القدس/المنـار/ بعد مد وجزر واتصالات مكثفة ومفاوضات مطولة توقفت جولاتها اكثر من مرة خرج الى النور الائتلاف الحكومي الاسرائيلي برأسين "بيبي نتنياهو وبيني غانتس" ويبدو من سير هذه المفاوضات ان اللقاءات الثنائية بينهما ساهمت بقوة في تشكيل الائتلاف، وساعدت على انجازه تداعيات جائحة كورونا في الساحة الاسرائيلية والتدخلات الخفية للرئيس الامريكي دونالد ترامب وخوفا من أن يلحق بهما الفشل ويفقدان معا فرصة قيادة هذا الائتلاف الحكومي. فنتنياهو يخشى ان تفوته هذه الفرصة فتطبق عليه ملفات الاتهام داخل اروقة القضاء، ويبدو أنه فقد فرصة الحصول على نسبة الـ 61 مقعدا بدون انضمام غانتس وخشي أيضا ان يفوت فرصة تنفيذ صفقة القرن في عهد واضعها الرئيس الامريكي.
اما غانتس فهو الاخر كان معنيا بقوة أن يحافظ على ماء الوجه حتى لا يصبح معزولا في صفوف المعارضة، وهو الذي غادر رفاقه الى حضن نتنياهو بعد ان استخدام القائمة العربية المشتركة جسرا للنكوص والتوجه الى هذا الحضن، وأدرك في الايام الاخيرة أن الذهاب الى انتخابات رابعة، سيفقده ادنى حد في التأثير داخل الحلبة السياسية، وجمعت بين الاثنين مسألتان هامتان، الأولى، المضي معا لترجمة صفقة القرن، وهذا ما طلبه منه وسمعه من دونالد ترامب عند لقائه الرئيس الامريكي، والمسالة الثانية عدم اجراء تعديل على قانون القومية العنصري، وكانت قائمة الطيبي عودة، والجهات التي دعمتها قد راهنوا على تغيير واسقاط نتنياهو برهانهم على غانتس الذي لا يختلف عنه أبدا، خاصة في درجة العداء للشعب الفلسطيني.
الائتلاف الحكومي الاسرائيلي سيقود حربا شرسة ضد الفلسطينية باسناد امريكي، في ظل انشغال عالمي وعجز وتواطؤ عربيين وانقسام مؤلم وخطير في الساحة الفلسطينية، التي لا تمتلك قيادتها استراتيجية مدروسة للرد على هذه الحرب التي ستستأنف فور اداء اعضاء الائتلاف القسم امام الرئيس الاسرائيلي.
وبالقاء الضوء على ما جمله الاتفاق بين غانتس ونتنياهو نجد أن زعيم اليمين وحزب الليكود الذي حافظ على تماسك معسكره قد انتزع في المفاوضات الائتلافية جميع مطالبه واشتراطاته بما فيها الاشتراطات الخاصة بتعيين قضاة المحكمة العليا واستمرار التواصل مع ادارة ترامب لتطبيق صفقة القرن التي تخدم ايضا الرئيس الامريكي، وهي الصفقة التي تهدف الى تصفية القضية الفلسطينية، وسنرى قريبا كيف أن هذا الائتلاف سيتجه الى ضم أجزاء من أراضي الضفة الغربية وتوسيع المستوطنات وفرض السيادة عليها، وبشكل خاص منطقة الأغوار.
بنيامن نتنياهو الذي لا يخشى استخدام كل الوسائل للبقاء على رأس الحكم بعيدا عن مقعد المحاكمة، نجح بذكائه وخبثه وخبرته على جر بيني غانتس وكسر الحزب المنافس وخلال فترة ولايته سيجد التبرير لاسقاط غانتس من هذا الائتلاف والذهاب الى انتخابات رابعة، خلال فترة ليست بالبعيدة طمعا في ضمان التفرد بتشكيل ائتلاف حكومي مريح ضد ابتزاز او ضغط من احزاب منافسة، واذا كان هذا المطلب ليس في وارده، فسيكتفي بتحقيق سياساته التي لم يحققها من سبقوه، وتحديدا ما يتعلق بالصراع الفلسطيني الاسرائيلي، ليدخل تاريخ اسرائيل من اوسع ابوابه، منهيا حياته السياسية بانجازات وانتصارات تغفر له سلبياته وسقطاته.
واذا ما جرت انتخابات رابعة، فان عددا من الاحزاب سوف تتلاشى على الخارطة الحزبية ومنها حزب بيني غانتس الذي اوصله شريكا في الائتلاف الحكومي حسابات القائمة العربية المشتركة الخاطئة، وقصور الهواء التي بناها اعضاء القائمة الذين ريما "ضحكوا" على داعميهم ومن صدقوهم، او نقلوا اليهم رؤية خاطئة وتقديرات مغلوطة غير سليمة.
ويحضرنا في هذا السياق، كيف استخدام بيني غانتس القائمة المشتركة بأقوال ووعود كاذبة وبرغبته في استوزار عدد منهم، وامتطى القائمة اياها جسرا للولوج الى حضن نتنياهو ليحقق مصالحه التي رأى انه لن يجدها في تحالفه مع شركائه.
ويحضرنا هنا ايضا، ما قاله ايمن عودة رئيس القائمة المشتركة: "لقد اكل نتنياهو غانتس بدون ملح"، أما هو ورفاقه قد انحنوا لغانتس دون ثمن، اليست القائمة العربية هي التي اوصلت غانتس الى الائتلاف مع نتنياهو ليقودا حكومة بقاعدة واسعة تطبق كل الاهداف التي يؤمنان بها وفي مقدمتها تصفية القضية الفلسطينية.
والآن، السؤال الذي يطرح نفسه: كيف ستواجه القيادة الفلسطينية هذا التطور الخطير في الساحة الاسرائيلية..هل تتوقف عن المناشدات والتصريحات الكلامية والرهان على الغير، وتختار البحث عن خيارات فلسطينية خالصة وجدية، فلا مجال للتردد والانتظار والاستمرار في الأخذ بالنصائح السامة من هذه العاصمة وتلك، ومن هذا "الموشوش" و "ذاك".
في اسرائيل تحقق الاتفاق على تشكيل الائتلاف الحكومي، ترى هل تتفق فتح وحماس على انهاء الانقسام وتحقيق المصالحة؟!!