذ القرار الصحيح، ومن ثم التأكد من تنفيذ الجهات المعنية لهذا القرار.

لكن «محور الراشدين» خدم ترامب على نحو سيئ للغاية، باتباعهم مصلحتهم الشخصية وإدانة أهداف ترامب على الملأ، مما أثار شكوك ترامب فيمن حوله. ويستدرك المؤلف: «محور الراشدين» ليس مسؤولًا بالكامل عن هذه العقلية، فترامب هو ترامب.

رغبة بولتون في منصب مستشار الأمن القومي

يضيف المؤلف: بعد أقل من شهر في الإدارة، دمَّر مايك فلين، مستشار الأمن القومي، نفسه بنفسه، وفقد ثقة ترامب الكاملة. ولسوء الحظ، كان الارتباك والاضطراب هما سِمَتَي موظفي مجلس الأمن القومي في الأسابيع الثلاثة الأولى للإدارة. وتكهَّنت الصحافة بأن خليفة فلين سيكون جنرالًا آخر.

في يوم الجمعة، 17 فبراير (شبَّاط)، أرسل ستيف بانون رسالة نصية إلى بولتون يطلب منه الحضور إلى منتجع مار ألاجو لمقابلة ترامب خلال عطلة نهاية الأسبوع. وحين وصل بولتون أخبره أحد الضيوف بأنه سمع ترامب يقول عدة مرات: «لقد بدأت أحب بولتون حقًّا».

استقبله ترامب بحرارة، معبِّرًا عن مدى احترامه وسعادته بترشيحه مستشارًا للأمن القومي، وعرض عليه مناصب أخرى فرفض بولتون بأدب، قائلًا: «أنا مهتم بوظيفة مستشار الأمن القومي فحسب». في طريقه إلى واشنطن، وبينما هو على متن الطائرة، علم بولتون أن ترامب اختار هربرت ماكماستر مستشارًا للأمن القومي.

أولى نصائح بولتون لترامب

عاد بولتون إلى البيت الأبيض في يونيو (حزيران) لرؤية ترامب، وهنأه على الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، وحذره من إضاعة رأس المال السياسي لتحقيق هدف بعيد المنال يتمثل في حل الصراع العربي الإسرائيلي.

أيّد بولتون بشدة نقل السفارة الأمريكية في إسرائيل إلى القدس، والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل. وفيما يتعلق بإيران، حثَّ ترامب على المضي قدمًا في الانسحاب من الاتفاقية النووية، لكن بينما كان بولتون يحذر من استخدام العنف في هذا الملف ويرشحه آخر خيار، كان ترامب من ناحيةٍ أخرى يعبِّر عن دعمه لنتنياهو إذا اتخذ قرارًا بالعنف ضد إيران.

دولي

منذ 9 شهور

مترجم: ماذا يعني رحيل جون بولتون بالنسبة لإسرائيل؟

هكذا عرض ترامب المنصب على بولتون

في تلك الفترة، هاجمت فرقة اغتيالات روسية الجاسوس الروسي السابق، سيرجي سكريبال، وابنته في مدينة سالزبوري الإنجليزية. وطردت رئيسة الوزراء تيريزا ماي ثلاثة وعشرين من عملاء المخابرات الروسية السريين.

رغم مكالمته مع بوتين، التي هنأه فيها على إعادة انتخابه، طرد ترامب، فيما بعد، أكثر من 60 «دبلوماسيًّا» روسيًّا لإظهار التضامن مع لندن. وفي يوم الأربعاء، 21 مارس (آذار) 2018، تلقّى بولتون اتصالًا من ترامب قال فيه: «لدي وظيفة لك ربما تكون أقوى وظيفة في البيت الأبيض»، وعندما بدأ في الإجابة، أضاف ترامب: «لا، أفضل حقًّا من رئيس الأركان»، وانتهت المكالمة بالاتفاق على لقائه مع ترامب في المكتب البيضاوي في اليوم التالي. وتحدثا فيه عن إيران وكوريا الشمالية.

لاحقًا، غرَّد ترامب قائلًا: «يسرني أن أعلن أنه ابتداءً من 4/9/2018، سيكون جون بولتون مستشارًا جديدًا للأمن القومي».

ما دوافع بولتون لقبول هذه الوظيفة؟

يجيب بولتون في كتابه: «لأن أمريكا واجهت بيئة دولية خطيرة للغاية، واعتقدت أنني أعرف ما يجب فعله. كان لدي وجهات نظر قوية حول مجموعة واسعة من القضايا».

وماذا عن ترامب؟ يجيب بولتون: «لا يمكن لأحد أن يدعي في هذه المرحلة أنه لا يعرف حجم المخاطر الموجودة، لكنني اعتقدتُ أيضًا أنه يمكنني التعامل معها».

ويضيف: لقد راقبتُ ترامب عن كثب خلال ما يقرب من 15 شهرًا في منصبه، ولم يكن لدي أي أوهام بأنني أستطيع تغييره، وعقدت العزم على إجراء عملية منضبطة وشاملة، لكنني سأحكم على أدائي من خلال كيفية تشكيل السياسة بالفعل، وليس من خلال المقارنة بأدائي مع إدارات سابقة.

Embed from Getty Images


مستشار الأمن القومي، جون بولتون (يسار الصورة)، بجانب رئيس الأركان، جون كيلي (وسط)، والمستشار الاقتصادي لترامب، لاري كودلو.

2. ابكِ على الخراب.. وأطلِق كلاب الحرب!

استهل الفصل الثاني من كتاب بولتون الجديد باستعادة مشهد استخدام الجيش السوري الأسلحة الكيميائية في الهجوم على مدينة دومة ومناطق أخرى قريبة منها، الأمر الذي أسفر عن عشرات القتلى ومئات الجرحى، فما كان من الولايات المتحدة الأمريكية إلا أن ردت بحزم من خلال إطلاق 59 صاروخ كروز على المواقع المشتبه بها.

