لا تخلو مائدة إفطار رمضاني من بعض ثمر النخيل، جيده ورديئه، محليه ومستورده، رطبه وتمره، ولعل أجمل وأعذب أنواع هذه الثمرة ما تجنيه من نخلة ترزح في فناء دارك، لكن إن لم تملك هذه الرفاهية، فربما عليك أن تتعرف على أشهر أنواع التمور وصفاتها لتحسن اختيار ما يناسبك عند زيارتك للسوق في المرة المقبلة لشراء هذه الثمرة الحلوة.
في هذا التقرير نستهل سلسلة من التقارير حول التمور والنخل، أنواعها وصفاتها، واقتصادها وزراعتها، ما علق فيها وتأثر بها من موروث اجتماعي وثقافي وأدبي، تحت عنوان "عماتنا النخل".
تشتهر المنطقة العربية إضافة لغزارة إنتاج التمور، باحتوائها على عدد كبير من أصنافه وتفرعاته، حيث يذكر الأستاذ عبد الجبار البكر في كتابه "نخلة التمر" أن عدد أصناف التمور في العالم يتجاوز 2000 صنف، وفي العراق وحده يوجد نحو 600 صنف.
لكن هذه الأنواع بتفرعاتها لا يعرفها حتى بعض المتخصصين في المجال، لذلك لا يجب أن نستعرض جميعها ونكتفي بالمشهور الدارج لمعرفة كيف نقتني لموائدنا، وللغريب لنستأنس برواية حكايته.
مشاهير ثمر النخل
تشتهر بعض أنواع التمور لأسباب متعلقة بجودة الطعم والوفرة غالبًا، لكن ذلك لا يمنع من أن تشتهر ثمار لأسباب دينية، كذلك فيما يتعلق بسهولة النقل والتخزين.
سأشير إلى أشهر الأنواع رغم وجود ما يربو على الـ150 نوعًا من أنواع التمور المشهورة عربيًا.
العجوة
تعد العجوة الأكثر شهرة عالميًا لما لها من رمزية دينية، حيث ورد ذكر فضائلها في أكثر من حديث نبوي شريف، لعل أشهرها الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن سعد بن أبي وقاص حيث نقل عن النبي عليه الصلاة والسلام قوله: (من تصبَّح سبع تمراتٍ عَجْوَة لم يضره ذاك اليوم سمٌّ ولا سِحْر)، إضافة لتواتر زراعتها في المدينة المنورة وحمل زائري مدينة المصطفى لها إلى بقاع الأرض كافة، وتتميز العجوة إضافة لرمزيتها الدينية، بالمذاق الجيد وسهولة التخزين لجفاف قشرتها إضافة لقوامها القصير ولونها الغامق، ولا يفرق الكثير من الناس بينها وبين تمر الصفاوي الذي يمتاز بنفس الصفات مع استطالة أكبر من العجوة التي تأخذ الشكل الدائري.
ذكر مؤرخ المدينة السمهودي في كتابة عن تاريخ المدينة المنورة قبل 500 عام عجوة المدينة وتواتر زراعتها قائلًا: "ولم تزل العجوة معروفة بالمدينة يأثرها الخلفُ عن السلف، يَعْلَمُها كبيرُهم وصغيرُهم علمًا لا يقبلُ التشكيك"، وما زالت مزارعها متوارثة بين أهلها حتى اليوم.
دقلة النور
من التمور الأكثر شهرة وزراعة في بلدان المغرب العربي وخاصة الجزائر وتونس، وتتركز زراعتها في المناطق الجنوبية للبلدين في الواحات الصحراوية، يلقب الدقلة بـ"سيدة التمور" و"أصابع الضوء"، ويعتبر من التمور الفاخرة، حيث تحتوي بنيته على 70% سكر وماء ويأخذ الدقلة اللون الكهرماني وحلاوته معتدلة.
يعتبر من أنواع التمور المثيرة للجدل بشأن أصله، فهناك من ينسبه للعراق بقوله إن أصل اسمه "دجلة النور"، وهناك من نسبه لواحات تونس وآخر للجزائر، لكن تجتمع الآراء أن وجوده لا يتجاوز بضعة قرون في تونس والجزائر على حد سواء.
البرحي
أشهر أنواع التمور العراقية وينقسم إلى نوعين: برحي البصرة وبرحي بغداد، ويمتاز بالحلاوة العالية وخلو ثماره من المادة العفصية القابضة في مرحلة الخلال الأصفر فيؤكل رطبًا وتمرًا وقد نقل البرحي من العراق لكثير من الدول وأبرزها السعودية ومصر.
أثرت الحروب العراقية المتتالية على نخيل البرحي وتصديره، لكن الدول التي نقلت فسائله من العراق أنتجته بكثرة، لذلك قد تجد في الأسواق العالمية البرحي العراقي من إنتاج أسترالي أو سعودي أو مصري، ورغم أن جودته لا تقارن بثمار موطنه الأصلي، فإن عملية التسويق تلعب دورًا في الوصول للأسواق، ويعتبر رطب البرحي هو الأكثر جودة ولذة ويمتاز باللون الذهبي والشكل الدائري.
سكري القصيم
تشتهر به منطقة القصيم شرق السعودية، ويأتي بلونين: أصفر وهو اللون السائد والأكثر شهرة وآخر لونه أحمر يعرف محليًا بـ"سكري أحمر"، ويعرف السكري بالطراوة والحلاوة ويعاب عليه ضخامة حجم النواة وصعوبة التخزين لحاجته للتبريد كي لا يفسد.
ورغم أن هذا النوع يعرف بأنه أحد أشهر أنواع التمور المصدرة سعوديًا الآن، فإن أصله يعود للبصرة العراقية، وقد ذكر ذلك الكاتب السعودي سليمان الحديثي ويستشهد في كتاب "نور القبس" عن حادثة يصف فيها الأصمعي أحد أنواع تمور البصرة في مجلس هارون الرشيد والوصف للأصمعي مطابقًا لتمور السكري.
أحمد الملاح/نون بوست