ليست خطة الضم وحدها التي تنتظر التنفيذ، فاسرائيل وامريكا بدأتا عمليا ومنذ زمن ترجمة بنود الصفقة الترامبية، والردود الدولية عليها كانت لحظية باهتة شكلت عامل تحضير لمواصلة تطبيق هذه الصفقة ولم تستخدم القيادة الفلسطينية اوراقا جادة مؤثرة تدفع الجانبين الاسرائيلي والامريكي الى اعادة النظر في ما طرحاه، وسلوك مسار عادل يؤدي الى سلام حقيقي وشامل عبر مبادرة سياسية متوازنة، وحتى الردود العربية فهي اقرب الى التواطؤ منها الى التنديد الخجول المبطن بموافقات مسبقة والاستعداد للتمويل من جانب أنظمة الردة في الخليج.
الرد الفلسطيني الرسمي لم يتعد الشجب والرفض اللفظي والتحرك الدبلوماسي غير المؤثر في ساحات أغلقت في وجه الفلسطينيين بفعل الاختراقات الاسرائيلية، أما الردود الشعبية فكان مرسوما لها أن لا تخرج عن المألوف أي وفق مقاييس محدودة يحظر عليها الشمولية والاتساع، مما اثار تساؤلات عديدة، خاصة من جانب الهيئات والاعلام الخارجي، أما الاعلام الداخلي فهو ملتزم بالصمت والتنظير لما هو مدروس ومطروح يتعلق بكيفية الرد، ورغم ما تبديه كل الجهات الرسمية والفصائلية من تأييد للمقاومة السلمية خيارا تصفه بالاستراتيجي لم يتم استخدامه، وبقي خيارا جزئيا في بعض المواقع وبدون كثافة من حيث المشاركة.
رأينا في (المنــار) عرض هذه المقدمة قبل التعليق على ما ورد على لسان مسؤول في موقع رسمي وفي دائرة صنع القرار، مدخلا لتبيان بعض الحقائق المنسية من الجانب الرسمي، الذي لم يصل بعد الى اعتماد خيارات مؤثرة بحجم الهجمة التي لم تتوقف نهبا للارض وشرعنة للاحتلال، رد هذا المسؤول لا يختلف عن الردود التي اعلنتها القيادة، منذ الحديث عن صفقة القرن، وهي الردود التي تنشرها (المنـار) في سياق ما نطرحه صراحة وحرصا.
هذا المسؤول في منظمة التحرير يقول "أن السلطة الفلسطينية تواصل حشد ائتلاف دولي رافض لخطة ضم اسرائيل لأجزاء من الضفة الغربية ترجمة لصفقة القرن، يفترض أن تدخل حيز التنفيذ هذا العالم 2020 ويضيف أن مسؤولين دوليين أجمعوا على رفض مخطط الضم والتوسع في الاستيطان".
ترى ألم يكتمل بعد هذا الحشد والائتلاف الدولي، وما هي بوادر تشكله ومن هي الدول المشاركة فيه، ونحن نعلم أن الاتحاد الدولي عقد اجتماعا له قبل ثمانية اشهر ونيف ولم تجرؤ دولة على اتخاذ موقف او قرار معارض لصفقة القرن متذرعة بعبارة "لننتظر" حتى تطرح الصفقة، وأغلقت أفواه قياداتها بعد أن خرج ترامب الى جانبه نتنياهو على الملأ وبكل صلف ليعلن بنود صفقته.
وجاء في تصريح المسؤول الفلسطيني: "ان مسؤولين دوليين أجمعوا على رفض مخطط الضم والتوسع في الاستيطان".. هذا الرفض يبدو من قناصل وسفراء ومبعوثين طرح في الغرف المغلقة وللاستهلاك لا أكثر وهؤلاء لا يمكلون حق اتخاذ القرارات و "اجماعهم" لا يستند عليه في اتخاذ المواقف في دولهم، ثم هل رفض التوسع في الاستيطان يعفينا من المطالبة باقتلاع كل الاستيطان المستمر منذ العام 1967؟!
وأما بالنسبة لما أخبرنا به هذا المسؤول بأنه تلقى تأكيدات على ضرورة الحفاظ على مبدأ حل الدولتين، فقد غاب عن ذهنه أن هذا المبدأ بات في خبر كان، ولم نسمع أيا من "المؤكدين" صرخ في وجه ترامب مطالبا بحل الدولتين، الذي ما زلنا نواسي به انفسنا وهو السراب بعينه، والوهم المتبدد.
لم يأت المسؤول الفلسطيني على ذكر فيما اذا كانت هناك تأكيدات للدول العربية، برفض الضم والتوسع الاستيطاني وهما من بنود صفقة القرن، أم أن هناك اعتبارات تمنعه من التعرض لها، وهو لا شك يعلم يقينا أن أنظمة الردة في الخليج وعلى رأسها النظام الوهابي السعودي استعدت قولا وفعلا على تمويل الصفقة، ومارست ضغوطا على القيادة الفلسطينية بقبول بنودها، والا!!