لم تتعلم الديكتاتورية السورية الدرس، وأخفق الردع الأمريكي، وبات الشاغل هو كيفية الرد كما ينبغي، حسبما ذكر بولتون في كتابه، لافتًا إلى تغريدة الرئيس ترامب، التي ندد فيها بمقتل الأبرياء من جراء الهجوم الكيماوي الذي عزل المنطقة عن العالم بأسره، معتبرًا بوتين، وروسيا، وإيران مسؤولين عن هذه الفظائع لدعمهم الأسد «الحيوان».

الخطر الأكبر في نظر بولتون: إيران

يشير المؤلف إلى أن اقتراح جاك كين، نائب رئيس هيئة الأركان في الجيش الأمريكي سابقًا، لقي استحسانًا لدى ترامب عندما شاهده على قناة «فوكس نيوز»؛ واقترح كين تدمير المطارات الحربية الأساسية الخمسة في سوريا، مما سيترتب عليه هزيمة قوات الأسد. في ذلك اليوم، أبدت فرنسا وبريطانيا دعمهما للهجوم العسكري بقيادة الولايات المتحدة.

إلا أن ما يجري في سوريا، أيًّا كان من يحكمها، ما كان ليلهي الولايات المتحدة عن الخطر الحقيقي – في رأي بولتون – وهو إيران.

العقبة الحقيقية وفقًا لـ«ماتيس»: روسيا

على الجانب الآخر، كان وزير الدفاع الأمريكي، جيم ماتيس، يرى أن روسيا هي العقبة الحقيقية، وعزا ذلك إلى اتفاق أوباما غير الحكيم مع بوتين في 2014 بشأن الإجهاز على قدرة سوريا في مجال الأسلحة الكيماوية، وهو ما لم يحدث بوضوح.

وينبه بولتون في كتابه إلى أن إدارة ترامب لم تتخذ قرارًا نهائيًّا بشأن الانسحاب الأمريكي من سوريا، بيدَ أنها رأت أنه من الضروري كبح لجام إيران في حال الانسحاب الأمريكي، وهو ما ناقشه مع نظيره البريطاني، مارك سدويل، في أولى مكالماته مع مسؤول خارجي، وفوجئ حينها سدويل بنية الانسحاب التي لم يعلم عنها من قبل.

ويصف بولتون كيف اتصل ماكرون هاتفيًّا بترامب وحثه على اتخاذ إجراء فوري، وهدد أن فرنسا ستتصرف بمفردها في حال التأجيل من جانب الولايات المتحدة. رغم أن تهديده كان استعراضيًّا في رأي بولتون، كان ماكرون محقًّا، بشأن اتخاذ إجراء فوري وحاسم، لإنه كلما كان القصاص أسرع، باتت الرسالة أكثر وضوحًا للأسد وغيره.

أردوغان يتملَّص من التورط في الهجوم الأمريكي.. و«يحاضر» ترامب وبولتون

أثناء إطلاع ترامب على المستجدات قبل اتصاله الهاتفي مع الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، أكد بولتون له أنهم توصلوا إلى الصيغة المناسبة وهي:

أولًا: هجوم ثلاثي (الولايات المتحدة– فرنسا– بريطانيا)، وليس هجومًا أحاديًّا من جانب الولايات المتحدة فحسب. ثانيًا: تبني نهج شامل باستخدام كافة الوسائل السياسية والاقتصادية وكذلك العسكرية، مصحوبًا بتفسير بشأن هذا الإجراء وسببه. ثالثًا: بذل جهد مستدام. وبدا ترامب مقتنعًا بهذه الصيغة.

أشار بولتون إلى انزعاجه من أردوغان في المكالمة التي جرت لاحقًا في ذلك اليوم، وشبَّه قوة صوته ونبرته في المكالمة بحديث موسوليني من الشرفة أمام الجماهير، وبدا وكأنه يلقي محاضرة على مسامعهم. تملَّص أردوغان من أي التزام بشأن الانضمام إلى مخططات الهجوم الأمريكي، وقال إنه سيتحدث إلى بوتين عاجلًا، بحسب بولتون. وفي اليوم التالي، تلقى بولتون اتصالًا من نظيره التركي، إبراهيم كالين، لإبلاغه بشأن ما دار بين أردوغان وبوتين، وأن الأخير أكد رغبته في عدم التورط في مواجهة مع الولايات المتحدة بخصوص سوريا، وأنه يجدر بالجميع التصرف بعقلانية.

هل نجحنا في ردع الأسد؟

شنَّت الولايات المتحدة هجومًا في السابع من أبريل (نيسان) 2017، اقتصر على المنشآت السورية التي احتوت على الأسلحة الكيماوية، بما في ذلك المقار الرئيسية والطائرات وجميع الأهداف ذات الصلة، لكنه لم يشكِّل تهديدًا جوهريًّا للنظام السوري نفسه، ما جعل الأسد وروسيا وإيران يتنفسون الصعداء.

وبعد مرور نحو سنة على ذلك الهجوم، وافق ترامب على شن هجوم على نظام الأسد، بالتنسيق مع فرنسا وبريطانيا هذه المرة، ولم تتمكن الدفاعات السورية من اعتراض صواريخ كروز الأمريكية.

ويتساءل المؤلف في نهاية الفصل: هل نجحنا في ردع الأسد؟ وأجاب: «لا، لم نفعل، لأن الأسد شرع في استخدام الأسلحة الكيماوية مجددًا ضد المدنيين في مايو (أيار) 2019».

Embed from Getty Images


جون بولتون بجوار سارة ساندرز، المتحدثة باسم البيت الأبيض في ذاك الوقت.

3. أمريكا تتحرر

استعرض الفصل الثالث من كتاب بولتون، في بدايته، وقائع لقاء ترامب مع الرئيس الياباني، شينزو آبي، الذي ركز على المسائل السياسية والأمنية، مثل مسألة كوريا الشمالية، وكذلك على الشؤون الاقتصادية والتجارة، مشيرًا إلى أن ترامب أثنى على اليابان بوصفها أفضل حليف للولايات المتحدة، لكنه انتقد في الوقت ذاته هجومها على ميناء بيرل هاربر أثناء الحرب العالمية الثانية (عام 1941).

