شارل ابي نادر
حتى الآن، لا يمكن القول إن الخلاف قد انتهى بين السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وبين فصائل المقاومة في غزة، فما زال هناك الكثير من الانقسامات حول العديد من الملفات المتعلقة بالقضية الفلسطينية بشكل عام، وبالنظرة لطريقة المواجهة في الصراع ضد الكيان الصهيوني، أو بالرؤية حول قرار موحد لناحية ترجيح التسوية أو المواجهة، ولكن كما يبدو، هناك توافق جدي ومهم بين الاثنين (المقاومة والسلطة) على رفض مشروع "اسرائيل" لضم الضفة الغربية لكيانها الغاصب، بل ايضًا على مواجهته ومنعه بأي طريقة كانت.
في الواقع، هذا التوافق بين السلطة والمقاومة لمواجهة مشروع ضم الضفة الغربية، وارتباطًا بذلك لمواجهة ولافشال "صفقة القرن"، لن يكون سهلًا، وهو سيتعرض للكثير من الاستهدافات، من الأقربين قبل الغرباء، حيث يُعتبر الضم ركناً اساسياً من الصفقة، وافشاله سيضربها من أساسها، وبالتالي، سيتعين على قادة الشعب الفلسطيني، والممثل بالمقاومة وبالسلطة، توحيد الرؤية والموقف بكل ما في ذلك من امكانيات، وبقدر ما يتطلب ذلك من تسويات، لمحاولة خلق جبهة متماسكة، تستطيع الوقوف بوجه التهديدات والصعوبات المتعلقة بالقرار الدولي والاقليمي، والذي يضغط الآن ويستمر ضاغطًا في المستقبل، لتمرير الضم وبالتالي لتمرير "صفقة القرن"، للقضاء نهائيًا على القضية الفلسطينية.
في متابعة للمواقف الاقليمية والدولية المرتبطة بمشروع "صفقة القرن" بشكل عام، لا يبدو أن هناك أي طرف عربي أو اسلامي - غير ايران والمحور الذي تقوده، يأخذ الملف بجدية وبوفاء للقضية الفلسطينية، رغم الكثير من التصريحات أو الادعاءات الفارغة من أي محتوى جدي، خاصة أننا نرى هذه الهرولة العربية الخليجية نحو "اسرائيل"، بشكل غريب وغير مفهوم وصادم، والموقف الاماراتي الأخير خير دليل على ذلك، والذي لا شك يختصر الموقف الخليجي الأوسع.
من هنا، وحيث نستبعد أي تعويل أو دعم مرتقب أو منتظر من أي طرف عربي خليجي قوي، للوقوف مع القضية الفلسطينية، لا بد من تأكيد الاستراتيجية الاساسية والتي أثبتت جدواها في مواجهة العدو بشكل عام، ومخططاته ومشاريعه بشكل خاص، وهي المقاومة بكل أشكالها، من المواجهة العسكرية الى رفض التطبيع الى رفض أي اقتراح أو مشروع غير واضح وغير مناسب للقضية المذكورة.
انطلاقًا من ذلك، لناحية تأكيد خيار المقاومة كطريق أوحد لحماية القضية وروحها، ولمنع استمرار خسارة الحقوق، يمكن القول إننا بدأنا نلمس تغييرًا واضحًا نحو تثبيت هذا الخيار والاتفاق على مقاربته بطريقة موحدة ومتماسكة بين أغلب مكونات الشعب الفلسطيني ، ويمكن التماس ذلك من اتجاهين ، الاول ويتعلق بموقف حركة حماس الاخير بلسان رئيس مكتبها السياسي اسماعيل هنية ، وغير البعيد عن موقف الجهاد الاسلامي في التوجه وفي النظرة المشتركة تقريبا ، والاتجاه الثاني ويتعلق بنظرة العدو الاسرائيلي لما يراه تغييرا و تقدما نحو توحيد القدرات المقاوِمة بوجهه من ناحية ، ونحو تعزيز امكانيات هذه المقاومة من ناحية اخرى .