وأعاد هذا المسؤول اسطوانة "ان السلطة لن تتحول الى سلطة وظيفية في خدمة الاحتلال.. سلطة بدون سلطة واحتلال بدون كلفة، مثل هذه الاقوال سمعناها كثيرا وفي العديد من الاجتماعات الفلسطينية، كانت هناك تهديدات بخطوات عملية للرد.. لكنها، لم تنفذ ولم يجر الحديث والبحث حتى الان عن خيارات جادة لاستخدامها في مواجهة كل هذه التحديات، واما التمسك بغزة فالحديث عن الانقسام بات يصدع الرؤوس والعاجزون عن تحقيق مصالحة حقيقية، رغم كل ما يواجه الشعب ويعيشه من ويلات وكوارث، كيف يمكن لهم مواجهة صفقة القرن وتفعيل وتطبيق "حل الدولتين"؟؟
ونسأل المسؤول اياه.. ألم تتحول السلطة بعد الى سلطة وظيفية.. ولا نريد التوسع في هذا الامر؟! وتصريحاته هذه لم تتضمن اعترافا بأن هناك اتفاقا تم التوصل اليه بين اسرائيل وامريكا على "خريطة المناطق" التي ستضمها تل أبيب فور التشكيل الوزاري، أي قبل نهاية العام بكثير، ما لم تكن هناك مواقف صادقة جادة وخيارات فلسطينية خالصة لمواجهة الطوفان القادم ـ فلا فائدة من التصريحات واللقاءات الاعلامية والجلوس مع السفراء والقناصل والمبعوثين من كل جنس.
وما نخشاه أن هناك من يؤمن بـ "الوشوشة" و "الاستمرار في الانتظار".. الى أن تنتهي الانتخابات الامريكية مثلا، مع املنا في أن يكون الرهان المفضوح على "كحول لفان" وبيني غانتس درسا نستخلص منه العبر والدروس.
أوروبا والفلسطينيون في زمن كورونا
إن السعي ـ حسب المسؤول الفلسطيني ـ لحشد ائتلاف دولي رافض لخطة ضم اسرائيل لأجزاء من الضفة الغربية، لم يبنى ولم يتشكل على امتداد السنوات الماضية.. وهذا المسؤول يقصد بالدرجة الاولى، الاتحاد الاوروبي، دول الاتحاد صمتت عندما أعلن ترامب صفقته، فكيف لهذه الدول أن تنضوي الان تحت ائتلاف مقاوم لخطة أمريكا واسرائيل فرض السيادة على اجزاء من الضفة الغربية.. انه اضغاث احلام. ما قبل كورونا .. موقف اوروبا "ذيلي" باهت لا يخرج عن السير في الركاب الامريكي، فكيف سيكون اذن في زمن فيروس كورونا؟!
اوروبا مثخنة بالجراح وكورونا غرس انيابه في جسدها، اقتصادها ينحدر وفي انهيار، والخسائر المادية والبشرية في اطراد وتزايد مستمر، والاستغاثات بالاسناد تخرج وتنطلق من الاعماق.. أوروبا ستظل مشغولة سنوات طوال بتداعيات جائحة كورونا وليس لديها حتى الوقت الكافي للتعاطف مع الفلسطينيين، فأي ائتلاف يجري التحشيد له؟!
تسلسل المواقف الفلسطينية من صفقة القرن
للعلم والتذكير نسرد بتسلسل المواقف الفلسطينية من صفقة القرن، حسب اجتهادات توثيقية انطلاقا من "فذكر ان نفعت الذكرى يا اولو الألباب".
منذ إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في العام 2017 عن (نواياه) اتجاه الصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي وتكليف طاقم من مستشاريه برئاسة كبيرهم (الصهر ) جاريد كوشنير باعداد "صفقة السلام" بتنسيق مع اسرائيل وتشاور مع أصدقاء واشنطن من الأنظمة العربية المعتدلة، تنوعت "أساليب المواجهة" الرسمية الفلسطينية لهذه الصفقة من جانب المسؤولين في دائرة صنع القرار الفلسطيني والتي اخذت شكلا "متذبذبا" على المقياس الزمني بداية باعلان ترامب عن نواياه في العام 2017 ووصولا الى الاعلان الرسمي عن هذه الصفقة الأمريكية وتفاصيلها وبنودها بداية العام الجاري 2020، فبعض المسؤولين الفلسطينيين "لجأ" الى "التشكيك" بوجود مثل هذه "الصفقة" معتبرا اياها "أوهام" و "سحابة صيف" ستتبدد وتنقشع مع الأيام، وهناك من اختار اللجوء الى الأسلوب "الحماسي" المبني على (الرؤية التحليلية المستقبلية) ليؤكد أن صفقة القرن "ولدت ميتة ولا مستقبل لها"، غير أن دوران "عجلة الصفقة الامريكية للسلام" وانتشار تسريبات متتالية بشأن بنودها في الصحافة الامريكية والاسرائيلية واستضافة عاصمة عربية لمؤتمر اقتصادي داعم لشقها السياسي بالاضافة الى قرارات امريكية متتالية لصالح اسرائيل واحتلالها للارض الفلسطينية، فرض على دائرة صنع القرار الفلسطيني استبدال "الاسطوانة الحماسية" بـ "تصريحات تشاؤمية" بـ "اعصاب مشدودة تارة"، من خلال تصريحات تتبنى اسلوب "الندابة واللطيم" والتحذير من أن «الولايات المتحدة نفذت بالفعل 70% من صفقة القرن عبر الإجراءات التي اتخذتها تجاه القدس واللاجئين الفلسطينيين والمستوطنات»، وتارة اخرى بـ "تصريحات مبتهجة" بـ "اعصاب مرتخية" تتعلق بـ "قشة تحولات مأمولة في ساحة الاحتلال الداخلية" كان ابرزها تصريحات كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات التي اطلقها في تغريدة على "تويتر" في ايار 2019 عندما قال: (صفقة القرن التي يعتزمون الإعلان عنها قريبا أصبحت الآن صفقة القرن القادم)!!!.