2024-11-25 11:38 م

أصوات أمريكية تطالب بالتخلص من العبء السعودي إلى الأبد

2020-05-13
دعت كاتبة أمريكية في مقال بموقع "ذي أمريكان كونسريفاتيف" الولايات المتحدة للتخلص من عبء المملكة العربية السعودية، معتبرة أن العلاقة بين الجانبين لم تعد مناسبة للقرن الحادي والعشرين، بعد استغناء واشنطن عن النفط السعودي.

واستهلت الكاتبة أنيله شيلاين مقالها بالتساؤل: "هل تتحمل واشنطن علاقة حب صعب مع آل سعود؟". وقالت: "يبدو أن التقارير الأخيرة تجيب على ذلك بالتأكيد، حيث كشفت عن أن الجيش الأمريكي سحب مؤخراً أنظمة الباتريوت المضادة للصواريخ من الأراضي السعودية، وأن التهديدات الأمريكية الجادة دفعت المملكة إلى تخفيض التصعيد في حرب الأسعار التي تخوضها مع روسيا".

وأضافت: "رد بعض المعلقين بأنه ينبغي للولايات المتحدة استخدام نفوذها بشكل متزايد، لكي تحقق أهدافاً أخرى من أهداف سياستها الخارجية. إلا أنه في ما وراء مسألة النفوذ، يكشف هذا الحدث عن تعطل العلاقة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، حيث يؤدي الغياب السافر للمصالح المشتركة إلى شراكة استراتيجية تبقى عائمة بسبب الإنذارات".

وتضيف "إذ يصبح العالم بشكل متزايد متعدد الأقطاب، سوف تجد الولايات المتحدة أن شركاءها أقل استعداداً للالتزام بتفضيلات السياسة الأمريكية. والسعوديون، الذين أظهروا مراراً وتكراراً استعدادهم لأن يضربوا بالأهداف الأمريكية عرض الحائط، ليسوا استثناءً عن ذلك".

وترى أنه ينبغي للولايات المتحدة أن ترى في هذا التبدل فرصة لإعادة تقييم شراكتها مع العائلة الحاكمة في الرياض، على أن تحتفظ في نفس الوقت بما يكفي من النفوذ لفرض الشروط التي تناسبها.


واعتبرت أن حرب أسعار النفط بمثابة آخر صدع في العلاقة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، تلك العلاقة التي تم إبرامها في القرن العشرين، والتي ثبت بشكل متزايد أنها لم تعد صالحة للقرن الحادي والعشرين.

واستطرت بالقول: "لقد أنفقت الولايات المتحدة 6.4 تريليونات دولار على الحرب الكونية ضد الإرهاب على مدى العقدين الماضيين. ورغم أن الإرهاب ليس مقتصراً على منطقة الشرق الأوسط، إلا أن معظم هذا المال تم إنفاقه في تلك المنطقة، في حروب خاضتها الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق".

 

وتنوه إلى أن الالتزام الأمريكي الأمني الضخم في الشرق الأوسط يرجع إلى "الاعتماد على النفط، والذي ولد بشكل متزامن الأوضاع التي تسببت في أعمال الإرهاب. ومن شأن التفاعل بين الاعتماد على النفط والعنف أن يوجد دورة ذاتية الاستمرار تبقي الولايات المتحدة في حالة إنفاق دائم للموارد داخل المنطقة، وذلك على الرغم من التصريح بنية تقليص الوجود الأمريكي هناك".

وحسب قولها: "أثبت انهيار أسعار النفط منذ مطلع 2020 الحاجة إلى إعادة التفكير بشكل جذري في الاستراتيجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط. وعلى الرغم من الألم الاقتصادي الحالي، إلا أن تراجع الطلب على النفط أوجد فرصة لإعادة ضبط السياسة الخارجية لتنسجم مع مصالح الولايات المتحدة في المنطقة".

وأوضحت أن الولايات المتحدة أسست وجوداً عسكرياً في الشرق الأوسط بهدف "تأمين الوصول إلى احتياطيات النفط بعد الحرب العالمية الثانية. ثم تعرضت تلك العلاقة لإجهاد شديد في الفترة من 1973 إلى 1974 عندما أطلق السعوديون حظر النفط العربي بعيد حرب أكتوبر. وبعد حرب الخليج الأولى، وإذ لم يعد يعيقها احتمال استعداء الاتحاد السوفياتي، سعت الحكومة الأمريكية إلى منع أي دولة من أن تحقق بمفردها وضع المهيمن الإقليمي القادر على تهديد خطوط إمداد النفط الكونية.


إلا أن استمرار تواجد القوات الأمريكية، بالإضافة إلى تقديم الدعم للطغاة العرب، ولد حالة من الإحباط والسخط في أوساط السكان المحليين، ونجم عنه في بعض الأوقات أعمال من التطرف العنيف وصلت ذروتها في فظائع الحادي عشر من سبتمبر (هجمات عام 2001).

