القدس/المنــار/ قبل عدة أسابيع طلب رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو من أجهزته الأمنية وتحديدا الاستخبارات وجهاز الامن العام (الشاباك) تقديرات دقيقة بشأن الموقف الفلسطيني في حال أقدمت اسرائيل على تنفيذ عملية الضم لأراض فلسطينية وفرض السيادة عليها، هذه التقديرات جاءت متطابقة، وخلاصتها أن الوضع الفلسطيني الداخلي لا يسمح بأية خطوات دراماتيكية قد تقدم عليها السلطة الفلسطينية لمواجهة أية قرارات قد تتخذها بهذا الخصوص.
جاء في التقديرات أن تصريحات المسؤولين الفلسطينيين لا تعدو كونها (عاصفة في فنجان)، وأن القيادة الفلسطينية أثبتت في أكثر من محور عدم اقدامها أو قدرتها على تنفيذ ما تهدد به من تحطيم لأدوات اللعبة مع اسرائيل، وأن التحريض الاعلامي الذي يسمح من جانب بعض القيادات في الجانب الفلسطيني، لا نلمسه في قنوات التواصل والاتصال، وهو لا يتعدى كونه جزءا من محاولات دائرة صنع القرار حفظ ماء وجهها في الشارع، لكن، هذه التقديرات المقدمة لنتنياهو أشارت الى امكانية حدوث تحولات وتغيرات هيكلية في السلطة، وقد يصبح دور منظمة التحرير الفلسطينية هو المسيطر والطاغي في المرحلة المقبلة، وأيضا هناك احتمال بحدوث فراغ في الحكم أو اقتتال داخلي في حال توفرت ظروف تجبر الرئيس محمود عباس على الاختفاء عن المشهد أو الابتعاد عنه، طبيعيا كان أو بدوافع مختلفة من حيث العمل والشكل كما شاهدناه من أوسلو الى اليوم.
تتابع هذه التقديرات بأن السلطة الفلسطينية منقسمة في داخلها وقد تضطر اسرائيل الى اتخاذ زمام المبادرة، والوصول الى نتيجة مفادها أن غياب السلطة هو الأفضل في المرحلة المقبلة.
وتفيد التقديرات أن الرئيس عباس والقيادة الفلسطينية الحالية في دائرة الخطر وفي المصيدة التي وقعت فيها منذ ولادتها، فهي من جهة تدرك أنها وصلت الى نهاية الطريق ولا تملك من الخيارات والوسائل ما قد يمنع أو يعرقل فرض السيادة الذي ستقدم عليه اسرائيل على مناطق في الضفة الغربية، أو حتى الاقدام على الغاء الاتفاقيات الموقعة مع اسرائيل.
وتدرك القيادة الفلسطينية أيضا أن الاصوات والرسائل القادمة من المجتمع الدولي بهذا الشأن غير مشجعة، ومجرد تحذير وغير قابلة للتنفيذ على الاطلاق بالنسبة للفلسطينيين، ودول هذا المجتمع وخاصة الاوروبية منشغلة في مواجهة كورونا وتداعياته الخطيرة على اقتصادها، كذلك، فان مشاورات هذه القيادة مع الانظمة العربية تفيد بعجزها أو تواطؤها ورفضها للموقف الفلسطيني، وهو رفض وصل في بعض الاحيان الى درجة التهديد الصريح.
وجاء في هذه التقديرات التي قدمتها الأجهزة الامنية الاسرائيلية الى نتنياهو أن السلطة اليوم لم تبارح او تغادر دائرة الانتظار والتلقي، وهي في انتظار الخطوة الاسرائيلية القادمة وحجم فرض السيادة وجوهرها.
والخوف لدى السلطة ـ تضيف التقديرات ـ أن يكون هناك تفاهم بين نتنياهو والرئيس ترامب على تمرير صفقة القرن رزمة واحدة، بما فيه الشق الذي يتحدث عن دولة فلسطينية منزوعة السلاح على ما تبقى من اراض في الضفة بعد الاقدام على الضم والاقتطاعات، وفي مثل هذه الحالة سيكون الموقف الاسرائيلي أقوى من امكانية انجاز عملية الضم فقط، فهذا سيمنح صفقة القرن فرصة كبيرة للنجاح على امتداد الساحة الدولية، ويؤخذ هنا بالاعتبار مواقف دول عربية المباركة لتمرير الصفقة.
ويجمع المستوى السياسي في اسرائيل، وبشكل تمثيله الحالي في الكنيست على ضرورة فرض السيادة الاسرائيلية على مناطق فلسطينية كما ورد في صفقة القرن، غير أن الكابح يبقى في يد المستوى الامني والعسكري الذي يرى ويفضل استمرار شكل التعاون القائم بين السلطة واسرائيل على مستوى التنسيق الامني وعدم التسبب في اشتعال مواجهة واسعة في المناطق الفلسطينية.
في ضوء هذه التقديرات، لا أحد يعلم حتى الان حقيقة موقف نتنياهو بهذا الشأن، هل يرغب بالفعل في اخراج قطار فرض السيادة من محطته، أم أنه فقط يرغب في ابقائه داخل المحطة، وسط ضجيج اعلامي، وواضح أن هناك انقساما بين المراقبين، فبعضهم يؤكد أن نتنياهو لن يقدم على مثل هذه الخطوة، في وقت يؤكد فيه البعض الاخر أن نتنياهو بانتظار الظروف المناسبة لاخراج صفقة القرن الى حيز التنفيذ برعاية أمريكية, والسؤال المطروح، الى أين سيقود نتنياهو حالة الجدل القائمة بشأن السيادة، يرى البعض أنه حتى لو لم تفرض السيادة، الا أن مسألة وضع اليد والسيطرة بشكل نهائي ليس من الناحية العسكرية فقط، وانما بقطار سياسي قانوني لم يعد حبيس دوائر اليمين المتطرف وانما اتجه منذ فترة ليصبح في دائرة الجدل في وسط الحلبة الحزبية في اسرائيل.
وتحدر الاشارة هنا، الى أن الرئيس الامريكي واضح صفقة القرن، معني في هذه المرحلة حيث الاستعدادات لمعركة الانتخابات الرئاسية بتنفيذ الصفقة بكامل بنودها، حتى يبقي على دعم وتأييد المسيحيين الانجيليين في الولايات المتحدة، الذين يمثلون نسبة كبيرة من قاعدته الانتخابية، والساعين الى أن تضم اسرائيل كافة الاراضي الفلسطينية، تحقيقا للنبوءة التي يؤمنون بها، دون أن ننسى أن نائب الرئيس "بينس" هو من زعامة هؤلاء الانجيليين.