كشف نائب رئيس حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في الخارج، محمد نزال، النقاب عن تفاصيل علاقة حركته مع المملكة العربية السعودية، بدءا من تبرعات بالملايين ولقاءات مع ملوكها وتوفير طائرات خاصة، وانتهاء بانتكاسة اعتقال 60 من كوادرها.
وللمرة الأولى تكشف "حماس" عن لقاء جرى بين قيادة الحركة مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، في العام 2015.
وقال "نزال" في حوار حصري مع قناة "الشرق"، إن اللقاء جرى بعد اعتقال السعودية لرئيس حركة "حماس" في الخارج، "ماهر صلاح"، وتمخض عنه الإفراج عن الأخير بعد عدة شهور.
واستعرض "نزال" تاريخ العلاقة مع السعودية، قائلا: "بعد انطلاقة حماس في العام 1989، بدأت الحركة نسج علاقتها مع جميع الدول بشتى توجهاتها وأفكارها، وكانت الممكلة السعودية من أوائل الدول التي أقيمت معها علاقات، لأهميتها الاستراتجية بالنسبة للحركة".
وتطرق "نزال" إلى بدايات العلاقة في العام 1990، قائلا: "في هذه الأثناء اندلعت أزمة الخليج، وتمثلت باحتلال العراق للكويت، وتم آنذك تشكيل وفد إسلامي للوساطة ورأب الصدع بين البلدين، وضم إبراهيم غوشة (قيادي بارز في حركة حماس)، والتقى بقيادة السعودية، ممثلة بالملك فهد بن عبد العزيز، وكان هذا اول اتصال مباشر مع المملكة".
وأضاف "نزال" مهدت هذه الزيارة إلى أول تواصل رسمي مع السعودية، وتم بعدها اللقاء مع الأمير تركي الفيصل (رئيس جهاز الاستخبارات آنذاك).
وتابع: "جرت زيارة في العام 1992، ودار حوار موسع بضرورة أن تكون هناك علاقات رسمية، ووافقت السعودية على ذلك، وتم الاتفاق على فتح مكتب رسمي في المملكة، برئاسة محمد الخضري".
وشهدت العلاقة، بحسب "نزال"، تحسنا مطردا وتدريجيا، ودلل على ذلك، بتوسط السعودية بزيارة وفد من حماس للكويت، للحد من التوتر ورأب الصدع بين الكويت والسلطة الفلسطينية، بسبب موقف الأخيرة، من الاحتلال العراقي للكويت.
وقال: "وفرت السعودية طائرة خاصة لزيارتين إلى لكويت، إذ كانت حماس رافضة للغزو العراقي".
واستمرت العلاقة بالتطور، وفق "نزال"، وتمخض عنها زيارة الشيخ أحمد ياسين (مؤسس حركة حماس) للسعودية في العام 1998، حيث مكث بضعة شهور بالمملكة، وحظي برعاية كبيرة، وزاره ولي العهد السعودي آنذاك الأمير عبد الله بن عبد العزيز.
وكشف نزال، بأن السعودية تبرعت للحركة بـ15 مليون ريال سعودي، "فقد أوفد الملك فهد بن عبد العزيز، نجله عبد العزيز، بتبرع مقداره خمسة ملايين ريال سعودي، سلمها للشيخ ياسين أثناء إقامته بالمملكة، وبعدها أوفد ولي العهد، الأمير عبد الله بن عبد العزيز، نجله متعب، بتبرع قيمته عشرة ملايين ريال سعودي".
وأضاف طوال عقدين من الزمن كانت قيادة حركة حماس، ممثلة برئيس مكتبها وقيادتها، تزور المملكة في العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، ويتم استضافتها بقصر "الصفا" بمكة، فضلا عن لقاءات كثيرة كانت تجري مع القيادات السعودية، كما كانت تفسح المجال لحماس بجمع التبرعات بمعرفتها ومباركتها".
تدهور العلاقة
ويرجع بداية تدهور العلاقات، بحسب نزال، إلى اتفاق مكة، حيث استضافت السعودية، في عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز، الحوار الفلسطيني بين حركتي "حماس" "وفتح" في العام 2007م، وما ترتب بعد ذلك من انهياره وفشله، ما شكل غضبا سعوديا مما جرى.