في اليوم التالي، عقد ترامب وآبي مؤتمرًا صحفيًّا، وعدَّ بولتون هذه القمة بمثابة نجاح حقيقي في مسائل فنية، مثل كوريا الشمالية.

كواليس الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران

انتقل بولتون إلى الحديث عن الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، موضحًا أنه لطالما اعتقد أن امتلاك إيران للأسلحة النووية يشكِّل تهديدًا، لأنه ربما يشجع دولًا في الشرق الأوسط، مثل تركيا ومصر والسعودية، على امتلاك أسلحتها النووية، فضلًا عن رعاية إيران للإرهاب في الشرق الأوسط، وتزويد الجماعات الإرهابية الموالية لها بالأسلحة.

«الاتحاد الأوروبي أسوأ من الصين، ولكن الفرق أنه أصغر منها».
*ترامب

واستعرض بولتون بعض كواليس الفترة التي سبقت إعلان ترامب الانسحاب من الاتفاق الإيراني، وتحديدًا حين أبلغ الرئيس الأمريكي نظيره الفرنسي عزمه الانسحاب من الاتفاق، رد ماكرون قائلًا: «لا أحد يعتقد أنه اتفاق كافٍ»، وجادل بأنه يجب العمل على «اتفاق شامل جديد». وهي وجهة النظر التي أيدها وزير الخارجية البريطاني في ذلك الوقت، بوريس جونسون.

وانتقل المؤلف للقاء ترامب مع ميركل، الذي طلبت فيه المستشارة الألمانية من الأمريكيين عدم الانسحاب من الاتفاق، لكن الحديث عنه لم يكن منظمًا، واتسم رد فعل ترامب باللامبالاة. وفي اللقاء نفسه ردد ترامب جملة يقول بولتون إنه سمعها في مرات لاحقة لا تحصى، وهي: «الاتحاد الأوروبي أسوأ من الصين، هو فقط أصغر منها».

4. كيم وترامب في سنغافورة

يبدأ الفصل الرابع من كتاب بولتون الجديد مع اقتراب الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي الإيراني، حين استأنف ترامب تركيزه على المشروع النووي لكوريا الشمالية، وبدأت الترتيبات لعقد لقائه مع كيم، اللقاء الذي كان ترامب مهتمًّا به منذ بداية حكمه، بحسب ما قاله بومبيو لبولتون، الذي كان متشائمًا حينها لأن كوريا الشمالية سبق لها أن استدرجت الولايات المتحدة ودولًا أخرى إلى طاولة المفاوضات، مقابل فوائد اقتصادية وكسب الوقت، على الرغم من انتهاك التزاماتها مرارًا.

ويقول بولتون إن مستشار الأمن القومي الكوري الجنوبي هو الذي قدَّم دعوة كيم للقاء ترامب، ولكنه اعترف بعد ذلك بأنه هو الذي اقترح على كيم أن يدعو ترامب للاجتماع به. ويوضح بولتون أن المغامرة الدبلوماسية كلها كانت مرتبطة بطموحات كوريا الجنوبية إلى الوحدة مع الشمال، وليس بثوابت السياسة الأمريكية تجاه كيم.

بولتون يأمل أن ينهار اجتماع ترامب مع كيم 

كان اليابانيون يرون أنه يتعين على كوريا الشمالية أن تبدأ في تفكيك البرنامج النووي في الحال، على ألا يستغرق ذلك أكثر من عامين من اتفاق ترامب مع كيم، غير أن بولتون كان يرى أن ذلك يجب ألا يزيد على ستة شهور، استنادًا إلى تجربة ليبيا. وحين أشارت اليابان إلى اختطاف كوريا الشمالية لمواطنين يابانيين على مدار سنوات، تعهد ترامب بمتابعة القضية مع كيم جونج أون.

يروي بولتون في كتابه أن كيم أراد عقد اجتماعه مع ترامب في بيونج يانج، أو بومنجوم على الحدود بين كوريا الشمالية والجنوبية، وهو ما اتفق بولتون وبومبيو على أنه غير مقبول.

فكَّر بومبيو في جنيف أو سنغافورة بوصفهما أفضل مكانين مقبولين، ولكن كيم لا يحب الطيران. كما أن أيًّا من طائرات كوريا الشمالية المتداعية لا يمكنها أن تصل إلى أي مدينة، فضلًا عن أنه لا يريد أن يكون بعيدًا عن بيونج يانج. وكان بولتون يأمل أن يؤدي كل ذلك إلى انهيار الاجتماع كله.

«خدعة دعائية».. كوريا الشمالية تعلن وقف الاختبارات النووية والباليستية

وأعلنت كوريا الشمالية أنها ستتخلى عن أي اختبارات نووية أو باليستية أخرى، لأنها كانت بالفعل قوة نووية. ووصف الإعلام ذلك بأنه خطوة طيبة، كما قال ترامب إنه «تقدم كبير» في حين لم ينظر إليه بولتون إلا على أنه «خدعة دعائية»، كما يذكر في كتابه.

وطلب الرئيس الكوري الجنوبي، مون جاي إن، من كيم أن ينزع أسلحته النووية خلال عام، ووافق كيم، ولكن في الشهور التي أعقبت ذلك، كان إقناع وزارة الخارجية بالموافقة على جدول زمني مدته عام، أصعب من إقناع كيم.

اجتمع مون بترامب، وأشاد بالدور القيادي للرئيس الأمريكي، الذي ألح عليه أن يروي لوسائل الإعلام الكورية الجنوبية كيف أنه (ترامب) كان المسؤول عن كل ذلك، على حد قول بولتون في كتابه.

