"لست من أنصار نظرية المؤامرة، ولكن مقتل السفير الصيني بعد وقتٍ قليل من زيارة بومبيو أمرٌ غريب" بهذه الكلمات وصف الصحفي والباحث اليهودي "باراك رافيد" وفاة السفير الصيني في الكيان الإسرائيلي وي دو، فهل قُتل السفير الصيني بعملية اغتيال مُحكمة وتمّ من خلال هذه العملية توجيه رسالة لبكين المُتّهمة أمريكيًّا بنشر فايروس كورونا والكثير من الاتهامات الأخرى فيما يتعلق بالحرب الاقتصادية بين بكين وواشنطن، خصوصًا وأنّه ما يزال شابًّا ولم يتجاوز الثانية والخمسين من عمره وتمّ تعيينه في فبراير/ شباط الماضي، أم أنّ وفاته طبيعية، كونه كان قادمًا من بلدٍ موبوء بفايروس كورونا؟.
أيادي الكيان القذرة
كثيرةٌ هي التساؤلات التي طُرحت بعد العثور على جثة السفير الصيني في منزله، فهل قتلته إسرائيل كبادرة حسن نيّة أمام راعيها الأمريكي، أم قتلته أمريكا كرسالة مُبطنة للصينيين بأنّ عليهم التراجع عن الاستثمار في الكيان الإسرائيلي؟، تبقى جميع هذه الاحتمالات مُجرد فرضيّات، ولكن إذا ما نظرنا إلى تاريخ الكيان سنجده يزخر بمئات عمليات الاغتيال السياسي؛ جابت العالم شمالا وجنوبًا ، شرقًا وغربًا، والتي كان أبرزها اغتيال ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية.
وفيما يخصُّ السفير الصيني؛ لم يكن يعتقد الكيان الإسرائيلي أن يناله من النقد الأمريكي ما ناله خلال زيارة بومبيو الأخيرة للكيان، الذي دعا الكيان صراحة إلى كف اليد الصينية عن الاستثمار داخل الكيان، خصوصًا وأن القلق الأمريكي بات يتزايد من التوسع الصيني ليس في الكيان وحسب؛ إنّما في عُموم المنطقة.
وما يزيد الشكوك حول دور الكيان في هذه العملية هو ضرورة خضوع الكيان للإرادة الأمريكية، حيث يعلم ساسة الكيان أنّهم ومن دون الدعم الأمريكي لن يستطيعوا المُضي في مشاريعهم الاستيطانية خصوصًا أنّ بومبيو وخلال زيارته الأخيرة للكيان لم ينب ببنت شفة حول مشاريع الكيان بضم مُستوطنات الضفة الغربية والأغوار، الأمر الذي فسّره ساسة الكيان بأنّه رسالة أمريكية على التغلغل الصيني داخل الكيان، فما كان منهم إلّا أن تقدموا بقربان لعلاقاتهم مع واشنطن وكان السفير الصيني هو أفضل تلك القرابين.
دائرة الاتهام
شكوكٌ أخرى أثارتها ردود السفير الصيني في الكيان الإسرائيلي على تصريحات بومبيو من أنّ الصين قامت بشراء الكيان وأنّ استثمار الصين في الكيان الإسرائيلي يشكل خطرًا أمنيا، لاسيما على البنية التحتية، ليأتي الرد من السفير الصيني لمايك بومبيو إذ قال: "كيف يمكننا شراء إسرائيل؟".
وكان وي دو قد نشر مقالة في صحافة الكيان كردٍ على الانتقادات الأمريكية التي اتهمت الصين بإخفاء معلومات حول تفشى فيروس كورونا المستجد، واصفًا هذه التصريحات بأنها "سخيفة".
أكثر من ذلك؛ فإنّ الخوف الأمريكي من استفراد الصين باقتصاد الكيان كان معه ضرورة إرسال رسالة للصين تُفيد بأنّ هذه المنطقة منطقة نفوذٍ تاريخي للأمريكان، ومن غير المقبول دخول أيَّ قوى أخرى إليها، فهل يكون السفير الصيني قد دفع ثمن السؤال الذي سأله "كيف يمكننا شراء إسرائيل"؟ ربما الأيام ستخبرنا بالإجابة.
تاريخ حافل
لماذا لا يمكن استبعاد الدور الأمريكي في عملية قتل السفير الصيني؟ الإجابة بسيطة للغاية، فتاريخ الولايات المتحدة حافل بالاغتيال السياسي، وقائمة تورط الولايات المتحدة في الانقلابات والاغتيالات في جميع أنحاء العالم لا تُعدُّ ولا تحصى، وبعد افتضاح أمر أغلب هذه العمليات اضطرت وكالة الاستخبارات الأمريكية إلى تقليص عمليات القتل والاغتيال خصوصًا بعد أن كشف تحقيق لمجلس الشيوخ في السبعينيات عن حجم عملياتها القذرة، وبعد هذا التحقيق، وقع الرئيس جيرالد فورد في عام 1976 على أمر تنفيذي ينص على ما يلي: "لا يجوز لأي موظف في حكومة الولايات المتحدة أن يتورط أو يتآمر في اغتيال سياسي"، غير أنّه وعلى الرغم من ذلك، لم تتخل وكالة الاستخبارات الأمريكية أبدًا عن استراتيجية الاغتيال السياسي، لكنها وببساطة غيّرت في المصطلحات من الاغتيال إلى القتل المستهدف، من القصف الجوي للرؤساء إلى الهجمات بطائرات بدون طيار على قادة إرهابيين مزعومين، وشملت محاولات القصف الجوي للزعماء الليبي معمر القذافي عام 1986 والصربي سلوبودان ميلوسيفيتش عام 1999 ورئيس النظام العراقي صدام حسين عام 2003.
وفي النهاية لن يتم الكشف عن قتلة السفير إذا ما بقي التحقيق داخل دوائر الكيان الأمنيّة، وهنا يبرز الدور الصيني في المُطالبة بإرسال فريق تحقيق صيني مُتخصص أو على الأقل إرسال فريق تحقيق أُممي ليقوم بتحديد كيفيّة الوفاة، وما إذا كان سفيرهم قد تمّ قتله، وبغير هذه الحالة فإنّ قضيّة مقتل السفير الصيني ستبقى من دون محاكمة عادلة، وستذهب دماؤه لتكون قربانًا للعلاقات الأمريكية مع الكيان الإسرائيلي.
المصدر: الوقت