لناحية موقف حماس
لقد أعلن مؤخرا هنية أن "أولى الأولويات الاستراتيجية التي تتبناها الحركة لمواجهة هذا الخطر الداهم والمتمثل بمشاريع الضم والصفقة، هي استعادة وتثبيت وحدة الشعب الفلسطيني وإعادة بنائه على أسس صحيحة، بما في ذلك الاتفاق على برنامج وطني يوحد الشعب الفلسطيني في خندق المواجهة مع الاحتلال والحفاظ على الثوابت"،
وتابع هنية في عرض اولويات الحركة محددا " المقاومة " كاولوية ثانية ، بحيث تكون شاملة وهادفة لدحر الاحتلال واستعادة كامل الحقوق ، معتبرا " ان المقاومة المسلحة على رأس انماط المقاومة " .
ربما لم يُصِب هنية بطريقة كاملة عندما اعتبر ان تعزيز التنسيق والتشاور مع العمق العربي والإسلامي ومكونات الأمة هو الأولوية الثالثة ، كون بعض اطراف هذه الامة يتحملون مسؤولية كبيرة في الدفع نحو تطبيق مشاريع انهاء القضية الفلسطينية ، ومنها صفقة القرن بالتحديد .
وجاءت اولويته الرابعة التي حددها بالانفتاح على كل الشعوب التي ترفض صفقة القرن وخطة الضم ، لتفتح الباب نحو التوجه نحو اطراف محور المقاومة ، والذين عمليا هم الوحيدون الذين يرفضون صفقة القرن .
لناحية نظرة العدو للمقاومة في غزة
لا شك ان نظرة العدو نحو خطورة الموقف في غزة ، الخطورة بالنسبة له طبعا ، هي دليل واضح على جدية هذا الموقف وتماسكه وتطوره نحو امتلاك القدرات المناسبة لتكوين اكثر من نقطة ارتكاز نحو توحيد وتقوية المقاومة الفلسطينية وتحديدا في غزة .
وتحذيرات قادة ومسؤولي ومحللي العدو ، تمحورت حول الاعتراف ، الضمني او المباشر ، بخطورة ضم الضفة الغربية وما يمكن ان يتسبب من تهديدات ستطال نقاط العدو القوية في اكثر من ناحية او مكان او موقع .
المصادر العدوة اشارت الى تفاصيل ما يمكن ان يستجد من جراء ضم الضفة الغربية ، متطرقة اولا الى امكانية انهاء عملية التسوية " الهشة اساسا " بينها وبين فصائل المقاومة في غزة وعلى رأسها حركة حماس ، خاصة ان الاخيرة ( التسوية ) كانت قد اصبحت مهددة ، قبل تداعيات مشروع ضم الضفة الغربية المرتقب ، وذلك بسبب عدم الالتزام بالنواحي الاقتصادية لغزة ، من جانب العدو او من جانب الضامن العربي للتسوية ، اذا كانت مصر او غيرها من الدول الخليجية القادرة ماليا .
غير موضوع التسوية ، والتي ستكون حكما مهددة ، بعد سلوك مشروع ضم الضفة الغربية ، ، رأت المصادر العدوة ان هناك تحضيرات جدية داخل غزة ، تعمل بصمت وبتركيز نحو تطوير بنية المقاومة وقدراتها الاستراتيجية ، والتي حددتها في اكثر من ناحية او شكل ، ومنها حسب بعض المحللين العسكريين الصهاينة ، غير اطلاق الصواريخ نحو الداخل الصهيوني ، عودة "العنف " كما اسمته المصادر العدوة ، الى السياج الحدودي مع غلاف غزة الشرقي والشمالي .
النقطة الأكثر حساسية والتي تطرقت اليها مصادر العدو، غير الاشارة الى معلومات لديهم عن استغلال حماس فترة الهدوء أو التسوية للعمل على التدريب والتجهيز وتطوير ترسانة الأسلحة النوعية، مركزين على الطائرات المسيرة، والتي تشكل من الناحية الميدانية والعسكرية، الخطر الأكثر فعالية وايذاء وتاثيرًا على عمق العدو ومستوطناته القريبة أو المتوسطة البعد عن غزة، مع الإشارة الدائمة الى الخطر الثابت الذي لا يمكن تجاهله أو تجاوز خطورته وهو الإنفاق.
من هنا، تبقى المقاومة بعد توحيد الموقف الفلسطيني بالكامل، الحل الأنسب والأوحد لمواجهة صفقات ومشاريع العدو، والأقرباء من الأخوة المطبّعين أو المتخاذلين أو المرتهنين، تجاه القضية الفلسطينية.
(العهد الاخباري)