ترامب يطلب من بولتون الإشادة به أكثر في التلفاز 

كانت اليابان، على عكس كوريا الجنوبية، لا تثق بكيم وتريد التزامات ملموسة وواضحة لا لبس فيها بشأن القضية النووية ومسألة المختطفين. وأكد رئيس وزراء اليابان لترامب أنه أقوى من أوباما، مما يظهر أن آبي اعتقد أنه من الضروري تذكير ترامب بهذه النقطة.

يروي بولتون أن ترامب استدعاه بشأن ظهوره في برنامجين حواريين، ركز الكثير من النقاش خلالهما على كوريا الشمالية. وقال له ترامب إنه «أبلى بلاء حسنًا للغاية في التلفزيون»، ولكن عليه أن يشيد بترامب أكثر، «لأنه لم يحدث مثل ذلك الأمر من قبل»، ويقصد اجتماعه مع كيم.

ترامب لم يفهم الربيع العربي

ويقول بولتون إن ترامب فشل في أن يفهم الربيع العربي، الذي لم يتوقعه أحد حين اجتاح المنطقة في عام 2011، وأنه كان السبب في سقوط القذافي، وليس تخلي القذافي عن الأسلحة النووية في عام 2003.

ويوضح بولتون أن كوريا الشمالية استمرت في التهديد بإلغاء الاجتماع بين ترامب وكيم، وهاجمت بولتون بالاسم. وقال مسؤولون كوريون شماليون إنهم لا يكنون له إلا مشاعر الاشمئزاز.

ترامب يدير علاقاته الخارجية على غرار علاقاته النسائية

بحلول 21 مايو (أيار) لم يصل فريق كوريا الشمالية إلى سنغافورة. وبدأ ترامب يتعجب مما حدث. وقال لبولتون: «أريد أن أخرج من سنغافورة قبل أن يخرجوا هم». وشرح لبولتون كيف أنه، مع النساء اللائي كان يواعدهن، لم يكن يحب أبدًا أن يأتي قطع العلاقة من طرفهن، بل من طرفه هو.

ناقش مايك بنس وبولتون إمكانية إلغاء الاجتماع، وقال ترامب إنه سيكتب تغريدة بعد العشاء. ولكن عندما استيقظا في اليوم التالي، لم تكن هناك تغريدات لترامب. وقال ترامب في وقت لاحق إن هاتفه لم يكن يعمل تلك الليلة، وأشار إلى أنه يريد أن يعرف رأي رئيس كوريا الجنوبية قبل الإلغاء.

ترامب كان يريد الاجتماع مع كوريا الشمالية بأي ثمن

غير أن نائب وزير خارجية كوريا الشمالية شن هجومًا لاذعًا على بنس، ووصفه بأنه «دمية سياسية» وهدد بشن حرب نووية بسبب تصريحات بنس في مقابلة على قناة «فوكس نيوز».

ويقول بولتون إنه أشار على المسؤولين الأمريكيين بأن يطلبوا من كوريا الشمالية تقديم اعتذار، أو التهديد بإلغاء اجتماع سنغافورة؛ ما لم تقدم بيونج يانج الاعتذار.

تغاضى ترامب عن الأمر في البداية، ثم طلب النص الكامل لانتقادات نائب وزير الخارجية الكوري الشمالي، وعندما قرأها قال: «هذا (كلام) شديد اللهجة».

وبعد أقل من 12 ساعة من إلغاء اجتماع سنغافورة، استغل ترامب بيانًا أقل هجومًا لمسؤول كوري شمالي آخر في وزارة الخارجية، لكي يضع اجتماع 12 يونيو ثانية في الجدول. وكان هذا اعترافًا علنيًّا بأن ترامب يريد الاجتماع بأي ثمن، وفقًا لبولتون.

Embed from Getty Images


صورة من لقاء ترامب مع كيم جونج أون في كوريا الجنوبية.

الخلاف حول جملة «نزع الأسلحة النووية»

في المحادثات التي جرت في المنطقة المنزوعة السلاح بين الكوريتين، رفض الكوريون الشماليون استخدام لفظ «نزع الأسلحة النووية» في جدول أعمال محادثات كيم وترامب، وبدأت وزارة الخارجية تتراجع، وكذلك ترامب الذي كان يتطلع إلى «النجاح» في سنغافورة.

وافق ترامب على إسقاط عبارة «نزع الأسلحة النووية» من البيان. ثم استُدعي كيم جونج تشول، شقيق الزعيم الكوري الشمالي، للاجتماع به في البيت الأبيض، وكان يحمل خطابًا من شقيقه، الرئيس الكوري، إلى ترامب.

 ترامب: «سيستغرق الأمر وقتًا أطول مما كنت أظن في البداية»

وقال ترامب الذي وافق على تقليص المناورات العسكرية لكوريا الجنوبية والولايات المتحدة، بعد الاجتماع: «الخطاب ودود للغاية، ألا تعتقد ذلك؟». ووافق بولتون على قوله، ولكنه أضاف أنه خالٍ من المحتوى. وقال ترامب: «سنعقد اجتماعًا لنتعرف بعضنا إلى بعض، ثم نرى بعد ذلك ما سيحدث. سيستغرق الأمر وقتًا أطول مما كنت أظن في البداية».

بعد أن هبط ترامب من الطائرة في سنغافورة قرر أنه لا يريد أن ينتظر حتى يوم الثلاثاء لكي يلتقي بكيم، وأراد مقابلته يوم الاثنين. كان المسؤولون الأمريكيون قد رتَّبوا لترامب لكي يستريح من عناء السفر قبل أن يلتقي بكيم وجهًا لوجه، غير أنه كلما قلَّ وقت البقاء في سنغافورة قلَّت التنازلات الأمريكية، كما يرى بولتون.

سأل كيم ترامب كيف يقيِّمه؟ وقال ترامب إنه يحب هذا السؤال، وإنه ينظر إلى كيم على أنه ذكي وشخص طيب للغاية، ومخلص تمامًا، ولديه شخصية عظيمة.