ولكنه استدرك، "على الرغم من آثار اتفاق مكة السلبية بالنسبة للسعودية، إلا أن العلاقة بقيت قائمة ومستمرة".
وانتقل "نزال" في السرد التاريخي للعلاقة، إلى العام 2014، الذي شكل علامة فارقة بين الطرفين، إذ تم اعتقال الدكتور ماهر صلاح (رئيس حركة حماس في الخارج)، الذي كان يقيم بشكل طبيعي في السعودية.
فشكلت الحركة حينها، وفدا ضم رئيس مكتبها السياسي السابق خالد مشعل، الذي زار المملكة في شهر رمضان من العام 2015، والتقى مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان.
وتمخضت الزيارة، بحسب نزال، عن الإفراج عن "صلاح" بعد لقاء خاص مع بن سلمان، كما جرى الاتفاق على عقد لقاء آخر، من أجل بناء صورة جديدة للعلاقة بين الطرفين.
لكنه استدرك: "من المؤسف القول أن شيئا إيجابيا لم يحدث، بل على العكس حدثت الاعتقالات وطالت القيادي محمد الخضري، أول مسؤول للحركة في السعودية".
وعزا "نزال" أسباب انتاكاسة العلاقة بين الطرفين إلى حجم الضغوط التي تعرضت لها المملكة من أمريكا و"إسرائيل" وبعض الانظمة العربية".
وكشف نزال عن لقاء آخر تم خلال العام 2015 مع اللواء خالد الحميدان (رئيس جهاز الاستخبارات السعودي)، ووصفه بالودي والشفاف والصريح.
وعن مستقبل العلاقة بين الطرفين، قال: إن "ما جرى أساء لصورة المملكة، في إشارة إلى الاعتقالات، فالفلسطينون يكنون كل تقدير واحترام لها، فلا بد للسعودية أن تعيد النظر في هذه السياسة، فالاصطدام ليس بمصلحة السعودية، ولا مصلحة القضية الفلسطينية".
وتمنى القيادي بحماس أن تستمع السعودية لصوت العقل، قائلا: "إنه يجب أن يكون أعلى من الأصوات الناشزة، التي تريد أن تصطاد بالماء العكر".
كما استهجن نزال حملة الاعتقالات السعودية التي طالت 60 شخصا من الفلسطينيين والأردنيين، بزعم تقديم الدعم للشعب الفلسطيني.
وأضاف من المستغرب والمستهجن اعتقال "محمد الخضري"، فإذا كان بسبب موقعه، فهذا كان بالاتفاق مع السعودية، وبقي 13 عاما ممثلا لحركة حماس، وفق قوله.
وقال إن الخضري لم يرتكب جرما وكان وجوده شرعيا، بمعرفة السلطات السعودية، واعتقاله يخالف كلا الأعراف العربية السياسية والدبلوماسية، بل طالت الاعتقالات نجله "هاني"، دون وجود أي سبب، بحسب نزال.
وبدأت السلطات السعودية في 8 مارس/آذار الماضي، بمحاكمة نحو 62 فلسطينيا (بعضهم من حملة الجوازات الأردنية) مقيمون داخل أراضيها.
وفي 9 سبتمبر/أيلول 2019، أعلنت حماس عن اعتقال السعودية لـ" محمد الخضري" ونجله، وقالت إنه كان مسؤولا عن إدارة "العلاقة مع المملكة على مدى عقدين من الزمان، كما تقلّد مواقع قيادية عليا في الحركة".
وأضافت أن اعتقاله يأتي "ضمن حملة طالت العديد من أبناء الشعب الفلسطيني المقيمين في السعودية"، دون مزيد من الإيضاحات.
من جهته، قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان (مقره جنيف)، في بيان أصدره يوم 6 سبتمبر 2019، إن السعودية تخفي قسريا 60 فلسطينيا؛ من بينهم الخضري ونجله.
قناة الشرق +قدس برس