 

وتعتبر أنه لو لم يستمر الأمريكيون في حماية إمدادات نفط الشرق الأوسط لما عادوا يشكلون هدفاً أساسياً للجماعات الجهادية السلفية الإرهابية. ولذلك، فيما لو تمكنت الولايات المتحدة من تقليص التزاماتها العسكرية في الشرق الأوسط، فسيكون بإمكانها تحقيق غايتين في نفس الوقت: تقليص الخطر الذي يتهددها بسبب الإرهاب ودعم مصالح الطاقة الأمريكية.

تتجلى ديناميكية "النفط مقابل الإرهاب"، بحسب الكاتبة، في "حالة المملكة العربية السعودية". موضحة "لأن العلاقة بين الحكومة الأمريكية وآل سعود تعود إلى ذلك اللقاء الشهير بين الرئيس روزفيلت والملك عبدالعزيز آل سعود على ظهر السفينة الحربية الأمريكية كوينسي في قناة السويس في عام 1945، وهو اللقاء الذي تطور إلى تفاهم ضمني على أن توفر الولايات المتحدة الحماية للمملكة الناشئة مقابل الحصول على النفط السعودي".


وبعد ذلك أثبتت "السعودية مع الأيام أنها شريك تسبب حمايته الكثير من الحرج. وذلك أن آل سعود طالما برروا نظام حكمهم على أساس القيام بفرض ونشر الوهابية التي تعتبر نمطاً متشدداً من الرؤية الإسلامية يتطلب فصلاً صارماً بين النساء والرجال، ويبغض أي رؤية أخرى للإسلام بل ويعتبرها كفراً" على حد قولها.

وللمرة تلو الأخرى، استخدمت السعودية ثروتها النفطية لتصدير نمطها المفضل من الإسلام، فنثرت بذلك بذور التعصب الذي استخدمه بعض منتسبيها لتبرير العنف.

 

وفي ذات السياق، تقول: "سلطت هجمات الحادي عشر من سبتمبر الضوء على ما اعترى العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية من خلل وظيفي: فقد تطرف أسامة بن لادن، ولو جزئياً، بسبب تواجد القوات الأمريكية داخل بلده الأم، والتي كانت موطن النبي محمد. ولكن رغم غضب الأمريكيين المبرر وحالة الارتباك التي أصابتهم بعيد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وخاصة بعد أن تبين أن خمسة عشر من بين تسعة عشر من الخاطفين كانوا سعوديين، لم يكن لدى الولايات المتحدة خيار سوى الاستمرار في حماية إمدادات النفط العالمية، وبالنتيجة حماية آل سعود، والذين زُعم حينها أن وجودهم كان مكوناً أساسياً من مكونات الاستقرار الإقليمي".

غيرت السعودية من سلوكها بعد الحادي عشر من سبتمبر. بحسب الكاتبة "فما لبث ولي العهد الأمير عبدالله بن عبد العزيز، الذي كان الحاكم الفعلي منذ أن أصيب أخوه غير الشقيق فهد بجلطة في عام 1995، أن أصبح ملكاً في عام 2005. شدد عبدالله الرقابة على النظام التعليمي السعودي وكذلك على الشبكة الضخمة من هيئات التبرعات الخيرية، والتي كان بعضها قد بعث بأموال إلى القاعدة قبل 2001".

 

ورفع الأمير عبدالله القيود التي كانت مفروضة على عمل المرأة، على الرغم من استمرار الفصل بين الجنسين باعتباره الأصل في العلاقة بينهما، وابتعث مئات الآلاف من السعوديين، إناثاً وذكوراً، إلى الخارج، وبشكل خاص إلى الولايات المتحدة وبريطانيا، للدراسة. وفقا للكاتبة التي اعتبرت "أن إصلاحات عبدالله كانت تجري من طرف خفي، ولكنها أسست للظروف التي مكنت ولي العهد محمد بن سلمان فيما بعد لإحداث تغييرات أكثر وضوحاً أحدثت تحولاً في المجتمع السعودي منذ 2016".


وعلى الرغم من جهود السعودية لتعديل ممارساتها الاجتماعية بحيث تنسجم مع الأعراف الدولية، إلا أن حرب الأسعار التي نشبت في مارس / آذار أظهرت إلى أي مدى لم تعد المصالح السعودية منسجمة مع المصالح الأمريكية.

 

وكان ذلك بمثابة المثال الأخير على كيفية انتهاج السعودية سياسات تضر بالأهداف الأمريكية، ويذكر في هذا المجال أن الكونغرس ما لبث منذ 2019 يدفع باتجاه اتخاذ إجراءات لفرض عقوبات على المملكة العربية السعودية بسبب جريمة القتل البشعة التي ارتكبت بحق جمال خاشقجي وبسبب الحرب على اليمن.

وأعرب أعضاء الكونغرس الأمريكي عن سخطهم واستيائهم من قرار المملكة العربية السعودية رفع مستويات إنتاج النفط، وذلك على الرغم من انهيار الطلب على النفط نتيجة لوباء كوفيد-19، وما نجم عن ذلك من ضرر لحق بالمنتجين داخل الولايات المتحدة. فقد وقع ثلاثة عشر من أعضاء مجلس الشيوخ، ممن يمثلون مناطق إنتاج النفط، خطاباً موجهاً إلى محمد بن سلمان ثم التقوا بعد ذلك بالسفيرة السعودية ريما بنت بندر، حيث طالبوا شريك الولايات المتحدة منذ زمن طويل باتخاذ ما يلزم من إجراءات للحد من التخمة في ما هو معروض من النفط في السوق.