يروي بولتون أنه أثناء اجتماع كيم مع ترامب، قال الرئيس الأمريكي إنه يعرف أنه هو وكيم سوف يعملان معًا على نحو طيب. وردًّا على ذلك سأل كيم ترامب كيف يقيِّمه؟ وقال ترامب إنه يحب هذا السؤال، وإنه ينظر إلى كيم على أنه ذكي، وشخص طيب للغاية، ومخلص تمامًا، ولديه شخصية عظيمة. ويتفق بولتون مع ترامب في أن الهدف من ذلك السؤال كان انتزاع رد إيجابي من ترامب.

الرخاء الموعود حال تخلي كوريا الشمالية عن أسلحتها النووية

مع استمرار الاجتماع، هنَّأ كيم نفسه وترامب على ما أنجزاه خلال ساعة واحدة، ووافق ترامب على أن الآخرين ما كانوا ليتمكنوا من فعل ذلك. وضحك الاثنان. وقدم الأمريكيون للكوريين فيلمًا أعدته وزارة الخارجية الأمريكية عن الرخاء الذي يمكن أن تعيش فيه كوريا الشمالية إذا ما تخلت عن أسلحتها النووية، وراح الكوريون يشاهدون النسخة الكورية من الفيلم على أجهزة «آيباد».

عندما انتهي الفيلم أراد ترامب وكيم أن يوقعا البيان المشترك في أقرب وقت، ولكن اتضح أن عدم دقة الترجمة كانت عائقًا؛ ولذا استمرت المحادثات، وبعد قليل دخل المصورون الرسميون للفريقين وانتهى الاجتماع.

5. قصة ثلاث مدن: بروكسل ولندن وهلسنكي

في الفصل الخامس، يتحدث بولتون عن ثلاث قمم متتالية عقدت في شهر يوليو (تموز) 2018، أي بعد شهر من اللقاء الذي جمع ترامب وكيم جونج أون في سنغافورة: اجتماع حلف الناتو في بروكسل مع الشركاء في أهم تحالف أمريكي، واجتماع ترامب مع رئيسة الوزراء البريطانية آنذاك، تيريزا ماي، وأخيرًا اجتماع ترامب وبوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي، وهي أرض محايدة للقاء روسيا.

قبل مغادرة واشنطن، قال ترامب: «… بصراحة، قد يكون اجتماع بوتين أكثرهم سهولة». وأوضح بولتون أنه أدرك خلال يوليو المزدحم ذاك، أن ترامب لا يتبع أي استراتيجية دولية كبرى، أو حتى أي مسار ثابت، وأن تفكيره أشبه بأرخبيل من النقاط، تاركًا لباقي المساعدين مهمة صياغة السياسة، وهو أمر كانت له إيجابياته وسلبياته.

«أخبِر الروس أننا سنفعل ما يريدون»

شرح بولتون كيفية اختيار هلسنكي لعقد القمة، فترامب كان يرغب في أن يزور بوتين واشنطن، وهو أمر لم يكن الروس راغبين فيه، فاقترحت واشنطن هلسنكي، واقترحت موسكو فيينا. واتضح بعد ذلك أن ترامب لم يكن يفضِّل هلسنكي؛ إذ سأل جون كيلي عما إذا كانت فنلندا جزءًا من روسيا، وعندما حاول بولتون شرح تاريخ هذه المنطقة، قال له ترامب إنه يريد فيينا أيضًا، وأضاف: «أخبِر الروس أننا سنفعل ما يريدون»، إلا أنه استقر على هلسنكي بعدما أقنعه مستشاروه.

أثناء التحضيرات للقاء هلسنكي، واصل بولتون الضغط في قضية التدخل في الانتخابات، إلا أن وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، حاول تجنبها بالقول إنه على الرغم من أنهم لا يستطيعون استبعاد وجود مخترقين، فإن الحكومة الروسية ليست لها أي علاقة بها.

بوتين: لسنا بحاجة إلى إيران في سوريا

خلال اجتماع بولتون مع الرئيس الروسي، قال بوتين إن الروس ليسوا بحاجة إلى إيران في سوريا، وإن لطهران أجندتها الخاصة – المتعلقة بلبنان والشيعة – والتي لا علاقة لها بالأهداف الروسية، بل إنها تخلق مشكلات لهم وللأسد، وأوضح أن هدف روسيا هو دعم الدولة السورية لمنع الفوضى، كما هو الحال في أفغانستان، بينما تمتلك إيران أهدافًا أوسع.

أشار بوتين كذلك إلى أن انسحاب الإيرانيين يعني أن قوات النظام السوري ستفقد من يحميها، من هجمات المعارضة وداعميها الغربيين، ويؤكد بولتون أن روسيا ليست مستعدة لملء هذا الفراغ.

كما سخِر بوتين من انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي – حسبما ورد في الكتاب – متسائلًا عما سيحدث إذا انسحبت إيران، لاسيما وأن إسرائيل لا تستطيع شن عمل عسكري ضدها بمفردها؛ لأنها لا تملك الموارد أو القدرات، خاصة إذا اتحد العرب خلف إيران، وهو ما عده بولتون أمرًا منافيًا للعقل.

وتوصل بولتون في نهاية الاجتماع إلى رؤية مفادها أن بوتين متحكم تمامًا في أعصابه، وواثق من نفسه، وعلى دراية كاملة بأولويات الأمن القومي الروسي، وبالتالي لا يجب تركه وحيدًا في غرفة مع ترامب.

Embed from Getty Images

رغم أوجه القصور.. الناتو هو التحالف السياسي والعسكري الأكثر نجاحًا في التاريخ

عبَّر بولتون عن اعتقاده بأنه على الرغم من أوجه القصور التي يعاني منها حلف الناتو، فإنه يظل التحالف السياسي والعسكري الأكثر نجاحًا في التاريخ، وأنه يصبُّ في صالح واشنطن بالأساس، لا لأنها تؤجر جيشها للدفاع عن أوروبا؛ بل لأن الدفاع عن «الغرب» كان دومًا في مصلحة أمريكا الاستراتيجية.