 

ولقد ساهم السخط الذي ساد أوساط الجمهوريين الممثلين للولايات الغنية بالطاقة في إحداث تآكل إضافي في قاعدة الدعم السياسي للعلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية، والتي كانت قد تعرضت للتقليص من قبل الديمقراطيين الذين أغضبهم قتل خاشقجي كما أغضبتهم الحرب في اليمن، وترك ذلك السعوديين في حالة من الاعتماد المبالغ فيه على مشاعر المودة التي تكنها لهم إدارة البيت الأبيض، وهي الإدارة الأكثر مقايضة في تعاملاتها في التاريخ المعاصر.

 

ويبدو أن قرار تقليص الوجود العسكري الأمريكي داخل السعودية بعد الشجار الذي نجم بسبب حرب أسعار النفط إنما قصد منه تذكير محمد بن سلمان بحاجته إلى المظلة الأمنية الأمريكية وبمدى اعتماده عليها.

قد يقول المدافعون عن استمرار الوضع القائم بأنه ينبغي للولايات المتحدة الاحتفاظ بما لها من نفوذ على المملكة عبر الاستمرار في توفير الدعم العسكري والضمانات الأمنية. ولعل هؤلاء يشيرون إلى الإصلاحات الأخيرة التي أجرتها السعودية باعتبارها أدلة على نجاعة ما تمارسه الولايات المتحدة من تأثير أدى إلى التوجه نحو مزيد من الاعتدال.

 

إلا أن الإصلاحات السعودية لم تكن ناجمة عن أي ضغط مارسته الولايات المتحدة، بل إن الحافز الأساسي من وراء التغيير الاجتماعي هو دافع مالي، حيث لم تعد السعودية قادرة على تحمل نموذج اقتصادي وطني تقوم الحكومة من خلاله بدفع رواتب مواطنيها الذكور في قطاع حكومي متضخم يوظف أكثر بكثير من احتياجاته من الأيدي العاملة، وكذلك دفع رواتب سخية للإناث من المواطنين الذين لا يسمح لهن بالعمل، ودفع رواتب العاملين الأجانب الذين تناط بهم مهمة القيام بالأعمال المطلوبة داخل المجتمع.

على الرغم من مبادرات محمد بن سلمان، التي حظيت بكثير من الاهتمام، لتحسين صورة السعودية عالمياً في ما يتعلق بحقوق الإنسان، وبشكل خاص حقوق النساء، إلا أن نظام ولاية الذكور على الإناث ما يزال قائماً، وما تزال النسوة قاصرات في أعين القانون السعودي.


وبينما تستحق السعودية الإشادة بجهودها التي تهدف إلى توسيع نطاق الحريات الشخصية ليشمل مواطنيها وخاصة النساء منهم، إلا أن هذه الإصلاحات لا تحقق أكثر من جعل المملكة منسجمة مع الأعراف المتبعة في دول الخليج الأخرى، والتي لم يحصل أن فقدت النساء فيها حق قيادة السيارات أو السفر أو العمل. بل إن مجموعة من الإناث السعوديات الناشطات في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان ما زلن مسجونات ويتعرضن للتعذيب على الرغم من أن الدولة تسمح الآن بالعديد من الحريات التي كن يطالبن بها، مثل حق المرأة في قيادة السيارة.

 

يبدو أن محمد بن سلمان يخشى من أنه فيما لو بدا مستجيباً لمطالب المحتجين فإنه قد يساهم بذلك في إلهام المزيد منهم.

ما من شك في أن تواجد الولايات المتحدة العسكري في الشرق الأوسط، وبشكل خاص في المملكة العربية السعودية، سوف يستمر في إثارة حنق الشعوب المحبطة بسبب فساد الحكام المستبدين وبسبب مرتزقتهم الأمريكيين. حينما كانت الولايات المتحدة معتمدة على النفط العربي، كانت تلك الديناميكية واقعاً لا يمكن تجنبه.

 

إلا أن الفرص التي أوجدتها ثورة الزيت الصخري وما تم إحرازه من تقدم في تقنيات الطاقة البديلة يعني أن الولايات المتحدة ليست بحاجة لأن تخاطر بأمنها القومي من أجل الحفاظ على أمن الطاقة.

 

وحتمت بالقول: "ينبغي للولايات المتحدة الاستمرار في مسيرتها نحو الاستقلال التام في مجال الطاقة، ولكن ليس من خلال تعريض منتجي الطاقة في الولايات المتحدة إلى عدم الاستقرار الذي يكتنف سوق النفط العالمية. ينبغي للولايات المتحدة بدلاً من ذلك تحقيق الاكتفاء الذاتي الحقيقي من خلال تطوير موارد طاقة متجددة محلياً من غير الوارد أن تتعرض للتهديد من قبل حكومات أجنبية أو صراعات خارجية".