خلال قمة الناتو الأولى لترامب في 2017، اشتكى الرئيس الأمريكي من أن العديد من الأعضاء لم يفوا بالتزاماتهم التي أقروها عام 2014، لإنفاق 2% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع بحلول عام 2024، إلا أنه ركز على انتقاد ألمانيا تحديدًا – ربما بسبب أصل والده الألماني – التي أنفقت حوالي 1.2% من ناتجها فقط على الدفاع. وكان ترامب قد سأل ماكرون، في مشاورات ما قبل الضربة العسكرية المشتركة التي وجهت في سوريا، عن سبب غياب ألمانيا عن الهجوم، وكان سؤالًا وجيهًا، لكن لا إجابة له سوى «السياسة الداخلية في ألمانيا»، بحسب بولتون.

وأشار ترامب إلى أن بلاده دفعت ما بين 80– 90% من نفقات الحلف، ثم عاد لاحقًا وقال إنها دفعت 100% من نفقات الحلف، وهو رقم غير معروف المصدر، وهدد بأن أمريكا لن تدفع أكثر من ألمانيا.

نصيحة بولتون: ضغوط على أعضاء الناتو دون تهديد بالانسحاب 

يشير بولتون إلى ملابسات هذه الأزمة مع الحلف، قائلًا إنه اتفق مع بومبيو على إقناع ترامب من دون التعرض مباشرة لملف الناتو، وذلك من خلال القول إنه لا يمكن تحميل الجمهوريين بقضايا خلافية جديدة، لاسيما مع وجود العديد من المعارك الداخلية الجارية (ومنها تعيين القاضي كافانو في المحكمة العليا).

وخلال لقائهما مع ترامب يوم 2 يوليو شرحا له السبب في عدم خوض معارك أكثر مما يمكنهم التعامل معه، وفوجئا بموافقة ترامب دون جدال. ومع ذلك، عاد وسأل بولتون بعدها بأيام قليلة: لماذا لا تنسحب واشنطن من الناتو نهائيًّا؟ وهو بالضبط ما كانا يحاولان منعه. ثم بدأ في الأيام التالية، في كتابة تغريدات حول هذا الأمر، تتضمن الكثير من الأرقام التي ذكرها سابقًا.

وذكر بولتون أن توجُّه ترامب العام – كما ذكره صراحة في مكالمة بينهما في بروكسل – مفاده أنه: بحلول الأول من يناير (كانون الثاني) 2019 يجب على جميع الدول الالتزام بنسبة 2%، وإلا ستخرج أمريكا من الحلف ولن تدافع عن أولئك الذين لا يدفعون.

وخلال الجلسة، حثَّه بولتون على انتقاد الأعضاء المتأخرين بسبب عدم الإنفاق بما يكفي على الدفاع، ولكن دون التهديد بالانسحاب من الحلف أو قطع التمويل الأمريكي. فأومأ ترامب برأسه ولم يقل شيئًا. وأوضح بولتون أن أحد أسباب بقائه في العمل كان التزام ترامب بذلك، خلال كلمته، وإشارته إلى أنه داعم للناتو، وأنه لا يجب تفسير ملاحظاته على أنها تهديد صريح بالمغادرة.

مطلب نتنياهو: إقامة «حدود دائمة» في مرتفعات الجولان

قال بولتون إن ترامب والوفد المرافق له طار بعد ذلك إلى لندن، حيث حضروا عرضًا عسكريًّا قبل الاجتماع الرسمي مع نظرائهم البريطانيين. وأوضح أن الحوار دار في البداية حول اليمن، ثم انتقل إلى سوريا، وكيفية التعامل مع الوجود الروسي هناك، وما قاله بوتين لبولتون قبل أسابيع بشأن العمل لإخراج إيران من سوريا، لكن ماي شككت في كلام بوتين، واستنكرت على بولتون تصديقه له. ثم انتقل الحديث عن قضية محاولة اغتيال المنشق الروسي سيرجي سكريبال وابنته، ودوافع موسكو لتنفيذها.

وأضاف أنهم اتجهوا بعد ذلك إلى منتجع ترامب في تورنبيري بإسكتلندا، حيث أجرى ترامب عدة مكالمات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حول لقاء الأخير مع بوتين، الذي أخبره بأن إيران يجب أن تغادر سوريا، لكن الأسد لديه مشكلات تمنع بوتين من دفعه للضغط على الإيرانيين، لاسيما اعتماده على القوات الإيرانية لإحراز تقدم في إدلب ضد المعارضة والجماعات الإرهابية. وضغط نتنياهو على بوتين لإقامة «حدود دائمة» في مرتفعات الجولان، لكن بولتون كان يشك في أن ترامب سيثير هذه القضية بالذات مع بوتين.

Embed from Getty Images

لماذا يرفض ترامب الاعتراف بالتدخل الروسي في الانتخابات؟

خلال أول نقاش بين بولتون وترامب بعد مغادرة لندن والوصول إلى العاصمة الفنلندية هلسنكي، أوضح بولتون أن ترامب ظل، كما كان منذ البداية، غير راغب في – أو غير قادر على – الاعتراف بأي تدخل روسي في الانتخابات الأمريكية؛ لأنه خشي أن ذلك سيؤدي إلى تقويض شرعية انتخابه واستمرار عملية «مطاردة الساحرات» ضده.

وبعد لقاء سريع مع الرئيس الفنلندي، ساولي نينيستو، الذي حذَّر ترامب من أنه يجب أن يرد على بوتين إذا هاجمه – لأن بوتين كان مقاتلًا – وصلت أنباء بأن طائرة بوتين غادرت موسكو متأخرة، كعادة بوتين في جعل ضيوفه ينتظرون.

قال بولتون إنه كان يأمل في أن يُغضِب هذا الأمر ترامب؛ حتى يكون أكثر صرامة مع بوتين. مضيفًا أنهم فكروا في إلغاء الاجتماع إذا تأخر بوتين كثيرًا، وقرروا أن يجعلوه ينتظر لفترة من الوقت في القصر الرئاسي الفنلندي، حيث ستعقد القمة.

استمر الاجتماع حوالي ساعتين، تحدث بوتين في غالبيتها العظمى، ودار معظم الحديث عن سوريا. واعتبر بولتون أن النتيجة النهائية للقمة هي: عدم الاتفاق على أي شيء. لكن بالرغم من عدم تحقيق نجاحات، فإنه لم تُقدم تنازلات، ولم يحدث تغيير حقيقي في السياسة الخارجية، وهو الأمر الذي أسعده لأنه كان يرى أن هدفه في هذه القمة هو: السيطرة على الأضرار.

أولوية بوتين وترامب: زيادة التجارة والاستثمار في روسيا

وخلال العشاء الذي أعقب القمة، تطرق حديث سطحي إلى قضية الحد من التسلح، والحدود بين سوريا وإسرائيل التي ذكرها لنتنياهو. أما ما أراد كلاهما حقًّا مناقشته، هو زيادة التجارة والاستثمار الأمريكيين في روسيا، وهي محادثة استمرت لفترة طويلة.

وأضاف بولتون في كتابه أن بوتين أكد خلال المؤتمر الصحفي الذي أعقب ذلك أن الدولة الروسية لم تتدخل أبدًا ولن تتدخل في الشؤون الداخلية الأمريكية، بما في ذلك عملية الانتخاب، لكنه قال إنه كان يريد أن يفوز ترامب بانتخابات عام 2016 «لأنه تحدث عن إعادة العلاقات الأمريكية الروسية إلى طبيعتها». وأكد ترامب من ناحيته ذلك، قائلًا: إنه لا يرى سببًا لذلك، وإنه على الرغم من ثقته في المخابرات، فإن نفي بوتين كان واضحًا.

وأوضح أن ترامب – الذي كان مندهشًا من رد الفعل السلبي في واشنطن تجاه تصريحاته – اعترف في اجتماع بالبيت الأبيض، في اليوم التالي، بأنه أخطأ في جملة «لا أرى أي سبب يجعلها (الدولة التي تدخلت في الانتخابات) روسيا»؛ إذ كان يقصد «.. ألا تكون [روسيا] هي من تدخلت»، وبالتالي عكس معنى الجملة. واعتبر بولتون أن هذا كان مفاجئًا، لأن ترامب لا يتراجع عن أي شيء يقوله.

6. إحباط محاولات روسيا: تدمير معاهدة القوى النووية متوسطة المدى

في الفصل السادس من كتاب بولتون، تحدث مستشار ترامب السابق عن رغبته، منذ إدارة الرئيس جورج دبليو بوش، في التخلص من معاهدة القوى النووية متوسطة المدى (INF)، المبرمة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، والهادفة للقضاء على الصواريخ المتوسطة المدى والقصيرة المدى.

ويلفت إلى أن روسيا كانت تنتهك المعاهدة طوال سنوات، بينما ظلت الولايات المتحدة تلتزم ببنودها؛ ما أخلَّ بالواقع الاستراتيجي العالمي والتقدم التكنولوجي. وقبل تولي ترامب منصبه، بدأت روسيا النشر الفعلي للصواريخ؛ في انتهاكٍ للمعاهدة، ما شكَّل تهديدًا كبيرًا لأعضاء الناتو الأوروبيين.

لضبط التعاون بين وكالات الأمن القومي الأمريكي والروسي، اقترح بولتون على سكرتير مجلس الأمن الروسي، نيكولاي باتروشيف، الالتقاء في جنيف لمناقشة الانتهاكات الروسية للمعاهدة. توجه بولتون بعدها إلى كييف للمشاركة في احتفالات عيد الاستقلال الأوكراني، والتشاور مع الرئيس بترو بوروشينكو، ورئيس وزرائه، ومسؤولين آخرين، وأطلعهم على مناقشات معاهدة «INF»، وهو ما أثَّر مباشرة في تخطيطهم الدفاعي. وبعد مرور أكثر من عام بقليل، أصبحت أوكرانيا في قلب السياسة الأمريكية.

روسيا تعزف على وتر المخاوف الأوروبية.. بفضل ترامب

بعد عودة بولتون إلى واشنطن بشهور، بدأ التحضير في الانسحاب من معاهدة «INF». لكن الانسحاب من المعاهدة كان يتطلب التشاور مع حلفاء الولايات المتحدة في الاتحاد الأوروبي، وبخاصة في الناتو، الذين رأوا أن إلغاء المعاهدة سيكون في صالح روسيا، ويزيد من تهديدها لهم، رغم قناعتهم بأن روسيا انتهكت المعاهدة مرارًا وتكرارًا.

عندما هبط بولتون في موسكو، قابله السفير الأمريكي جون هانتسمان وأخبره بأن الروس يلعبون على مخاوف الأوروبيين وتخلي أمريكا عنهم، وتركهم بلا حماية.

ويضيف المؤلف أن الرئيس ترامب، للأسف، أفصح عن نية الولايات المتحدة الانسحاب من المعاهدة مبكرًا، الأمر الذي أربك حسابات الخارجية الأمريكية. ففي أواخر أكتوبر (تشرين الأول)، عندما هبط بولتون في موسكو، قابله السفير الأمريكي جون هانتسمان وأخبره بأن الروس يلعبون على مخاوف الأوروبيين وتخلي أمريكا عنهم، وتركهم بلا حماية.

وعند لقاء بولتون بباتروشيف، أبلغه بأن روسيا تنتهك المعاهدة ولا تلتزم ببنودها، وبعد تزايد قدرات الصين وإيران ودول أخرى، أصبح من المستحيل إضفاء الطابع العالمي على المعاهدة.

وضع الصين والتغيرات التكنولوجية تجعل المعاهدة غير واقعية

يقول الكاتب حاولنا أن نلملم آثار تصريحات ترامب المتعجلة، لكنه عاد ثانية في لقاء صحفي إلى تصريحاته المعتادة دون التشاور مع من حوله قائلًا: «أنا أنهي الاتفاقية. انتهكتها روسيا وأنا أنهيها». وردًّا على سؤال عما إذا كان ذلك يشكل تهديدًا لبوتين، أجاب ترامب: «إنه تهديد لمن تريد. ويشمل ذلك الصين، ودولًا أخرى، فلا يمكن أن يلعبوا لعبة عدم الالتزام علينا».

ويذكر المؤلف أنه في اليوم التالي، التقى بوزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو، الذي بدا أقل اهتمامًا فيما يتعلق بمعاهدة «INF». وقال إن رسالة ترامب كانت واضحة ولا تحتمل أي غموض، وأن الروس تلقوها بوضوح. وأضاف: «في ظل الظروف الحالية، أصبحت المعاهدة غير واقعية؛ بسبب الصين والتغيرات التكنولوجية التي حدثت منذ توقيع المعاهدة عام 1987».

وفضل شويجو محاولة إعادة كتابة المعاهدة لجذب الآخرين للانضمام إليها، ورأى «أن انسحابنا من جانب واحد كان مواتيًا فقط لأعدائنا المشتركين، وكانت الإشارة واضحة إلى الصين». ويذكر بولتون أنه التقى الرئيس الروسي بوتين الذي أوضح لوسائل الإعلام أنه ليس راضيًا عن انسحاب الولايات المتحدة من معاهدة القوى النووية متوسطة المدى.

Embed from Getty Images

الروس ليسوا بحاجة إلى الوجود الإيراني في سوريا

وتناول بولتون ما دار في لقائه مع بوتين بشأن سوريا، إذ أشار إلى أنه بعد الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، ترغب الولايات المتحدة في أن تعيد فرض العقوبات على إيران، وأقر بوتين بوجهة نظر أمريكا بأن الشعب الإيراني سئم من النظام، لكنه حذر من أن إعلان الحرب ضدهم اقتصاديًّا، سيعزز دعم النظام. وفي نهاية اللقاء، مازح الأمريكيين بخصوص موقفهم من مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، وقال إن روسيا ستبيع السلاح للسعوديين إن لم تفعل أمريكا، وهو أمر صحيح بلا شك، ويفسر رغبة ترامب في عدم التراجع عن الصفقات العسكرية المبرمة وقتها، بحسب بولتون.

وختم بولتون الفصل بالإشارة إلى أن الولايات المتحدة أعلنت انسحابها رسميًّا من المعاهدة في 1 فبراير 2019، وأعلن الروس على الفور تعليقهم لأي مفاوضات جديدة تتعلق بالحد من التسلح.

7. ترامب يبحث عن مخرج من سوريا وأفغانستان.. ولا يجده

يلفت الفصل السابع من كتاب بولتون إلى أن الحرب ضد «الإسلام المتطرف» بدأت قبل 11 سبتمبر (أيلول) بكثير، وستستمر بعده أيضًا، وهو أمرٌ واقع لم يعجب ترامب فتعامل معه على أنه غير حقيقي، وخاض حربًا لا تنتهي في الشرق الأوسط دون وضع خطة انسحاب متماسكة.

سوريا: لورانس العرب.. يتصل بمكتبك 

بعد الرد الأمريكي على استخدام الأسد للأسلحة الكيماوية، عاودت سوريا الظهور على مسرح الأحداث، على خلفية اعتقال تركيا للقس أندرو بورسون بتهمة التآمر مع فتح الله جولن.

تحدث أردوغان – الذي أطلق عليه بولتون «لورانس العرب» في هذا الفصل من كتابه – مع ترامب هاتفيًّا حول قضية برونسون، وأثار أيضًا مسألة إدانة المسؤول في بنك خلق التركي، محمد عطيلة، المتهم بخرق العقوبات المفروضة على إيران.

يلفت المؤلف إلى أن هذا الملف كان يحمل تهديدًا مباشرًا لأردوغان وعائلته؛ لاتهامهم باستخدام البنك لأغراض شخصية، خاصة بعد أن أصبح صهره وزيرًا للمالية.

وأخيرًا، تساءل أردوغان عن التشريع المطروح في الكونجرس، ومن شأنه أن يوقف شراء طائرة «F-35» لأن أنقرة كانت تعتزم شراء نظام الدفاع الجوي الروسي S440. وإذا مُرر هذا التشريع، فهذه الصفقة قد تؤدي إلى عقوبات على تركيا لخرقها العقوبات المفروضة على روسيا.

غلق السفارة أم زيادة العقوبات؟.. خيارات ترامب لمعاقبة تركيا

يقول بولتون: على الرغم من أن الإعلام صوَّر ترامب بأنه معادٍ للمسلمين، فإنه لم يستوعب – حتى مع محاولات القادة في أوروبا والشرق الأوسط شرح ذلك – أن أردوغان نفسه إسلامي راديكالي، مشغول بتحويل تركيا من دولة أتاتورك العلمانية إلى تركيا الإسلامية، ويدعم الإخوان المسلمين وجماعات متطرفة أخرى في الشرق الأوسط، ويموِّل حماس وحزب الله.

ويلفت المؤلف إلى أن الرئيس الأمريكي سئم من المماطلة بشأن إطلاق برونسون، فقرر معاقبة تركيا بزيادة التعريفة على الصلب بمقدار 50% وعلى الألومنيوم بـ20%.

واقترحت تركيا إطلاق برونسون مقابل إسقاط التحقيقات بشأن بنك خلق، وبعد التشاور مع بومبيو ومنوشين وجدت الإدارة الأمريكية أن الأمر معلق بيد محكمة جنوب نيويورك؛ لأن قيمة خرق العقوبات تساوي 20 مليار دولار.

تقلَّب موقف ترامب في هذه المرحلة؛ ما بين التفكير في إغلاق السفارة في أنقرة وطرد السفير التركي، إلى زيادة العقوبات. ثم تغير الم